أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
نظرة حول معجزات المسيح

هناك البعض من رجال الله والأنبياء في التاريخ المقدس المسجل لنا في كلمة الله، قاموا بأعمال معجزية متنوعة، فقد صنع موسى معجزات في أرض مصر متمثلة في الضربات العشر، وشق البحر الأحمر بعصا لعبور الشعب، ثم ضرب الصخرة فتفجرت المياه.  إلا أن كل هذه الآيات والعجائب قد نسبت للرب سواء ما جرى منها في أرض مصر (مز105: 26-38)، أو في عبور البحر الأحمر (مز106: 9)، أو في شق الصخرة (مز105: 41).  وإيليا وأليشع، كل في يومه، صنع أيضًا معجزات، لكنها عُملت تحت السلطان الإلهي حيث نجد تكرار القول: «هكذا قال الرب» (1مل17: 14؛ 2مل3: 17).  فالكل كانت معجزاته تعبيرًا عن سلطان الله لا سلطانهم الشخصي.

أما المسيح فقد قام بأعمال معجزية متنوعة بمقتضى سلطانه الذاتي، إذ لم يكن محتاجًا إلى تفويض إلهي من الله، مثل موسى وغيره من الأنبياء، للقيام بالأعمال المعجزية، بل كان له الحق الكامل والسلطان المطلق للقيام بكل الأعمال المعجزية.  وفى هذا المقال سنلقي نظرة عامة على معجزات المسيح، وسنوجز حديثنا في النقاط السبع التالية:

1- الغرض من معجزات المسيح 

2- الباعث لمعجزات المسيح

3- السلطان الشخصي في معجزات المسيح 

4- الغرض من تنوع معجزات المسيح

5- التفرد في معجزات المسيح 

6- الهدوء والاتضاع في معجزات المسيح

7- بين الحقيقة والخرافة في معجزات المسيح.

أولاً: الغرض من معجزات المسيح

لا شك أن كل من قاموا بمعجزات في الكتاب المقدس كانوا يهدفون إلى شيء ما من وراء هذه المعجزات، أو قل إن الله كان له غرض منها.  ومن أهم هذه الأغراض هو تأكيد إرسالية النبي ورسالته، وذلك من خلال العمل المعجزي.  فقد برهن موسى ويشوع وإيليا وأليشع أن كلاً منهم مرسل من الله.  أما المسيح فلم يكن أقل من هؤلاء من هذا الجانب، فقد برهن من خلال أعماله المعجزية على أنه مرسل من عند الله.  وعليه فإن قيام المسيح بإجراء المعجزات يؤكد حقيقة وصدق إرساليته (يو11: 42).

أما الغرض الآخر لمعجزات المسيح فهو البرهان على أنه هو المسيا الذي جاءت عنه نبوات العهد القديم.  ففي إشعياء 35: 4 نقرأ عن المسيح: «هو يأتي ويخلّصكم»، وتم فيه القول: «تتفقح عيون العمى وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالأيل، ويترنم لسان الأخرس» (إش35: 5،6).

أ ليس هذا ما تم في معجزات المسيح، فلقد فتح أعين العميان (مت9: 29،30)، وهو ما أكدّه في مجمع الناصرة «لأنادي.. للعمي بالبصر» (لو4: 18). كما أنه فتح الآذان الصماء، وجعل الرجل الأعقد يتكلم صحيحًا (مر7: 33-35)، وأقام المفلوج (مت9: 6،7).  لقد قدم البرهان تلو الآخر من خلال معجزاته على كونه هو رجاء الشعب طبقًا للنبوات، وذلك لكي يكون موضوع إيمانهم باعتباره ”المسيا الموعود به“.

ثانيًا: الباعث لمعجزات المسيح

إن المسيح لم يقُم بالمعجزات باعتباره المسيا فقط، بل كان الباعث والمحرك الباطني لمعجزات المسيح هو فيض أحشائه بالعطف والحنو والحب على مساكين شعبه.  فمَن مِن كل مَن قاموا بمعجزات قيل عنه أنه ”تحنن“ سوى شخص المسيح له المجد.

فقد تحنن على الأفراد، كما تحنن على الجموع.  تحنن على الأعميين في ظلمتيهما (مت20: 34) وتحنن على الأبرص في عزلته ووحدته (مر1: 41) وتحنن على أرملة تبكي فقدان وحيدها (لو7: 13).

