أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
عبد يهوه

«هوذا عبدي... هوذا عبدي» (إش42: 1؛ 52: 13)
«المسيح يسوع... أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد» (في2: 5-7).

يلذ لنا ويطيب أن نتأمل في أحد ألقاب سيدنا وربنا الكريم المجيدة باعتباره ”عبد يهوه“.  وسنكتشف ونحن ندرس هذا اللقب في كلمة الله، أنه ليس لقبًا هزيلاً، بل هو أحد الألقاب المجيدة لشخص كله عظيم وكله مجيد.

وعندما نتكلم عن المسيح باعتباره عبد يهوه فهذا ليس معناه أنه ليس هو الله في ذاته.  قال الرسول بولس: «المسيح يسوع... الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد» (في2: 5-7).  فذاك الذي أتى إلى العالم باعتباره العبد هو بعينه الرب.  «هو سيدك فاسجدي له» (مز45: 11)، وهو بلغة توما: ”ربي وإلهي“ (يو20: 28)، الذي يستحق كل السجود والإكرام.

نقرأ عن هذا الأمر العجيب في كل الكتاب: فنقرأ عنه في رموز التوراة في العهد القديم، وكذا في كتاب المزامير، وأيضًا في كتب الأنبياء.  ولما نصل إلى العهد الجديد نلتقي وجهًا لوجه مع ذلك العبد الكامل والفريد.

ودعنا الآن نبدأ بالمشاهد الواضحة التي وردت عن المسيح في الأناجيل. تأمله مثلاً في إنجيل يوحنا، ذلك الإنجيل المشغول أساسًا بتقديم صورة للمسيح باعتباره ابن الله.  تأمله وهو جالس على بئر ”سوخار“ حيث التقى مع المرأة السامرية، وحدّثها هناك عن عطية الله.  قال لها: «لو كنت تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب» (يو4: 10).  لاحظ إنه لم يقل لها ”لو كنت تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يكلمك“، فهو لم يقصد لفت انتباهها إلى عظمة شخصه، تلك التي عثرت به قائلة له: «أ لعلك أعظم من أبينا يعقوب؟». بل قال لها: «لو كنت تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب».  مشيرًا إلى افتقاره الشديد، حتى أنه محتاج إلى قليل ماء من المرأة. ثم يستطرد قائلاً: «لطلبت أنت منه فأعطاكِ».  وهذا يعني أن هذا المجيد العظيم، عندما افتقر، كان له قصد من هذا الافتقار.  لقد افتقر بهذا المقدار ليكون خادمًا لامرأة بائسة وساقطة.  وليس لها وحدها كحالة خاصة، بل كان هذا هو وضعه الدائم لما كان هنا على الأرض.  فهل تتذكر مشهد إشباع الجموع في البرية (مر6: 30-44)؟  نقرأ في هذا المشهد أنه ”لم تتيسر لهم فرصة للأكل“، ومع ذلك لما رأى الجموع المحتاجة، لم يقدر أن يضبط عواطفه، فأشبعهم من خيره.  حقًا إنه طوال فترة وجوده على الأرض، كان - كما قال بعد ذلك لتلاميذه: «أنا بينكم كالذي يخدم» (لو22: 27)!

لنتحول الآن إلى إعلانات الرسائل عن كونه العبد، وأوضح تلك الإعلانات هي الآيات المباركة التي سجلها بولس في رسالته للمؤمنين في فيلبي، إذ يقول عن المسيح: «إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد» (في2: 6و7).

لقد ضحى المسيح - تبارك اسمه - بمجد اللاهوت السامي، بمحض إرادته واختياره، وقَبِل أن يأخذ ظروف العبد وحاله.  وذلك ”اللابس النور كثوب“، اتضع اختياريًا لكي يلبس مريلة العبيد!  إن ذاك الذي أتى في ملء الزمان ليشغل مكان العبد، هو نفسه الخالق، الذي كل شيء ”به قد خُلق، وليس ذلك فقط بل أيضًا ”الكل... له قد خُلق“ (كو1: 16).  ما أعجبه ذلك المجيد الذي دخل إلى خليقته، «لا ليُخدم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مر10: 45).  ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول إن الخليقة ليست فقط المجال الذي يستعرض فيه أمجاده وعظمته باعتباره الرب، بل ويا للعجب فإنها المجال الذي فيه سيتمم مشيئة إلهه باعتباره العبد.

