أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2018
المُرنمون في الهيكل
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(١أخ٢٣: ٥، ٣٠؛ ٢٥: ١-٧)

خدمة الترنيم

عندما تقدَّم الملك داود في الأيام، أعطى تعليمات لابنه سليمان لبناء الهيكل وتقسيم اللاويين وتحديد واجباتهم. داود هو رمز للمسيح الرب، بكونه صاحب السلطة في تحديد الترتيب في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي (١تي٣: ١٥). هنا يتصرف المسيح كالابن والرب على بيته (عب٣: ٦)، ويقول لنا كيف يجب علينا أن نتصرف في هيكله المقدس. يفعل هذا بكلمته وبالروح القدس، ويحمل النظام داخل الكنيسة كل علامة منه. هذا النظام ليس من ترتيب بشري، ولكنه ترتيب الروح القدس وبتوافق كامل مع إرشادات كلمة الله (١كو١٤: ٣٣، ٤٠).

ينطبق هذا أيضًا على عمل المُرنمين، الذي لا يزال موجودًا إلى اليوم، لأن المسيح نفسه هو “إمَام المُغَنِّين” أو “قائد المُرنمين” بين شعبه، وهو يُرنم بتمجيد الله والآب في وسط الكنيسة، بعد قيامته من بين الأموات (مز٢٢: ٢٣؛ عب٢: ١٢)؛ لقد وضع الله ترنيمة جديدة في فمه، إنها ترنيمة الانتصار على الموت والخلاص من قوة الشيطان. وقد دوت هذه الترنيمة في قلوبنا، وكمفديي الرب نُشارك بالتسبيح ربنا المقام (مز٤٠: ٣) هذه الترنيمة الجديدة هي بالحقيقة ترنيمة الحمد الأبدية، لمجد وكرامة الحمل الذي ذُبح (رؤ٥: ٩). كمسيحيين، نتذكره دائمًا في موته على صليب الجلجثة. وبالمثل، كان عمل المُرنمين في الهيكل، إلى حد ما، خدمة مستمرة مرافقة للذبائح المُقدَّمة على مذبح المحرقة.

خدمة الترنيم في بيت الرب لم تُذكَر فيما يتعلق بخدمة خيمة الاجتماع. يبدو أن داود “مُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ” هو أول من بادر بها (٢صم٢٣: ١). كانت الخيمة بيت الله خلال رحلة البرية، ومسار الرحلة لم يكن يُوحي بالترنيم. وبقدر ما نعلم، فإن شعب إسرائيل رنم مرتين فقط في مسيره بالبرية: في بداية رحلتهم من أرض مصر، وعندما قربت نهايتها إلى أرض كنعان. نجد أولا ترنيمة موسى بعد عبور البحر الأحمر (خر١٥)، ونشيد بئر الماء الذي أنعش الله به شعبه عندما وصلوا إلى حدود موآب (عد٢١). نقرأ أيضًا أن إسرائيل رقص حول العجل الذهبي وغنى له، ولكن هذا الغناء كان إهانة لله.

زمن الترنيم

إذًا زمن الترنيم لم يكن في البرية، وإنما في أرض الميعاد. وهذا لم يحدث فور دخول إسرائيل إلى كنعان، ولكن بعدما مرت بعض القرون؛ في أواخر أيام داود، وفي عهد سليمان. حين خيم السلام والهدوء اللازمين لإنشاء هيكل دائم للرب، وعبادة مستمرة لتكريم اسمه. كان تعيين المُرنمين مرتبطًا بإيجاد مقر دائم لتابوت العهد، الذي يرمز لحضور الله، عندها لم تعد هناك حاجة لقيادة الشعب في معارك ضد الأعداء، فوجد مكان راحة في مدينة داود، ولاحقًا في هيكل سليمان، لذلك بات بقاء المملكة في سلام شرط أساسي لخدمة الهيكل، ولعمل المُرنمين في الهيكل (١أخ٦: ٣١، ٣٢؛ ١٩: ١٧-١٩؛ ٢٢: ٦-١٩، ٢٨؛ ٢أخ٦: ٤١، ٤٢؛ مز١٣٢).

“وقت راحة”، “رجل راحة” و“منزل راحة” كلها متطلبات ضرورية لاستمرارية العبادة، ولترانيم الحمد الدائم لمجد الله وإكرامه. تعتمد خدمة المُرنمين اللاويين على هذه الحالة من السلام والهدوء في أرض إسرائيل. كانت يد الله الصالحة على شعبه، وهو يُحيطَهم بعطفه. لقد وجد تابوت محضر الرب مكان راحته على جبل صهيون. سكن الله في وسط شعبة، والملك - الذي وُجِد بحسب قلب الله - مَلَكَ بنعمة الله.

لهذه الأسباب استطاع اللاويون أن يرنموا باستمرار «لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ». سُمعت هذه الجوقة في المرة الأولى عندما أحضر داود تابوت العهد إلى مقره في أورشليم، ورُنمت مرة أخرى عندما أُحضر التابوت إلى الهيكل (١أخ١٦: ٣٤، ٤١؛ ٢أخ٥: ١٣).