كما أننا نراه يتحنن على الجموع أيضًا (مت9: 36 ؛14: 14) إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها، معرضة لكل أنواع الأذى.  لذلك نراه يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.  فكيف لا تتحرك أحشاؤه وهو يرى مساكين شعبه ممزَّقين نفسيًا ومعتلّين صحيًا ومنطرحين بلا عناية أو حماية.  لقد كانوا كغنم لا راعي لها، فقادة الأمة الدينيين لم يبالوا بما كان عليه الشعب المسكين، فأتى المسيح ليطعمهم ويشفيهم ويحميهم.  لقد كانت معجزات المسيح هي رد فعل أحشائه الداخلية إزاء أحوال شعبه.  لقد كانت عواطفه وقدرته رهن الحاجة الإنسانية أينما وُجدت، فلم يكن ممكنًا لأي إنسان أن يطرق باب رحمته في أي وقت إلا ويسرع إليه، تسبقه أحشاؤه الرقيقة قبل ذراعه القديرة لتلبية الحاجة مهما كان نوعها وعمقها.  فبعد عناء يوم طويل وشاق في خدمة مضنية قدّموا إليه في المساء جميع السقماء والمجانين فقبلهم وأراحهم وشفاهم (مر1: 32،33).  لم يضجر ولم يعتذر بسبب مشقات الخدمة التي واصلها من الصباح وحتى المساء، ولم يؤجل حاجة من أتوا إليه طالبين معونته إلى اليوم التالي.  فإن كان الله قد جعل للإنسان أوقاتًا للعمل وأوقاتًا للراحة، إلا أن احتياجات البشر ومعاناتهم كانت تستحوذ على كل اهتمام المسيح وعنايته، فلم تكن له راحة مع وجود نفوس تعاني، بل لقد كانت راحته وسعادته الحقيقية تكمن في تلبية حاجات البشر من كل جنس ولون (مر7: 26).

ثالثًًا: السلطان الشخصي في معجزات المسيح

إن كل الأنبياء الذين قاموا بمعجزات قبل مجيء المسيح والذين قاموا بأعمال معجزية أثناء وجود المسيح على الأرض أو بعد صعوده للمجد، وهم تلاميذه ورسله؛ كل هؤلاء وأولئك استمدوا هذا السلطان من الله أو من المسيح نفسه.  أما المسيح فكل المعجزات التي أجراها كانت بمقتضى سلطانه الشخصي، وهذا كان وقفًا عليه وحده.  ولهذا كانت معجزات المسيح تتم بتلقائية شديدة، وقد كانت الأعمال المعجزية تمثل طابع الحياة اليومية للمسيح، وكل ما أورده الكتاب عن معجزات المسيح ذُكرت على سبيل المثال كنوعية لما صنع المسيح من معجزات (يو21: 25).

وقد أورد لنا الرسول متى في بشارته الأصحاح الثامن والتاسع، عشر معجزات متنوعة قام بها المسيح من نحو أفراد، ثم ختم هذه المعجزات بذكر معجزة عامة أو جماعية ليبرهن بها على سلطان المسيح الشخصي، أنه كان يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب وفي الوقت نفسه اعتبر متى حالة الشفاء الجماعي مقدّمة وتمهيدًا لإرسال المسيح لتلاميذه في إرساليتهم الأولى إلى خراف بيت إسرائيل (مت10: 5-10) مزوَّدين بسلطان منحه إياهم شخص المسيح، وهذا السلطان الممنوح لهم من المسيح يؤكد ويبرهن على أمرين:

الأول: أن العمل المعجزي الذي قاموا به في إرساليتهم (مت10: 1) لا يُعزى لأيّة قدرة خاصة فيهم، لأن نفس هذه المجموعة من التلاميذ فشلوا في شفاء الولد المصروع (مت17: 14-16) وما فشلوا فيه جميعًا قام به المسيح بمفرده بمقتضى سلطانه الشخصي.

الثاني: أنه لا يوجد من يستطيع أن يهب أحدًا من البشر قدرة على العمل المعجزي.  لهذا فقد فشل جيحزي غلام أليشع في مهمة إقامة الميت، لأن أليشع لم يكن له الحق أو السلطان لمنح غلامه قدرة على العمل المعجزي (2مل4: 29-31)، فهذه السلطان وقف على الله وحده. أما المسيح فقد كان له ذات الحق والسلطان أن يمنح تلاميذه ما أراد، باعتباره ابن الله.

رابعًا: الغرض من تنوع معجزات المسيح

إن تنوع معجزات المسيح برهن على أنه استطاع أن يتلاقى مع كل جوانب الاحتياج الإنساني أيَّا كان نوعه.  لقد استطاع أن يتلاقى مع كيان الإنسان ليعيد إليه اتزانه وسلامه العقلي والروحي وسلامه النفسي وصحته الجسدية.  أ لم يفتح الآذان لتسمع، واللسان ليتكلم (مر7: 35)؟ أ لم يشف المفلوج ليمشي (مر 2: 10،11) وذا اليد اليابسة ليعمل (مر3: 5)؟ أ لم يعِِد للمجنون عقله (مر5: 15) وللأعمى بصره (مر10: 52)؟ أ لم يشفِ الأبرص من الخارج (مر1: 41،42) ويوقف نزيف الدم الجاري من الداخل (مر5: 29)؟ 

لقد أعاد المسيح للإنسان (جزئيًا) الحالة التي كان عليها قبل السقوط ودخول الخطية التي أفسدت الجنس البشري بهذه العلل المروعة!  ولو أن هذه المعجزات تحمل مغزى روحي وأدبي ونبوي لا يمكن إغفاله.

