أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2020
التوبة اللازمة في الأيام الأخيرة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لا توجد أيام يحتاج فيها كل شعب الرب إلى مراجعة طرقهم وفحصها، أكثر من هذه الأيام التي تسبق مجيء الرب يسوع من السماء (مرا ٣: ٤٠). فلقد سمح الرب بفيروس كورونا العنيف، والذي اجتاح كل بلدان العالم، وهو بلا شك صوت قوي جدًا من الرب المُحب «الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تي ٢: ٤)، «وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بط ٣: ٩).

لكن هذا الصوت المُرعد، الذي أحدث دويًا عالميًا، هو لنا أيضًا بكل تأكيد.  فلقد تكلم إلينا الرب في أوقات الهدوء والسلام والراحة، ولكن بعضنا لم يستجب لصوته، كقوله له المجد: «تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ.  قُلْتِ: لاَ أَسْمَعُ» (إر ٢٢: ٢١)، وقد ضيَّق علينا لكي نشعر (إر ١٠: ١٨).  ولذلك قد سمح الرب بهذه الجائحة المُرعبة التي هي بلا شك واحدة من إرهاصات الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال السبعين (دا ٩: ٢٥ – ٢٧)، والذي سيتم بعد اختطاف الكنيسة.  لكن الرب أرسل هذا الوباء لكي نشعر ونستفيق من غفلتنا الروحية.  فالطابع العام للكثيرين من أولاد الله هو طابع الغفلة الروحية، وغياب التقوى والقداسة الحقيقية، لذلك إن كنا فعلًا نرغب النجاة من هذه الحالة علينا أن نذهب – روحيًا – إلى “وَادِي عَخُورَ” الذي قال عنه الكتاب: «بَابًا لِلرَّجَاءِ» (هو ٢: ١٥)، وهو الوادي الذي فيه أُدينت الخطية، عندما رُجِمَ “عاخان” الذي خان (يش ٧: ٢٦).  فمتى شعرنا بالضيق والكدر (كمعنى اسم عَخُورَ)، واتضعنا أمام الرب (لأن الوادي يتكلم عن الاتضاع)، وحكمنا على الشر، يصير لنا «وَادِي عَخُورَ بَابًا لِلرَّجَاءِ».

وعندما نحكم على الشر، علينا أن نبدأ أولًا بأنفسنا، ونتطهر أمام الرب.  ونكون كما فعل التلاميذ قديمًا، عندما أعلن لهم أن واحدًا منهم سيسلمه، كان سؤال كل واحد فيهم للرب: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟» (مت ٢٦: ٢٢).  يا ليت هذا السؤال يكون لسان حالنا جميعًا، ونحن متذللين أمام الرب.  وبعد أن نبدأ بأنفسنا نحاول بمعونة من الرب وبتضرعات كثيرة ودموع وأصوام أن يكون لنا الرغبة في تطهير بيوتنا، كما قال يعقوب قديمًا لبيته: «اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ» (تك ٣٥: ٢).  فنحن لن نستطيع أن نُطهِر بيوتنا بذواتنا، بل هو عمل إلهي يستطيع الرب أن يعمله، إن وجد في قلوبنا رغبة حقيقية في التوبة والرجوع.

ونجد أمرًا مشابهًا لهذا أيام صموئيل النبي عندما قال للشعب: «إِنْ كُنْتُمْ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ رَاجِعِينَ إِلَى الرَّبِّ، فَانْزِعُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ ... وَأَعِدُّوا قُلُوبَكُمْ لِلرَّبِّ وَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، فَيُنْقِذَكُمْ» (١صم ٧: ٣).  وهذا ما فعله أيضًا الملك منسى بعد رجوعه إلى الرب «أَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالأَشْبَاهَ (الأصنام) مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ» (٢أخ ٣٣: ١٥). 

ونلاحظ هذه التعبيرات الثلاثة المهمة جدًا إن كنا نرغب فعلًا في رجوع قلبي وحقيقي للرب:

«اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ» (تك ٣٥: ٢)

«انْزِعُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ» (١صم ٧: ٣)

«أَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ» (٢أخ ٣٣: ١٥)

فالعزل هو للملوك والرؤساء، والنزع يكون للأشجار، والإزالة غالبًا ما تكون للمباني، فهل أصبحت في حياتنا أصنامًا متربعة كالملوك على العرش، أو الأشجار المتجذرة في قلوبنا، أو عادات أصبحت مثل المباني الخرسانية التي يصعب إزالتها؛ لكن الرب يستطيع بعمل إلهي فينا أن يعزل وينزع ويزيل كل الأصنام من حياتنا.  ولنسمع لنصيحة رجل الشركة الذي كان يسوع يُحبّه، الذي كتب رسالة الشركة، رسالة يوحنا الأولى؛ وهو يقول: «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ» (١يو ٥: ٢١).

