أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2011
مواهب الروح القدس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

مواهب الروح القدس

الصلاة والترنيم بالروح وبالذهن

تحدثنا في المرة السابقة عن أن المواهب الروحية التي يعطيها الروح القدس للمؤمنين وتمارس في اجتماعات الكنيسة ليس الغرض منها أي استعمال شخصي لأي واحد، بل لأجل منفعة الآخرين، وهذا هو بيت القصيد. ويستكمل الكاتب الفكر عينه مطبقًا إياه أيضًت على الصلاة والترنيم
موضوع فائدة الآخرين هو حق وصحيح بالمثل في أمر الصلاة والترنيم.  لهذا يقول الرسول: «فما هو إذًا؟ أصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضًا: أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا.  وإلا، فإن باركت بالروح، فالذي يشغل مكان العامي، كيف يقول آمين عند شكرك؟ لأنه لا يعرف (أو لا يفهم) ماذا تقول؟ فإنك أنت تشكر حسنًا، ولكن الآخر لا يُبنَى» (1كو14: 15-17).  إذا كنت  أرنم، أو إذا كنت أصلي، وإذا كنت أتكلم، فما هي الفائدة من فعل ذلك إذا لم يُبْنَى الباقون؟ قلت مرة لأحد أصدقائي “إنني لا أقول أبدًا آمين لصلواتك” فنظر بدهشة وسأل: “لماذا”؟ فأجبت “لأني لا أسمع أبدًا ما تقوله.  فأنت تتمتم وتغمغم كثيرًا في صلواتك، حتى أني غير قادر أن أسمع ما تقوله، ولست مستعدًا أن أقول آمين لكلمات لا أسمعها”.  إن كل شيء ينبغي أن يُعمَل لأجل فائدة الآخرين، وفي هذا فإن الترنيم ليس استثناء.  كثيرون يعتقدون أنه أمر سهل جدًا، وأبسط شيء أن يرنم أحد ترنيمة.  لكن يجب أن «أرتل بالروح وبالذهن أيضًا» كما يُحَتِّم الرسول بولس.  إذًا عندما تُطلَب ترنيمة في وسط الجماعة، ينبغي أن تكون مُعبِّرة عما تشعر به الجماعة في تلك اللحظة.  ربما يقول أحد: “ولكن هذه الترنيمة كانت موضوعة على قلبي”.  ليس ذلك دليل على صحة طلب الترنيمة، لأنه من الممكن أن يكون لأخت مؤمنة ترنيمة موضوعة على قلبها، إلا أنها مدعوة أن تصمت وبالتالي لا تطلبها.  إنه لا ينبغي لأحد أن يطلب ترنيمة، أو أن يفعل أي شيء آخر في الكنيسة، ما لم يكن لديه شعور واضح بقيادة الرب في فعل هذا، ويعرف أنه يُعَبِّر عن مشيئته في فعل هذا.
كيفية ممارسة المواهب الروحية؟
في ختام الأصحاح الرابع عشر من كورنثوس الأولى، يتحدث الرسول عن نفس الموضوع المهم، وهو الخضوع المباشر للرب بقيادة روح الله، وكيف يجب أن تتصرف كنيسة الله حينما تجتمع إلى اسم الرب.  نقرأ في عدد23- 25: «فإن اجتمعت الكنيسة كلها في مكان واحد، وكان الجميع يتكلمون بألسنة، فدخل عاميون أو غير مؤمنين، أَ فلا يقولون أنكم تهذون؟ ولكن إن كان الجميع يتنبأون، فدخل أحد غير مؤمن أو عامي، فإنه يُوبَّخ من الجميع، يُحكَم عليه من الجميع: وهكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة، وهكذا يخرّ على وجهه ويسجد لله مناديًا أن الله بالحقيقة فيكم».  ثم يضيف الرسول «فما هو إذًا أيها الإخوة، متى اجتمعتم، فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان، له ترجمة».  هل هذا يعني أن كل واحد حينما يأتي إلى الكنيسة له شيء ما في ذهنه عليه أن يُعلنه؟ لا يمكن لشخص لديه الشعور بمعنى الوجود في محضر الله، ويؤمن بحضور وإرشاد الروح القدس أن يفعل هكذا.  إن ما يمكن أن يجري في اجتماع الكنيسة، ينبغي ألاّ يكون معروفًا إلى أن نوجد هناك، وحينئذٍ «ليكن كل شيء للبنيان».
لكن لنلاحظ، أن بولس لا يصحح التشويش بترتيبات مُسَبَّقة، أو بوضع كل شيء في يدي شخص واحد، ولا يقول للذين لهم موهبة التكلم بألسنة “لا يجب أن تتكلموا”.  كلا، إنه يقول: «إن كان أحد يتكلم بلسان، فاثنين، أو على الأكثر ثلاثة .. وليترجم واحد».  ما أبسط هذه التعليمات، وهي أفضل كثيرًا من القول «لا يجب أن يتكلم أحد بلسان غير معروف».  لأن معنى ذلك أن يطفئ الروح.