ولنتحول الآن بعد هذه الخلفية إلى كتب العهد القديم؟  ونستعرض من كل قسم من أقسامه الرئيسية، صورةً عن ذلك العبد.
ماذا تقول رموز التوراة عنه؟
لعل واحدًا من أعجب الرموز عن المسيح هو ”العبد العبراني“ في خروج 21.  هناك نقرأ عن شريعة ما أعجبها!

إِذَا اشْتَرَيْتَ عَبْداً عِبْرَانِيّاً فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ وَفِي السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرّاً مَجَّاناً. إِنْ دَخَلَ وَحْدَهُ فَوَحْدَهُ يَخْرُجُ. إِنْ كَانَ بَعْلَ امْرَأَةٍ تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مَعَهُ. إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتٍ فَالْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ وَحْدَهُ. وَلَكِنْ إِنْ قَالَ الْعَبْدُ: أُحِبُّ سَيِّدِي وَامْرَأَتِي وَأَوْلاَدِي. لاَ أَخْرُجُ حُرّاً، يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إِلَى اللهِ وَيُقَرِّبُهُ إِلَى الْبَابِ أَوْ إِلَى الْقَائِمَةِ وَيَثْقُبُ سَيِّدُهُ أُذْنَهُ بِالْمِثْقَبِ فَيَخْدِمُهُ إِلَى الأَبَدِ».

هذه الشريعة لا نقرأ أنها طُبقت ولو مرة واحدة في العهد القديم، ولا أنها انطبقت على أحد، ولكن لأن «شهادة يسوع هي روح النبوة» (رؤ19: 10)، فإننا نعتقد أنها - ككل الكتاب - تحدثنا عن المسيح.  هذا الذي قال عنه الرسول: «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كو8: 9).  ذاك الذي قبل أن يكون عبدًا لأجل فدائنا!
الفصل مليء بالتعاليم المشبعة المعزية، ولكني أتوقف فقط عند آخر عبارة في النص السابق، وهو قول الوحي ”فيخدمه إلى الأبد“.
هل هذا يعني أن المسيح سيكون عبدًا إلى الأبد؟  نعم.  ونحن عندما نقرأ أنه «أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس»، حسن أن نعرف أنه لن يتخلى مطلقًا عن صورة البشر، بل سيظل على تلك الصورة، كعريس الكنيسة إلى أبد الآبدين.  ولكن جميل أيضًا أننا ندرك أنه لن يتخلى قط عن صورة العبد.  لقد قبل المسيح - تبارك اسمه - أن يصير عبدًا مؤبدًا.
هل تعتقد أن هذا ينقص من قدره، أو أنه أمر لا يليق به وهو السيد المجيد؟
هل هذا عيب؟
كلا، بل هو الحب!
عبد يحب!  هذا شيء مجيد جدير بأن نتأمله!

عندما قَبِل أن يصير عبدًا كان هذا من مطلق تنازل النعمة.  لقد ارتضى - تبارك اسمه - أن يكون عبدًا بالنعمة ليفدي العبيد (2كو8: 9).  لكن شريعة ذلك العبد الذي قَبِل طواعية أن يكون عبدًا بالنعمة، تحدثنا عن شيء أكثر عجبًا، ليس نعمته فحسب، بل محبته كذلك.

أنت عندما تفكر في العبد قلما تفكر في قلبه.  إنك قد تفكر في يديه وماذا يعمل، أو في أذنيه وكيف يسمع، أو قد تفكر في قدميه ومدى سرعتهما، أو في ثيابه ومدى نظافتها.  وهذا كله - بالنسبة للرب يسوع - كان في منتهى الكمال، ولكن ماذا عن قلب ذلك العبد؟  هنا نجد عبدًا فريدًا.  هنا نجد العبد يقول: ”أحب“!  دعنا إذًا نتحول إلى قلبه ونرى ذلك القلب الكبير الممتلئ بالحب!

«إن قال العبد: أحب سيدي وامرأتي وأولادي، لا أخرج حرًا».  وكأن ذلك العبد يقول: ”يطيب لي أن ارتبط بهذه الصفة بسيدي، وأن أكون عبدًا دائمًا له.  أنا لست نادمًا على سني خدمتي له.  ما أجمل طاعتي لشخصه!  لذلك فأنا لن أخرج حرًا، وسأبقى له عبدًا ما حييت.  ثم إنه يطيب لي أيضًا أن ارتبط هكذا بتلك التي أعطاني إياها سيدي زوجة (الكنيسة - أف5: 25-32)، ولهذا فإني لن أخرج حرًا.  تمامًا كما يطيب لي أن أظل هكذا كالعبد أمام ”الأولاد الذين أعطانيهم الله“ (عب2: 13)، ولهذا كله فأنا لن أخرج حرًا، وسأظل معهم عبدًا إلى الأبد“.

