أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
تواضع مسئول كبير

أريد أن انقل للقارئ العزيز خبرين، واحد من الأرض، والثاني من خارجها.

أما الخبر الذي من الأرض، فهو من نيودلهي.  وهو عبارة عن صورة لرئيس وزراء الهند ”انيدرو كومار جوجرال“ وكبار المسئولين وهم يكنسون شارعًا احتفالاً بذكرى وفاة ”غاندي“ لتشجيع الناس على الخدمة العامة.

أما الخبر الآخر، فهو من فوق، سماوي. فالمسيح الذي «كل شيء به كان»، بل «والكل به وله قد خُلق. الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل» (كو1: 15-17)، «ظهر في الجسد» «مولودًا من امرأة» (غل4: 4)، فقيرة (لو2: 24؛  لا12: 8) وفى قرية صغيرة (مي5: 2).  ولم يولد في غرفة في فندق فاخر، ولا غرفة عادية، إذ لم يكن له موضع في هذه أو تلك.  لذلك قمطته وأضجعته في ”المزود“، علامة رفضه من العالم (لو2: 7).  ورغم مشغولية السماء بهذا المولود العظيم كانت الأرض في نوم عميق إلا بقية تقية كانت تنتظره بشوق وشغف (لو2: 26،38).

فما أعظم درجات اتضاع المسيح «الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله» (فعندما أعلن أنه والآب واحد لم يكن ذلك اختلاسًا لأنه ابن محبته المعادل له منذ الأزل وإلى الأبد).

1- لكنه أخلى نفسه

لكي يقترب الإنسان من الله ويتعامل معه، كان لا بد للمسيح أن يخلي نفسه وذلك باختياره المطلق، إذ قال «أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت» (مز40: 8).

لقد كان مستحيلاً أن يصل الإنسان إلى الله، ولكن لم يكن مستحيلاً أن يتنازل هو ويصل إلينا.  والساكن في نور لا يدنى منه، دنا منا، «والكلمة صار جسدًا وحل بيننا».

2- آخذًا صورة عبد

يسوع المسيح الذي له سلطانُ في السماء وعلى الأرض، الكائن على الكل إلهًا مباركًا، أخذ صورة عبد.  فالملائكة عبيد (مز103: 20) إلا أن المسيح وُضع قليلاًً عن الملائكة من أجل ألم الموت، وكان هو العبد الحقيقي، العبد الكامل الذي سُر الله به (خر21: 1-6 ؛ إش42: 1).  تأمله، وهو السيد، كيف قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحهما بالمنشفة.

3- صائرًا في شبه الناس

لم يكن في مظهره مختلفًا عن الناس، فالمسيح لكي يفدي الإنسان صار إنسانًا لكنه بلا خطية، «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما... من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء... حتى يكفر خطايا الشعب» (عب2: 14-17)

4- وإذ وُجد في الهيئة كانسان

في طفولته كان ينمو (لو2: 52)، مع أنه هو الله الذي يُنمي (1كو3:  7).  وكان يتعب (يو4: 6)، وهو مريح التعابى (مت11: 28).  وكان يعطش، وهو مروى العطاش (يو7: 37).  بل وكان مجرَّبًا (مر1: 13)، وهو الذي يعين المجربين (عب2: 18).  وكإنسان مات المسيح (1كو15: 3)، مع أنه مصدر الحياة ومانحها (يو1: 4 ؛ 5: 21 ،24).

5- وضع نفسه

عندما جاء إلى العالم كان يقول: «أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت» (مز40: 8).  وأثناء سيره في العالم كان يقول «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يو4: 34).  ولما أوشك أن يترك العالم قال: «لتكن إرادتك» (لو22: 42).

فالذي أخلى نفسه هو الذي وضع نفسه، بل وصنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا.  هو الذي قال: «أنا أضع نفسي عن الخراف... لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا.  ليس أحد يأخذها منى بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضًا.  هذه الوصية قبلتها من أبي» (يو10: 15،17،18).

6- وأطاع حتى الموت

لم تكن طاعة المسيح كطاعة العبد، بل طاعة ابن «تعلم الطاعة مما تألم به» (عب5: 8).  وأطاع هنا، تعني عادة الاستماع المقرونة بنية الطاعة، كما قال المسيح «لأني في كل حين أفعل ما يرضيه» (يو8:  28).  وقد كلَّفت الطاعة العبد العبراني الذي يحب سيده أن يقدّمه سيده إلى الباب ويثقب أذنه بالمثقب (خر21: 6)، أما الابن فقد أطاع حتى الموت.

7- موت الصليب

وهنا نأتي إلى قمة درجات التواضع والطاعة وإنكار الذات، فإننا ننظر إلى موت المسيح هنا من حيث كونه محرقة لا باعتباره ذبيحة خطية، صحيح أن عمله وطاعته هو نفسه الذي به تُرفع الخطية، لكن وجهة النظر التي أمامنا هي إنكار الذات أكثر منها رفع الخطية، فالرب يسوع الذي ضحى بكل شيء ونزل إلى هذه الأرض وعاش فقيرًا وعمل نجارًا، نزل أيضًا «إلى أقسام الأرض السفلى» (أف4: 9).

إن موت الصليب هو موت اللعنة، وموت العار، لكن موت المسيح، أزال اللعنة، وأزاح العار، وصار صليب المسيح رمز المحبة وموضوع الافتخار.

مكافئة الاتضاع:

«لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض.  ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الآب» (في2: 9-11).

نعم إن الطريق إلى فوق يبدأ بالنزول تحت.
تذكر أن تواضع رئيس وزراء الهند كلّفه أن يكنس شارعًا،
أما المسيح فقد حمل خطايانا وأقذارنا وحماقاتنا ودفع الثمن كاملاًً. 

فيا له من اتضاع!