وهكذا ترون أنه بمنع الروح القدس أن يعمل بواسطة أي عضو موهوب في الجماعة، تقع الجماعة في الفخ الذي نُحذَر منه في الأصحاح الخامس من رسالة تسالونيكي الأولى: «لا تُطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات» (1تس5: 19، 20).  قد يسأل أحد: كيف نطفئ الروح؟ إن المؤمن شخصيًا يمكن أن يُحزن الروح القدس عندما يفعل أي شيء لا يوافق عليه الرب، ولكن في وسط الجماعة، وفي وسط الجماعة فقط، يمكنك أن تطفئ الروح.  في وسط الجماعة يجب أن يكون هناك مُتسع لكل نشاط ممكن للروح القدس بواسطة كل عضو يسمح له الله أن يتكلم.  وهذا ينطبق فقط على الرجل حيث نقرأ «لتصمت نساؤكم في الكنائس، لأنه ليس مأذونًا لهن أن يتكلمن» كما يوصي الرسول في 1كو14: 34.  إن عدم السماح لهذه الحرية للروح القدس، معناه أن نطفئ الروح، وهذه تُهمة خطيرة مُضطر أن أوجِّهها ضد كل جماعة، لا تعطي له المجال الكامل ليستخدم أي مَن يشاء وكل مَن يشاء.  وهو كان سيُطفأ لو سعى الرسول أن يصحح التشويش وعدم الترتيب بإسكات الألسنة.  لكنه يقول في عدد39 «إذًا أيها الإخوة جدُّوا للتنبوء ولا تمنعوا التكلم بألسنة».  لكنه يضيف أيضًا «إن كان أحد يتكلم بلسان فاثنين اثنين، وعلى الأكثر ثلاثة ثلاثة، وبترتيب، وليترجم واحد».  يجب أن يكون هناك مترجم «ولكن إن لم يكن مترجم، فليصمت في الكنيسة، وليكلم نفسه والله.  أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة وليحكم الآخرون».
هذا هو تعليم الله الواضح، وفكره وإرادته المُعلَنة، لأجل كنيسته، حينما يجتمعون، ولا يوجد شيء أبسط من هذا.  ولكن أقول بأسف وحزن أن الأغلبية أهملت ولم تراعِ هذا الأمر الهام.  إن القاعدة في غالبية الجماعات الكنسية هي وضع الكل مقدمًا، في يدي شخص واحد.  وهذا يعني إطفاء الروح، ونتيجة لذلك الكل يعاني.
لكن، لماذا يقول الروح القدس أن اثنين أو ثلاثة أنبياء فقط يمكنهم أن يتكلموا في وسط الجماعة؟ لماذا ليس أربعة، أو خمسة، أو ستة.  أعتقد أن هذا برهان عملي على الحكمة التي لا تُخطئ، والعناية الرقيقة لإلهنا.  إننا حين نجتمع في الكنيسة، ويتحدث اثنان أو ثلاثة من إخوتنا، نكون قد تناولنا ما نستطيع أن نستوعبه.  وإذا كان هناك خطابات أكثر، فعلى الأرجح سوف تكون الفائدة قليلة منها، حيث الضعف الجسدي في البعض - إن لم يكن في الكل - سيفرض نفسه.  لقد عرف الله جيدًا ماذا ستكون حياتنا هنا، وبالتالي، عرف أنه ستكون هناك مطالب، واستدعاءات للمنزل يجب أن تُطاع في حينها، ولذلك فهو لا يجعل اجتماعات كنيسته تطول مدتها بطريقة غير محدودة حتى إن البعض يكونوا مضطرين أن يخرجوا من محضر الرب قبل نهاية الاجتماع.  لذلك فكل شيء يجب أن يكون «بلياقة وبحسب ترتيب» (1كو14: 40).  لذلك يقول الرسول: «أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة، وليحكم الآخرون.  ولكن إن أُعْلِنَ لآخر جالس، فليسكت الأول».  إذا أعطى روح الله علامة على أنه يريد أن يستخدم إناءً معينًا، حينئذٍ «ليسكت الأول» لأنه عليه أن يكون خاضعًا للروح القدس.  «إن أُعلِن لآخر جالس فليسكت الأول.  لأنكم تقدرون أن تتنبأوا واحدًا واحدًا ليتعلم الجميع ويتعزى الجميع.  وأرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء»، لأن أحكم الأنبياء يمكن أن يتعلم من أخيه.