نعم إن هؤلاء جميعًا أحبهم ذلك العبد الفريد أكثر من نفسه!

والآن لنتحول سريعًا إلى سفر التسبيحات الإلهية، سفر المزامير، لنرى ما في جعبته عن هذا الموضوع الخطير.

يقول المزمور الأربعون: «هأنذا جئت، بدرج الكتاب مكتوب عني، أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت» (ع7و8).

إنه هنا يتحدث طبعًا عن مجيئه الأول، فهو في مجيئه الأول أتى كالعبد المطيع. أتى كالمحرقة الحقيقية، ولسان حاله «أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت».
في كلمات قليلة نقول إن المسيح أتى من المجد، ليمجد الله في عالم أهانه. ليس يمجده بإبادة المتمردين والقضاء عليهم، بل بأن يجهز طريقًا لخلاصهم.  والله بهذه الطريقة تمجد أكثر بكثير من المجد الذي كان سيُحصِّله لو قضى على الخليقة المتمردة الآثمة.

لا عجب أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين بعد أن ذكر عبارة مزمور 40 «هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله» يعلق عليها بالقول: «فبهذه المشيئة نحن مقدسون، بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة لأجلنا» (عب10: 7-10). لأجل هذا أتى المسيح، وقَبِل أن يكون عبدًا للرب.

دعنا الآن نتحول إلى نبوات العهد القديم.

إن النبي إشعياء, الذي معنى اسمه ”خلاص الرب“, هو أكثر الأنبياء الذين تحدث عن ”عبد الرب“.  ومن هذا نتعلم درسًا هامًا: أن ربنا يسوع المسيح قد صار عبدًا ليكون مخلّصًا.  وكان يستحيل أن يكون مخلصًا للناس دون أن يكون عبدًا للرب.  لهذا فلا عجب أن يُعجَب إشعياء، ويُغمَر في هذا الفكر البديع، فيحدثنا في نبوته عن عبد يهوه الكامل.  ولأنه العبد الكامل، فقد صار المخلص الكامل.

يتحدث إشعياء عن المسيح باعتباره ”العبد“ في أربع قصائد من أروع القصائد الشعرية في كل العهد القديم، ليس في مبناها فقط، بل أيضًا في معناها.  وفي هذه القصائد الأربع يشير إشعياء إلى عبد يهوه ”سبع“ مرات.
هذه القصائد الأربع هي:

قصيدة في إشعياء 42: 1-4 ويرد فيها لقب العبد مرة (ع1)؛

وقصيدة في إشعياء 49: 1-6، ويرد فيها لقب العبد ثلاث مرات (ع3و5و6)؛

وقصيدة في إشعياء 50: 1-11، ويرد فيها لقب العبد مرة (ع10)،
وأخيرًا قصيدة في إشعياء 52؛ 53، ويرد فيها لقب العبد مرتين (إش52: 13؛ 53: 11).

وفي هذه المرات يذكر الوحي التعبيرات: ”عبدي“، و”عبدي البار“، ”عبدي إسرائيل (المقصود إسرائيل الحقيقي)“، وكذلك ”عبدًا لي“ و”عبدًا له“، و”عبده“، والضمائر هنا كلها تعود على الرب.

من هو عبد الرب؟

من دراستنا لنبوة إشعياء نجد أنه يستخدم لقب ”عبد الرب“ استخدامات متنوعة: فهو يستخدمه على أمة إسرائيل (انظر 41: 8و9؛ 42: 18-22)، كما وعلى البقية التقية منها (انظر 43: 10؛ 44: 1-5؛ 21و22) وأيضًا على كورش الفارسي (انظر 44: 26)؛ وأخيرًا على المسيا.  والقرينة تحدد لنا من المقصود في كل حالة.

هل يمكن أن يكون قصد إشعياء في قصائده الأربع السابقة أمة إسرائيل؟
محال.

فمثلاً في إشعياء 49: 1 يقول العبد: «الرب من البطن دعاني، من أحشاء أمي ذكر اسمي».  وعندما يقول ”من أحشاء أمي“، فهذا يؤكد أن المقصود شخص لا شعب.  فمن هي هذه الأم؟  أ ليست هي ”العذراء“؟  والاسم أ ليس هو ”عمانوئيل“ (إش7: 14؛ مت1: 23)؟

ثم في ع3: «قال لي أنت عبدي إسرائيل».  وفي ضوء الحقيقة أن الموجَه إليه الكلام فرد ”أنت“، فهذا يدل على أنه لا يقصد الأمة، بل يقصد إسرائيل الحقيقي، الذي هو ربنا يسوع المسيح (قارن هوشع 11: 1؛ مع متى 2: 15).