والتوبة الحقيقية التي تُشبع قلب الرب ويكون لها ثمارًا مباركة هي التي تصل إلى جذور المشكلة، وتبحث بإخلاص عن أسباب التدهور الروحي.  فكم شبع الرب من توبة بطرس الصادقة، عندما أنكر سيده «فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ، وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا» (مت ٢٦: ٧٥).  وكان لا بد من هذين الأمرين معًا: الخروج من المكان الخطأ، والبكاء والانكسار بسبب هذا الأمر الرهيب، والحكم على النفس. 

إن عمل الرجوع لا يمكن أن يكون كاملًا إلا إذا وصل إلى الجذور، وحكم عليها.  فالعمل السطحي لا ينفع بتاتًا. ونحن نميل دائمًا للاكتفاء بقطف الحشائش التي تظهر على سطح حياتنا العملية اليومية، دون الوصول إلى الجذور المدفونة.  والنتيجة المحزنة هي أن الحشائش تظهر ثانية، وبسرعة، وتكون مدعاة لأسفنا وخزينا وإهانة اسم سيدنا. 

وبهذه المناسبة أيضًا لنحذر مما فعله يهوذا الإسخريوطي، الذي ندم دون أن يتوب توبة صادقة، وقاده الندم إلى الشعور بالذنب القاتل الذي قاده للانتحار.  فحُزْنُه الذي كان بدون توبة، أنشأ موتًا (٢كو ٧: ١٠). 

وما أبعد المباينة بين توبة داود وتوبة الملك شاول الشرير الذي كان يجيد فن الاعتذار دون توبة صادقة ودون شعور حقيقي أنه كسر وصية الرب!  فمع أنه قال لصموئيل رجل الله: «أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ وَكَلاَمَكَ»، إلا أنها لم تكن توبة صادقة، بل كانت مجرد تمثيلية، لأنه قال بعدها مباشرة لصموئيل: «قَدْ أَخْطَأْتُ.  وَالآنَ فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ إِسْرَائِيلَ» (١صم ١٥: ٢٤، ٣٠). 

على العكس من ذلك كانت توبة داود، فعندما أخطأ إلى الرب نجده يقدِّم توبة بدموع وانكسار حقيقي أمام الرب، وقال تلك العبارة المؤثرة: «ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ.  الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ» (مز ٥١: ١٧).

كم أشتاق من قلبي أن يعطينا الرب في هذه الأوقات الصعبة توبة حقيقية تشمل كل مناحي الحياة؛ توبة تجعلنا نبدأ بأنفسنا وبيوتنا واجتماعاتنا، ونطلب بدموع تطهيرًا شاملاً، كما فعل قديمًا الملك يوشيا التقي الذي رق قلبه وتواضع أمام الرب، واستخدمه الرب لعمل نهضة شاملة «ابْتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مِنَ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِي وَالتَّمَاثِيلِ وَالْمَسْبُوكَاتِ.  وَهَدَمُوا أَمَامَهُ مَذَابحَ الْبَعْلِيمِ، وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ قَطَعَهَا، وَكَسَّرَ السَّوَارِيَ وَالتَّمَاثِيلَ وَالْمَسْبُوكَاتِ وَدَقَّهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَهَا» (٢أخ ٣٤).  فلا يكفي أن نخلص من خطية، ونترك الأخرى، بل لا بد أن يكون التطهير شاملًا العادات والأخلاق والكلام والمعاملات.

ليتنا نصرخ من قلوبنا للرب قائلين: «أَلاَ تَعُودُ أَنْتَ فَتُحْيِينَا، فَيَفْرَحُ بِكَ شَعْبُكَ؟» (مز ٨٥: ٦). ونصرخ بدموع مع المرنم قائلين: «ارْدُدْ يَا رَبُّ سَبْيَنَا، مِثْلَ السَّوَاقِي فِي الْجَنُوبِ» (مز ١٢٦: ٤).

عادل راجح