ترنيمة لا تنتهي

من الواضح أن هذا له أهمية كبيرة بالنسبة لنا أيضًا. بنفس الطريقة كما أن مراحم الله لإسرائيل تَأكّدت في شخص الملك الممسوح، هكذا نحن على يقين من نعمة الله بذلك الشخص الذي مسحه الله بالروح القدس والقوة؛ ربنا يسوع المبارك، مسيح الله، وهو النائِب المثالي والرأس. الله قد رفَّعه ليكون ربًا على الكل. وصرنا من خلاله موضوع إحسان الله. به صار لنا سلام مع الله، وبه صار لنا الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون (رو٥: ١-٢)، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت اللإبن، ابن محبته، الرجل الذي هو بحسب قلب الله (كو١: ١٣) هذا هو ملكوت النور والمحبة «لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ» (رو١٤: ١٧).

ألا ينبغي أننا نحن كذلك، تفيض قلوبنا بترنيمة حمد، ونشكره على رحمته التي لا نهاية لها، وعلى صلاحه الأبدي؟ بالنسبة لنا أيضًا، حان وقت الراحة والترنيم. ونحن نعرف رئيس السلام الذي وجد مكانًا يستريح فيه وسط شعبه، لذا يمكننا أن نكون شاكرين وفَرِحين. الترنيمة أن رحمه الله إلى الأبد، هي ترنيمة لا تنتهي، فتدوّي في وسطنا بالمجد والكرامة للآب والابن. وستدوّي ترنيمة الحمد هذه في الكنيسة مدى الإجيال، وفي كل العالم بلا نهاية. بل نستطيع أن نستنتج بأنه الآن أيضا، تصطف “جوقات المرنمين” في “هيكل الله” للترنيم ولعزف لحن في قلوبهم للرب بمزامير وتسابيح وأغاني روحية (أف٢: ١٧-٢٢؛ ٥: ١٩).

في كولوسي ٣: ١٦، ترتبط ترانيم الحمد بوضوح مع التعليم والإنذار المتبادل بين أعضاء الجسد «لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ (أي بإدراك للنعمة «لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ»)، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ». لذلك يحتوي الترنيم أيضًا على عُنصُر نبوي، أنه يحتوي على أمر لبنيان الآخرين. ليس إكرام الله فحسب، بل أيضا بنيان إخوتنا في الإيمان. من المثير للاهتمام أن نلاحظ ما قيل عن مرنمي الهيكل في أخبار الأيام الأول ٢٥ أنهم تنبأوا، وتكلَّموا بكلام الله (١أخ٢٥: ١، ٢، ٣، ٥)؛ كانوا يُرنمون وفي الوقت ذاته يتنبأون، ويتكلَّمون بكلام الله. لقد كانت ترانيم الحمد لتمجيد الله، ولإرشاد شعبه أيضًا.

ساعة الإحياء والنهضة

أود أن أختم ببضع كلمات عن وضع المُرنمين اللاويين في زمن عزرا ونحميا، وهو نفس الزمن الذي عاصره كاتب سفري أخبار الأيام، ويعيد فيه إلى الذاكرة المجد السابق، من عهد الملك داود والملك سليمان. لقد عادت بقية قليلة من شعب الله إلى أرض الميعاد، إلى المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه. على أنهار بابل، علَّق المُرنمون أعوادهم على الصفصاف، فكيف يمكنهم ترنيم واحدة من أغاني صهيون، ترنيمة الرب، في أرض غريبة؟ كيف يمكن أن يُرنموا هناك عن صهيون، عن جبل نعمة الله، عن هيكل الله الواحد الحقيقي وعن مُلك مليكه؟ (مز١٣٧).

ولكن بمجرد أنهم رجعوا إلى أورشليم، عادوا إلى مُمارسة مهامهم. كان يوم لإحياء وترميم وإعادة بناء المذبح والهيكل وسور المدينة على التوالي. وعندما وضع الأساس للهيكل الجديد، عاد المُرنمون للترنيم ثانية «وَغَنُّوا بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ لِلرَّبِّ»، وعادوا يرنمون من جديد القرار «لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» (عز٣: ١٠، ١١). كان للمُرنمين أيضًا دورًا بارزًا في الاحتفال بتدشين سور أورشليم (نح١٢: ٢٧-٤٧)، وجرى كل شيء حسب وصية داود وسليمان ابنه «وَكَانَ الْمُغَنُّونَ وَالْبَوَّابُونَ حَسَبَ وَصِيَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ. لأَنَّهُ فِي أَيَّامِ دَاوُدَ وَآسَافَ مُنْذُ الْقَدِيمِ كَانَ رُؤُوسُ مُغَنِّينَ وَغِنَاءُ تَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ لِلَّهِ» (نح١٢: ٤٥، ٤٦).

ينبغي علينا، ونحن في زمن الفَسَاد والإرتِداد، أن نعود إلى النُظُم التي سَلّمها الله لكنيسته منذ البداية من خلال الرب المُقام ورُسُلِه. إن تَرْمِيم العبادة الحقيقية حول المذبح المسيحي، الذي هو مائدة الرب، يجب أن يأخذ الساجدون “المرنمون” مكانهم فيه، ومِن ثم تُرنَم ترنيمة الحمد التي لا تنتهي لله، في هيكله المقدس.


(ترجمة: هاني جريس)

هوجو باوتر