وفي إشعياء 50. نقرأ عن العبد المطيع.  يقول: «السيد الرب فتح لي أذنًا وأنا لم أعاند» (ع5).  ترى أ يمكن أن يكون هذا العبد المطيع هو أمة إسرائيل؟  محال، فآخر صفة يمكن أن توصف بها تلك الأمة أنها مطيعة.  هل ننسى كلمات موسى لهم: «كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم» (تث9: 24)؟  بل إن نبوة إشعياء نفسها تبدأ بالإشارة إلى عصيان بني إسرائيل.  نعم إننا في إشعياء 1: 2 نجد بنين عصاة، بينما في إشعياء 50: 4و5 نجد ذاك الذي قيل عنه: «مع كونه ابنًا، تعلم الطاعة مما تألم به» (عب5: 8).

في القصيدة نفسها في (ع10) يقول النبي: «من منكم خائف الرب، سامع لصوت عبده؟».  إنه ليعسر علينا في ضوء هذه الآية، ولا سيما عبارة ”سامع لصوت عبده“ أن نفهم كيف يمكن أن تنطبق على الأمة، أو أن تكون الأمة هي ذلك العبد.  وأما إذا كان العبد هو المسيح فلا تكون هناك صعوبة قَطّ.  فكم طوَّب المسيح الذين يسمعون كلامه (مت7: 24؛ يو5: 24)، وكم حرَّض الآب على الاستماع له (مت17: 5).

شيء آخر بخصوص إشعياء 53.  إننا نجد العبد هنا يتألم، لكن ليس بسبب خطايا ارتكبها هو، بل «هو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا» (ع5).  صحيح تألمت الأمة كثيرًا وعلى مدى تاريخها الطويل، لكن آلامها كانت بسبب خطاياها وبعدها عن الله، ليس لأي سبب آخر (قارن إش50: 1).  إن الشعب في السبي تحمّل عقاب خطيته هو، وأما ”عبد يهوه“ فقد تحمل الآلام من أجل آثام الآخرين «وهو حمل خطية كثيرين» (إش53: 12).  فلقد كان - له المجد - ”ذبيحة إثم“ (إش53: 10).  وعندما تحدث إشعياء عن الأمة قال: «كلنا كغنم ضللنا... والرب وضع عليه إثم جميعنا»، لم يستثنِ إشعياء أحدًا من هذا الضلال والإثم، ولا حتى نفسه، لكن وُجد شخص «لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش»، هو الذي تحمل الآلام نيابة عن غيره.  «ضُرب من أجل ذنب شعبي» (إش53: 8).

ثانيًا: هل يقصد إشعياء من تعبير العبد، الجزء التقي من الأمة؟ 

محال

فإنه يستحيل على أي إنسان طبيعي، بغض النظر عن دماثة خلقه، أن يتحمل الآلام الرهيبة الموصوفة في إشعياء 50: 6؛ 53: 7و8، دون روح تذمر وتمرد تشتعل في داخله، بل ودون رغبة في الانتقام.  فحتى إرميا النبي الباكي؛ أ لم تكن لديه مرارة من الطريقة التي عومل بها؟  لقد اشتكى كثيرًا، بل وطلب النقمة من الذين أساءوا إليه (إر20: 7-9)؛ ومثله حبقوق صرخ للرب من الظلم (حب1: 1)؛ وقبلهما أيوب البار تذمر وسب (أي3)، وشمشون الجبار قتل المئات الكثيرة انتقامًا من الذين قلعوا عينيه (قض16).  لا يوجد في كل الوجود سوى شخص واحد، أمكنه أن يحتمل هذا العذاب بدون روح تمرد ولا اعتراض، وذلك لأنه ”بلا خطية“.

ثالثًا: هل كان يقصد إشعياء في هذه القصائد كورش الفارسي؟

إن كورش يمكن أن يكون رمزًا للمسيح في جانب واحد، وليس في جميع الجوانب.  فهو مثلاً ليس العبد التاعب الذي أفنى قدرته دون تقدير من الشعب (إش49)، وليس هو الذي تحمل الأحزان صامتًا (إش50)، ولا هو الذي كانت آلامه من أجل التكفير عن خطايا الآخرين (إش53).  بل إن كورش حتى في سلطانه وملكه، يعتبر قبسًا بسيطًا جدًا.  ليس هو الذي كان في يوم مكروه الأمة أو مهان النفس أو عبد المتسلطين، ولا هو الذي سيتسلط في يوم قادم على كل المسكونة (إش49: 7)، والذي تنتظر الجزائر شريعته (إش42: 4).