وفي أيامنا هذه، نجد هذه الحالة العجيبة في دائرة المسيحية، أن كل ما يتعلق بالجماعة وعملها، سواء في العبادة أو الخدمة، مُسلَّم لشخص واحد، عليه أن يذهب إلى الله من أجل الشعب، وإلى الشعب من أجل الله.  هذا الأمر ليس بحسب ما نجده في كلمة الله في الأصحاح الرابع عشر من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس.  وقد يحدث أن تقابل شخصًا مسيحيًا في صباح يوم الرب، وتسأله إلى أين هو ذاهب؟ فيقول أنا ذاهب لأسجد.  وعندما تستمر في السؤال بطريقة أعمق، ستجد أنه ذاهب لكي يسمع شخصًا ما يكرز ببشارة الإنجيل.  إن الفكرة التي في ذهن صديقك ليست هي السجود حقًا، الذي يفيض من القديسين المجتمعين إلى الله، بل هي خدمة مرتبطة بشخص ما سوف يلقي خطابًا، ومن الممكن أن يكون ذلك لمعونة وتعزية الحاضرين، لكن ينبغي أن نُسمِي الأشياء بأسمائها الصحيحة، ولا نطلق كلمة السجود الذي هو امتياز ثمين، على الخدمة التي تحمل فكرة مختلفة تمامًا، على الأقل في الكتاب المقدس ـ كلمة الله.  أنتم أتيتم لتستمعون إليَّ وأنا أتكلم في هذه الليلة، لكن هذا ليس هو الكنيسة، وبالتالي ليس هذا اجتماعًا للسجود.  إنه مجرد اجتماع من أولئك الذين أعتقد أنهم أولاد الله، لكي يسمعوا ما يقوله خادم للمسيح وهو يمارس موهبته المتواضعة التي أعطاها الرب له.  كم يختلف هذا عن الاجتماع حول الرب في الكنيسة حيث يتحقق القول «لأنكم تقدرون جميعكم أن تتنبأوا واحدًا فواحدًا، ليتعلم الجميع، ويتعزى الجميع. وأرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء.  لأن الله ليس إله تشويش، بل إله سلام كما في جميع كنائس القديسين» (1كو14: 31-33).
عند هذه النقطة، ولأنه قد قال: «تقدرون جميعكم أن تتنبأوا» يأتي تنبيه مهم «لتصمت نساؤكم في الكنائس، لأنه ليس مأذونًا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن، كما يقول الناموس أيضًا.  ولكن إن كن يُرِدن أن يتعلمن شيئًا، فليسألن رجالهن في البيت، لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة» (1كو14: 34، 35).  لكن ما هي الفائدة من أن تدعو النساء أن يصمتن، بينما الأمر السائد غالبًا في المسيحية العصرية هو أن كل الرجال يكونوا صامتين، ما عدا شخص واحد؟ آه! في هذا قد فشلت الكنيسة بصورة محزنة، فهي ليست لديها الثقة في الروح القدس.  إن هذه الأعداد هي في مكانها الصحيح لتبين لنا ما يريده الرب في كنيسته، وإذا لم أكن سائرًا مع القديسين بحسب جوهر المكتوب في كورنثوس الأولى14، وخاضعًا تمامًا للوصايا والتعاليم التي يتضمنها هذا الأصحاح، فأنا في الحقيقة ألقي بمراحمي بعيدًا، وأدخل مباشرة في مواجهة وصية ربي.
لقد عرف بولس جيدًا أن ما كان يقوله سوف لا يكون مقبولاً من الكل في الكنيسة في كورنثوس، ولذلك يقول: «أم منكم خرجت كلمة الله؟ أم إليكم وحدكم انتهت؟» ماذا يعني الرسول بذلك؟ كما سبق وقلت، لقد عرف جيدًا أن ما كان يوضحه لم يكن مقبولاً لأذهان الكثيرين، لذلك فهو يقول ما معناه، هل أنتم مصدر كلمة الله، أم أن الله هو الذي يعطي الكلمة بواسطتي إليكم لكي يُعلِّمكم؟ هل أنتم تريدون أن تكونوا معلمين أم متعلمين في هذا الأمر؟ «إن كان أحد يحسب نفسه نبيًا أو روحيًا فليعلم ما أكتبه إليكم أنه وصايا الرب».  إن كل قلب مُحب للمسيح عليه أن يسأل نفسه الآن هذا السؤال: هل أنا أحفظ وصاياه الموجودة في 1كورنثوس14؟ هل أنا أجتمع إلى اسمه في المكان الذي يأخذ الروح القدس حريته في الكنيسة؟
ثم يتبع ذلك كلمات لافتة للانتباه «ولكن إن يجهل أحد فليجهل».  وأنا لا أعتقد أن هناك راحة أو تعزية في أن يكون الشخص جاهلاً، ولا يوجد مُصادقة في أن يظل هكذا، وأمام أعيننا مثل هذا التعليم الواضح بخصوص ما يريد الرب أن نفعله.  إذا أغمضت عينيَّ أمام التعليم الواضح والمميز لكلمة الله، حينئذٍ سوف لا أعرف الحق.  «إن يجهل أحد فليجهل».  إن هذه الكلمة مؤثرة وتجعلني لا أرغب في أن تنطبق عليَّ.  إنها تنطبق على الشخص الذي سوف لا يرى ما يأمر به الرب.  «إذًا أيها الإخوة، جدّوا للتنبؤ، ولا تمنعوا التكلم بألسنة».  هذا هو ختام الأمر كله وهو مُفعم بالنعمة.  «ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب» (عدد40).  وهذا هو العنوان المنقوش على باب كنيسة الله، ويجب أن أراه دائمًا هناك عندما أدخل.
(يتبع)
و. ت. ب. ولستون

و.ت.ب.ولستون