أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
رجل الصلاة والاتكال

لقد كان ربنا يسوع المسيح، في حياته التي عاشها هنا على الأرض كالإنسان الكامل، هو رجل الصلاة.  وما أكثر الصلوات التي دوَّنها الروح القدس عنه في الأناجيل الأربعة، فهو بحق الذي قال بروح النبوة: «أما أنا فصلاة» (مز109: 4).  وعلى سبيل المثال وليس الحصر نستعرض بعض مواقف له في ظروف متنوعة وأماكن مختلفة نراه فيها كرجل الصلاة والاتكال:

ففي مشهد المعمودية قيل عنه: «وإذا كان يصلي انفتحت السماء، ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة، وكان صوت من السماء قائلاًً أنت ابني الحبيب بك سررت» (لو3: 21،22).  فإذا كنا نريد أن نتمتع بالسماء المفتوحة وقوة الروح القدس، فلنتمثل به، ولنبدأ خدمتنا بالصلاة.

وعندما كان أمامه اختيار الرسل، لم يتسرع ولم يندفع ولم يتصرف من نفسه. حاشا له.  لكننا نراه يقضي وقتًا طويلاً في الصلاة، لأنه كان يعرف ويقِّدر مسئولية هذا الأمر وأهميته.  فنقرأ «خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله» (لو6: 12).
وعلى جبل التجلي « صعد إلى جبل ليصلي، وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضًا لامعًا» (لو9: 28-30). ففي هذا المشهد الذي أعلن فيه لتلاميذه مجده كابن الإنسان، كان سبب التغير هو الصلاة.

وعندما ذهب لكي يقيم لعازر من بين الأموات، نراه كالكاهن العظيم الذي «في ما هو قد تألم مجربًا، يقدر أن يعين المجربين» (عب2: 18).  لقد شارك الأختين بكل عواطفه «بكى يسوع» (يو11: 35)، ثم جاء إلى القبر ورفع عينيه إلى فوق مصليًا للآب: «أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي» (يو11: 41،42).

ولما ارتسمت أمامه الكأس الرهيبة قبيل آلام الصليب، خرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون «وانفصل عنهم (أي عن تلاميذه) نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وصلى ...  وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض» (لو22: 41-44).  ففي الوقت الذي كان فيه بعض من التلاميذ الأحباء نيامًا، كان هو يصلي، ويصلي بأشد لجاجة.

وعلى الصليب كانت أولى عباراته هي صلاته لأجل صالبيه وقاتليه «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون» (لو23: 34).  لقد طلب الغفران لا النقمة من قاتليه، ذاك الذي علّم تلاميذه في حديثه المسمى بالموعظة على الجبل «أحبوا أعداءكم» (مت5: 44).

وكما أن ربنا يسوع المسيح هو المثال الكامل لنا في كل شيء، هكذا هو المثال الأسمى والأعظم في الصلاة، وهذا ما لمسه فيه تلاميذه. لذلك في مرة بعد أن فرغ من الصلاة «قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي» (لو11: 1).  حقًا في هذا، كما في كل شيء، تم فيه القول «جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلِّم به» (أع1: 1).

فهو رجل الصلاة والاتكال الحقيقي، فنراه على الجبل في مشهد المجد يصلي، وفى البستان أمام الآلام يصلي، وأمام الصعاب ومشهد الموت يصلي. يا ليتنا نتمثل بسيدنا المبارك فنكون رجال صلاة، ولا نهتم بشيء بل في كل شيء بالصلاة.