وبذلك لا يبقى أمامنا سوى الإقرار بأن ”عبد يهوه“ هو الرب يسوع المسيح.  إنه يختفي هنا من أمامنا أمة إسرائيل، والأتقياء منها، وكورش؛ الكل يختفي لإفساح المجال لمن هو أعظم.  وكأننا هنا نرفع عيوننا فلا نرى أحدًا إلا يسوع وحده.

ويؤكد ذلك ما اقتبسه العهد الجديد من تلك القصائد وهو كثير. 
فمن إشعياء 42 اقتبست الكلمات عن وداعة المسيح في متى 12: 17-21.
ومن إشعياء 49: 6ب، اقتبست تلك الكلمات بواسطة بولس وبرنابا في أعمال13: 47.
ونبوة إشعياء50: تمت حرفيًا في المسيح (قارن ع6 مع متى27: 26-30؛ إلخ).

وأما إشعياء 53 فلقد اقتبس منه في العهد الجديد في سبعة فصول تقدم لنا في صور كاملة لآم ”عبد يهوه“ انظر متى 8: 17، مع ع 4؛ مرقس 15: 28؛ لوقا22: 37مع ع12؛ يوحنا12: 37و38 مع ع1؛ أعمال 8: 32و33 مع ع7و8؛ رومية 10: 16 مع ع1؛ 1بطرس2: 22و24و25 مع ع8وع12وع5.

وإن أردنا أن نضع عنوانا محددًا لكل من هذه القصائد الأربع نقول
إن قصيدة أصحاح42 عنوانها الاختيار والمسار.  أو سرور الرب بعبده، ونتيجة خدمته.

وقصيدة أصحاح 49 عنوانها الخدمة ونتيجتها، أو خيبة ظاهرية ومكافأة إلهية.
وقصيدة أصحاح50 عنوانها: معاناة ومعونات.  معاناة من الناس، ومعونات من الرب.

وأخيرًا فإن قصيدة أصحاح 52و53: عنوانها: الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها,

ذكرنا في بداية المقال أن لقب عبد يهوه ليس لقبًا هزيلاً بحال من الأحوال.  فنحن نجد هذا اللقب مرتبطًا في نبوة إشعياء بسبعة أفكار رائعة:

1- موضوع اختيار الله وسروه

مرتان يبدأ إشعياء قصائده عن ”عبد يهوه“ بعبارة ”هوذا“.  فيقول مرة «هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرّت به نفسي»، ومرة ثانية يقول: «هوذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدًا»

وكلمة ”هوذا“ هي استهلال بارع لجذب الانتباه لإعلان جديد.  كأن الرب يقول التفتوا وانتبهوا، سوف أعلن لكم شخصًا عظيمًا.  ونحن لا نتعجب كثيرًا عندما يشير العبد إلى سيده قائلاً: ”هوذا سيدي“، وأما أن السيد يشير إلى العبد أكثر من مرة قائلاً: ”هوذا عبدي“ فهذا يدل على أن هذا العبد ليس مجرد عبد عادي.

والأرجح أن كلمة هوذا في القصيدة الأولى 42: 1 هي في مباينة مع ما ختم به الأصحاح السابق: حيث يقول الرب: «ونظرت فليس إنسان، ومن هؤلاء فليس مشير حتى أسألهم فيردون كلمة. ها كلهم باطل وأعمالهم عدم، ومسبوكاتهم ريح وخلاء».  ثم بعد أن ثبت أنه لم يوجد أحد مستحق في السماء أو الأرض أو تحت الأرض أن يتمم مشيئة الله، فإن الرب أرسل ”عبده“ المعيَّن «من قبل تأسيس العالم» لإتمام مشيئته.  فليس أنه فقط الشخص الذي سرت به نفس الرب، بل هو أيضًا الذي مسرة الرب به تنجح.

وعبارة ”عبدي الذي أعضده“ تعني عبدي الذي أُمسك به أو عبدي الذي أستند عليه.  والفكرة الأخيرة نجدها في 2ملوك 5: 18 إذ كان الملوك قديمًا يستندون على الأشخاص الجبابرة مرفوعي الوجه عندهم (2مل5: 1).  وهنا نجد الشخص الذي يستند عليه الرب يهوه.  إنه بحق رجل مشوراته.

وكلمة ”مختاري“ لا تعني مجرد اختيار عشوائي من جانب الرب ما بين عدد كبير من العبيد، بل تدل على المحبة العظمى للآب نحو المسيا، كما يقول هنا: «مختاري الذي سرت به نفسي».