خامسًا: التفرد في معجزات المسيح

إن كانت معجزات موسى ويشوع خاصة بكل شعب إسرائيل، ومعجزات إيليا وأليشع اتصفت بكونها في معظمها لأفراد، أما معجزات المسيح فقد تميزت بكونها قد جمعت بين معجزات لأفراد ومعجزات جماعية؛ وفى هذا تفرد المسيح عن كل سابقيه.

لقد تفرد المسيح في معجزاته عن سابقيه كَمًّا ونوعًا.  فمَن مِن الذين صنعوا معجزات استطاع أن يفتح أعين أعمى مثلاً، باستثناء حالة أليشع القضائية (2مل 6: 18-20)؟  فهذا النوع من المعجزات تفرّد به المسيح وحده.

كما أن معجزات المسيح تميزت، جميعها وبدون استثناء، بالنعمة الكاملة نحو البشر، فلم يُجرِ معجزة قضائية واحدة ضد إنسان مثلما فعل إيليا (2مل1: 10-12) أو كما فعل أليشع (2مل2: 42؛ 5: 27؛6: 18).  لقد تميز المسيح في معجزاته لا في تنوعها وكثرتها فقط، بل في طابع الرحمة والنعمة للجميع.

سادسًا: الهدوء والاتضاع في معجزات المسيح

الهدوء: لقد اتصفت المعجزات التي قام بها المسيح، خاصة المعجزات التي واجه فيها قوى الطبيعة مثل الرياح والبحر الهائج والقوى فوق الطبيعية مثل الشياطين، نراه في مواجهة كل هذه يتحلى بالهدوء والسلام العميق. أ لم يكن في وسط العاصفة نائمًا؟  وعندما أيقظوه، قام بكل هدوء وبدون أي انفعال، وقال للرياح والبحر: ”اسكت، أبكم“، فصار هدوء عظيم، نظير هدوئه الداخلي العميق (مر4: 38-40).  وبذات الهدوء واجه المجنونان على الرغم من أنه لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق (مت8: 28)، إلا أن الرب بسلطانه الهادئ والثقة باعتباره سيد كل المواقف، أمر الشياطين أن يمضوا.

الاتضاع: فنراه على سبيل المثال يصنع معجزة بين أسرة فقيرة في كفرناحوم، وربما منزل صغير متواضع ولا يوجد فيه سوى نفر قليل هم أفراد الأسرة وتلاميذه فقط.  فما أكثر ما عمل المسيح بعيدًا عن الجماهير وفى الأوساط الوضيعة والفقيرة، لأنه لم يكن يهدف للشهرة والمجد بالطرق الإنسانية الرخيصة التي يبحث عنها الإنسان، خاصة ممن يدّعون امتلاك مواهب معجزية في هذه الأيام.  أ ليس في تصرف المسيح بهذه الكيفية ما يكشف ادعاءهم وكبرياءهم؟  كما أنه عند قيامه بأعماله المعجزية، كان كصاحب سلطان يكتفي بكلمة أو لمسة بحنو ورِقّة، ولم يكن يقوم بأية حركات تمثيلية أو مسرحية بهدف لفت الأنظار إليه، كما نرى اليوم الكثير ممن يقومون بهذه الحركات لنوال إعجاب ومديح الجماهير.  فيا ليت كل من يخدم المسيح أن يقوم بخدمته على ذات القياس والمنهج الذي سلكه المسيح في خدمته.

سابعًا: بين الحقيقة والخرافة في معجزات المسيح

لا يمكننا أن نجرِّد المسيحية من معجزات المسيح، لأنها أحد أهم البراهين على كونه المسيا المُرسل من الله، كما أنه هو ابن الله. ولم تكن معجزات المسيح ”خرافة مصنعة“، أي معجزة من تأليف الإنسان، ومن ثم يقوم بترويج هذه الخرافة للناس فيصدقونها كما يصدقها مؤلفها أيضًا، حتى تصبح أساطير تتناولها الأجيال إعجابًا وتُتناقل عبر التاريخ. 

إن معجزات المسيح هي معجزات حقيقية لم تُفعل في زاوية بل في كل مدن وقرى وضياع فلسطين طولاً وعرضًا ولمدة ثلاث سنوات ونصف تقريبًا، أمام جموع مختلفة من البشر، هم أولئك الآلاف من البشر الذين تمتعوا بمعجزات المسيح أفرادًا أو جماعة (مت9: 33؛ لو5: 26).  فهي لم تكن معجزات غير منطقية تحوط بها الشكوك وتتضارب أحداثها ووقائعها، بل هي معجزات أقرّها العقل وتلاقت مع الحاجة الإنسانية، فاستطاع الناس أن يمجِّدوا الله بسببها.

قال لي أحدهم: كيف تصدقون خرافة أن المسيح مشى على الماء؟

قلت: أولاً: أن هناك أحد عشر رجلاً شاهدوا هذه الحادثة، وأحدهم سار على ذات المياه برفقة المسيح حتى دخلا السفينة. 

ثانيًا: أن المسيح فوق كل قوانين الطبيعة باعتباره خالقها.  وهى تعرف ذلك يقينًا.  فلا عجب أن تحمل المياه خالقها، ولا عجب أيضًا إن سار هو عليها حينما أراد.

      فله كل المجد!

جوزيف وسلي