2- حلول روح الله عليه

تتحدث نبوة إشعياء ثلاث مرات عن هذه الحقيقة المجيدة، أعني حلول روح الرب على ذلك العبد، فلقد وردت هذه الحقيقية في الأصحاحات 11؛ 42؛ 61.  في المرة الأولى المتكلم هو الروح القدس، وفي المرة الثانية المتكلم هو الآب، وفي الثالثة المتكلم هو الابن.  ففي إشعياء 11 يسجل الوحي: «ويخرج قضيب من جذع يسى، وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب» (إش11: 1و2).  وفي المرة الثانية المتكلم هو الآب، قائلاً: «هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سرت به نفسي، وضعت روحي عليه».  وفي المرة الثالثة المسيا نفسه يعلن: «روح السيد الرب عليّ، لأنه مسحني» (إش61: 1).  ونلاحظ أنه في هذه الآيات السابقة نجد إشارات باكرة في العهد القديم للحقيقة السامية التي أعلنت بوضوح في العهد الجديد وهي حقيقة ”التثليث“.

ومن الأناجيل نفهم أن مسح الرب بالروح القدس تم بمناسبة معموديته من يوحنا المعمدان، وكانت المسحة بقصد تزويده بالقوة للقيام بالمأمورية، كقول الرسول بطرس: «يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس» (أع10: 38).

3- الكمال الأدبي الفريد: 

هذا العبد الذي هو رجل رفقة الله، والذي هو موضوع سروره، والذي حل الروح القدس عليه، أظهر سموًا أدبيًا سماويًا.  ويمكن القول إنه ظهرت وداعته في القصيدة الأولى، وطاعته وتكرسه في القصيدة الثالثة وصبره وصمته إزاء الظلم في القصيدة الرابعة.  ويذكر النبي ذلك الكمال في سباعيتين سلبيتين. السباعية الأولى ”لا“ تصف مسار حياته العادي واليومي، والسباعية الثانية ”لم“ تصف مواقف خاصة وقاسية تعرض لها ذلك العبد.

فالوداعة ظهرت في إشعياء 42 في سباعية سلبية حيث يقول النبي عنه «لا يخاصم ولا يرفع ولا يسمع في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ.. لا يكل ولا ينكسر».  لاحظ هنا تكرار عبارة لا ولا ولا، سبع مرات.

ما أروع تلك السباعية التي ميزت عبد يهوه عن جماهير الناس بمختلف أنواعهم.  إنه يذكر في البداية ثلاثة أمور لا يفعلها ذلك العبد، نرى فيها التدرج إلى الأقل: فهو أولا ”لا يصيح“، وليس ذلك فقط، بل أيضًا ”لا يرفع“ أي لا يرفع صوته، بل إنه أيضًا ”لا يُسمِع في الشارع صوته“.  والمقصود إنه لا يعمل ضوضاء ولا يحدث ضجيجًا أثناء إنجازه لمهمته، كما أنه لا يحاول لفت الانتباه إليه (راجع متى12: 17-21)، وهنا نرى وداعة ذلك الشخص العظيم الذي قال: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب» (مت11: 29).

ثم إنه «قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ».  فليس لأجل إجراء الدينونة أتى ذلك العبد في المرة الأولى، بل لأجل الخلاص، وكم احتمل من شر الأشرار، دون أن يحاول ملاشاتهم، وما كان أسهل ذلك عليه لو أراد (لو9: 54-56).

ثم أخيرًا هو «لا يكل ولا ينكسر».  موسى ”كَلّ“ من حمل الشعب، وإيليا الجبار ”انكسر“ أمام تهديدات المرأة الشريرة إيزابل، وأما المسيح فهو «لا يكل ولا ينكسر».  لاحظ أنه لا يكسر القصبة المرضوضة، ولا ينكسر هو.  كما أنه لا يطفئ الفتيلة الخامدة، ولا أحد أو شيء يخمده هو.

وفي إشعياء 50 يحدثنا النبي عن طاعة عبد يهوه وتكريسه، وكيف أنه كل صباح، كتلميذ متعلم من الله، كان يستمع لصوت الله الحي في الكلمة المكتوبة.  لكنه يتحول بعد ذلك فيذكر ثلاثة أمور لم يفعلها ذلك العبد الكامل، فيقول: «السيد الرب فتح لي أذنا وأنا لم أعاند، إلى الوراء لم أرتد .. وجهي لم أستر عن العار والبصق ».  هنا نجد ذلك العبد الكامل، بعكس البشر جميعًا، لم يعاند، ولم يرتد، ولم يستر وجهه عن العار والبصق.  في بداية الطريق عندما أخذ الأمر من أبيه ”لم يعاند“، ولما سار في الطريق العسير ”لم يرتد“، وعندما دخل إلى المهمة المريرة ذاتها، فإنه ”لم يستر وجهه عن العار والبصق”!

وأخيرًا في إشعياء 53 نقرأ عن أربعة أشياء لم يفعلها ذلك العبد، فيقول: «ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه.  كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه... لأنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش».  فعندما ظلم يسجل النبي مرتين أنه لم يفتح فاه، وتتكرر في الأناجيل الأربعة سبع مرات أن يسوع ظل ساكتًا أمام حكامه الظالمين.  وذاك الذي ظُلم، هو نفسه لم يظلم أحدًا.  له المجد، فهو في تصرفاته لم يعمل ظلمًا، وفي كلماته لم يكن في فمه غش.

4- نتائج العمل الرائعة

وهي نتائج عظيمة تليق بشخص عظيم وعمل عظيم.  فيقول هنا «يُخرج الحق للأمم»، أو يجري الحكم أو القضاء على الأمم.  ثم يواصل النبي فيقول: «لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض».  فهو ليس فقط يخرج الحق (عمل مبدئي ع1و3) بل إنه أيضًا يضع الحق (عمل نهائي وأبدي).  وعندما يقول يضع الحق في الأرض، فالأرض هنا لا تعني فلسطين وحدها، بل كل العالم.  ثم يقول: «وتنتظر الجزائر شريعته».  أي أن كل قارات العالم تنتظر وتتوقع بشوق شريعة العدل التي سيجريها ذلك العبد المجيد في الأرض.

وفي إشعياء 49 نجد جانبًا آخر من نتائج خدمته.  فعندما نقرأ كلمات العبد: «والآن قال الرب جابلي من البطن عبدًا له لإرجاع يعقوب إليه، فينضم إليه إسرائيل، فأتمجد في عيني الرب، وإلهي يصير قوتي.  فقال لي قليل أن تكون لي عبدًا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل، فقد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض»

ما أعظمها من نتائج!  فهو عندما يقول هنا ”إرجاع يعقوب إليه“ (ع5)، فليس المقصود هو الرجوع من السبي، ولا من شتاتهم الحالي بين الأمم، بل يقصد الرد الكامل لهم الذي سيجريه المسيح عند ظهوره، أي رد قلوبهم إلى الرب.  حقًا إن هذا عمل عظيم، لكنه ليس عظيمًا بالقدر الكافي بالنسبة لذلك العبد الكامل.  إن العبد له مهمة أعظم.  «قليل أن تكون لي عبدًا لإقامة أسباط يعقوب»، إن لك مهمة أوسع وأعظم.  «جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض».

في مزمور 27، تغنى داود عن الرب قائلاً: «الرب نوري وخلاصي». لكن هنا نجد ذلك العبد، بناء على خدمته التي أنهاها، صار نورًا وخلاصًا ليس لمؤمن فرد، ولا حتى لشعب بأسره، بل لكل أمم الأرض ولكل شعوبها.
ثم في إشعياء 50 نقرأ عن نتيجة ثالثة رائعة لخدمة ذلك العبد الذي أتى لأجل المتعبين.  «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين، لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة» (ع4).  إن كل حكمة الحكماء وفلسفات الفلاسفة لم تقدر أن تغيث المعيي. أما هو - تبارك اسمه - فلأجل هذا القصد العظيم أتى.  لا ليكشف لنا نظريات العلم كما فعل نيوتن وأينشتياين، بل ليغيث المعيي بكلمة.  أولئك ”الجهال من طريق معصيتهم، ومن آثامهم يذلون“، أولئك الذين أنهكهم متابعة الشيطان والخطية لهم بلا كلل ولا هوادة.  هؤلاء لم يسمعوا كلمة واحدة تغيثهم، إلى أن جاء عبد يهوه الكامل، المسيح تبارك اسمه.

وأما عن نتائج عمله بحسب القصيدة الرابعة (إش52و53) فيكفي أن أذكر آيتين: «مسرة الرب بيده تنجح» (ع10).  والآية الأخرى «وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين» (ع12).  فهو إذًا مجَّد الله، وخلَّص الإنسان!

5- السلطان العظيم

في نبوة إشعياء 49: 2 يقول العبد إن الرب «جعل فمي كسيف حاد».  يوضح لنا الكتاب أن هذه هي صفة الله (عب4: 12)، لكنها أيضًا صفة المسيح (رؤ1: 16؛ 2: 12؛ 19: 15).  ونحن نعرف كيف كان المسيح يتكلم كمن له سلطان، وليس كالكتبة، وكيف لم يستطع أن يقف، أمام مضاء سيف فمه، تقليدي أو عقلاني، فريسي أو صدوقي (مت22).

لكن العبد لا يشير فقط إلى فمه باعتباره سيف حاد، بل إنه هو نفسه سهم مبري، أخفاه الرب في كنانته.  وهذا يشير إلى مدة الثلاثين سنة التي ظل فيها العبد مختفيًا بعيدًا عن الأنظار مثل السهم في الكنانة.  كيف لا وهو عبد يهوه الذي سيتمم الرب به خطته.  ولقد أخفاه الرب للمعركة الفاصلة، ولذلك كم مرة نقرأ هذه العبارة «لم يلق أحد عليه الأيادي لأن ساعته لم تكن قد جاءت» (يو7: 30؛ 8: 20).  وعندما يقول هنا: «جعلني سهمًا مبريًا»، فهذا يدل على أنه شخص حربي، سيسحق كل الأعداء، لكن ليس بأسلحة محاربة جسدية.  فهو الذي جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم في الصليب (كو2: 15).

6- المجد الملكي السامي

نكتفي بنبوتين عن مجده السامي العظيم.

في إشعياء 49 بعد الحديث عن الفشل الظاهري لخدمة العبد، تتوالى الإشارات عن مكافآت الرب له، تعويضًا له عن خدمته الأمينة، تلك الخدمة التي لم يقدّرها الإنسان تمامًا كما لم يقدروا شخصه.

ففي ع5د عندما يقول العبد: «إلهي يصير قوتي»، وهو بذلك يشير إلى قيامته.  فالذي صُلب من ضعف، هو حي بقوة الله (2كو13: 4).  وبإقامة الله له صار الله قوته (قارن مع مزمور 118: 13و14).

ثم ع6 يشير إلى فترة النعمة الحاضرة وخلاص الأمم.  وهو ما أشار إليه الرسولان بولس وبرنابا في أنطاكية بيسيدية كما نقرأ في أعمال الرسل 13: 47.

ثم يرد ع7، ونقرأ فيه عن مجيئه الثاني بالقوة والمجد، لذاك الذي كان محتقَرًا ومخذولاً من الناس.  اسمع تلك الكلمات الرائعة التي لا بد أن تتم على رجل الأحزان عن قريب: «هكذا قال الرب فادي إسرائيل قدوسه للمهان النفس لمكروه الأمة لعبد المتسلطين: ينظر ملوك فيقومون، رؤساء فيسجدون، لأجل الرب الذي هو أمين، وقدوس إسرائيل الذي قد اختارك».
والنبوة الثانية ترد في فاتحة القصيدة الأخيرة حيث يقول الرب: «هوذا عبدي يعقل يتعالى يرتقي ويتسامى جدا». ويمكن القول إنه:

يتعالى: بقيامته الظافرة.
ويرتقي: بصعود المجيد.
ويتسامى جدًا: بجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي.
ثم سيدهش كثيرين ويسد ملوك أفواههم أمامه (52: 15) عند ظهوره القريب بالمجد والقوة.

7- اللاهوت المتناهي القدرة

في إشعياء 50 قبل أن يتحدث عن آلامه الرهيبة من يد صنعة يديه، وكيف تتطاولوا عليه بالجلدات القاسية، ونتف الشعر المهين، والبصق المخزي، يحدثنا عمن هو في حقيقته فيقول: «هل قصرت يدي عن الفداء؟ وهل ليس فيّ قدرة للإنقاذ؟ هوذا بزجرتي أنشف البحر، أجعل الأنهار قفرًا. ينتن سمكها من عدم الماء، ويموت بالعطش. ألبس السماوات ظلامًا وأجعل المسح غطاءها».

لك المجد يا سيدنا، فأنت الذي تمس الجبال فتدخن.  أنت الذي رآك البحر فهرب، والأردن رجع إلى خلف.  لك المجد يا من أتيت حبًا لنا، وافتقرت كثيرًا وأنت الغني، وأُهنت لأجلنا وأنت المجيد.  ماذا نقول لك يا سيدنا؟  أيّة كلمات تعبِّر عما في قلوبنا من نحو شخصك الكريم يا من أحببتنا؟  إننا بكل الصدق نقول لك إننا نحبك.  إننا نعبدك.  كما إننا ننتظر ظهورك ونحبه، ذلك الظهور الذي سترد لك فيه كل اعتبارات مجدك، يا من لك كل المجد!

يوسف رياض