أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2020
دوائر سلطان الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

عاش العبرانيون في مصر زماناً طويلاً، ولاحظوا عن كثبٍ عوائد المصريين وطقوس عباداتهم، وكل أصناف آلهتهم.  فلقد كان للمصريين عدد كبير من الآلهة، بلغ حوالي ١٥٠٠ إلهًا!  وفي أساطير قدماء المصريين، كان لكل إلهٍ منطقة نفوذ، ودائرة عمل مختلفة عن باقي الآلهة.  فعلي سبيل المثال لا الحصر، عبد المصريون الإله “حابي” ودائرة نفوذه هي نهر النيل، والإله “شو” إله الهواء، والإله “رع” إله الشمس، والإله “جب” إله الأرض، والإله “نوت” إله السماء ... إلخ.

وهكذا تميَّزت مصر القديمة بكثرة آلهتها وتعددها، وأيضًا بمحدودية دوائر نفوذها وتخصصها.  هذا بالإضافة إلى جمود هذه الآلهة «أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ.  لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ.  لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ.  لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ.  لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ.  لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ.  لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا» (مز ١١٥: ٤-٨)

وإذ أراد الرب (يهوه) أن يُعرِّف نفسه لعبده موسى، في أولى لقاءاته معه، ليُكلِّفه بإرسالية إخراج الشعب من مصر، فقد كشف له تفرده وحده - تبارك اسمه – بكل ما عجزت فيه آلهة المصرين، بل كل معبودات البشر أجمعين.

فاسمع ما قاله الرب لموسى: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ.  فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ.  فَقَالَ الرَّبُّ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ.  إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ» (خر ٣: ٦–٨).

ومن خلال هذا الإعلان الإلهي المباشر من الرب (يهوه) لموسى نتعلم أن:

الرب (يهوه) إله كل العصور والأجيال من إبراهيم حتى موسى، بل أيضًا من قبل إبراهيم وإلى الأبد (يو ٨: ٥٨).  بعكس آلهة المصرين الوهمية، المُتغيِّرة بتغير الأسر الحاكمة والأجيال المتعاقبة.

الرب (يهوه) هو إلهٌ حيٌ متفاعلٌ متحركٌ.  فهو يتكلَّم، ويرى، ويسمع، ويُعَلِّم، ويتدخل لخلاص شعبه؛ على عكس آلهة المصرين المنحوتة من الحجارة، والمرسومة على الجدران، التي لا تستطيع أن تمد يد العون للسائلين.

ويا لروعة هذا الإعلان!  ففي وسط ضيقاتنا وحيرتنا، وعندما تنضب كل ينابيع المعونة والتشجيع من حولنا، علينا أن نتذكر أن لنا هذا الإله الحي المتفاعل معنا، والقادر على إنقاذنا.

وعندما رفض فرعون إطلاق الشعب، واستهان بهارون وموسى، واحتقر إله العبرانيين (خر ٥: ٢)، أعلن الرب الحرب على آلهة المصريين، وبالفعل أصدر رب الجنود قرار الحرب، متمثل في عشر ضربات، كل ضربة موجهة ضد إلهٍ من آلهة المصريين، كالتالي:

(١) الضربة الأولى: تحويل ماء النهر إلى دمٍ، وهي ضد الإله “حابي” إله نهر النيل.

(٢) الضربة الثانية: الضفادع، وهي ضد الإلهة “حكت”، إلهة الولادة ذات رأس الضفدع.

(٣) الضربة الثالثة: البعوض، ضد الإله “جب” إله الأرض.

(٤) الضربة الرابعة: الذبان، ضد الإله “خبري”، إله الحشرات، وكان على شكل جعران.

(٥) الضربة الخامسة: المواشي، ضد الإله العجل “أبيس”، والبقرة ”حتحور”.

(٦) الضربة السادسة: الدمامل، ضد الإله “إيزيس”، إلهة الطب والسحر.

(٧) الضربة السابعة: البرد، ضد الإله “نوت”، إله السماء

(٨) الضربة الثامنة: الجراد، ضد الإله “أوزيريس”، حامي البلاد من الجراد.

(٩) الضربة التاسعة: الظلام، ضد الإله “رع”.

(١٠) الضربة العاشرة: موت الأبكار، ضد الإله “أمون”، سد طيبة، وضد فرعون الإله المنتظر.

ومن خلال تتبعنا لما أعلنه الرب عن نفسه، وما قام به من هجومٍ قاهرٍ على آلهة المصريين، يتضح لنا أن:

الرب (يهوه)، كلي القدرة، لا تقف أمامه آلهة المصريين بقوة الشيطان العاملة من ورائها.

الرب (يهوه)، له سلطانٌ غير محدود، فسلطانه في كل الدوائر المنظورة وغير المنظورة؛ سواء كانت دوائر الهواء والسماء، أو دوائر البر والمياه.

وفي ضوء كل هذه الإعلانات عن دوائر سلطان الله كلي السلطان، نرى أنه تبارك اسمه مُهيمنًا وسَيِّدًا؛ فالجراد، والبرد، والبعوض، والأوبئة، وفيروس كورونا ... وكل شيء، ما هو إلا جيوش الرب (يوئ ٢: ١١)، وأدوات لتنفيذ مشيئته على الأرض، ولا يمكن أن تخرج مُطلقًا عن دائرة سلطان الله.  حتى هيجان الشيطان ومؤامراته ضد عبد الرب أيوب، كلها كانت تحت هيمنة الرب وسيادته، وهو - تبارك اسمه - الذي أدار الأحداث ليُتمِّم مشيئته في حياة أيوب (أي ١: ١٢).

إن الرب المُهيمن والمسيطر، يستطيع أن يخرج الريح من خزائنه (مز ١٣٥: ٧)، وبعدما تُتمِّم الريح قصد الرب، هو بذاته يأمرها بالسكون والهدوء (مر ٤: ٣٩).

ولا يمكن أن تخرج أزمة فيروس كورونا العالمية الآن عن دائرة سلطان الرب.  فحاشا للرب أن يقف عاجزًا أمام شراسة هذا الوباء.  لكني متيقن أنه بعدما تُتمِّم هذه الأزمة دورها في تنبيه العالم الناسي الله، بضرورة التوبة والرجوع إلى الله، وتنبيه المؤمنين المرائين والنائمين والعالميين، بضرورة التخلي عن الأقنعة، والرجوع مرة أخرى، بالتوبة القلبية، إلى الحياة الحقيقية والعبادة القلبية والخضوع لسلطان الله، عندئذٍ فقط سينطق الرب بكلمة سلطانه آمرًا الوباء بالتوقف. 

ألا يطمئننا هذا؟  ألا يملأ قلوبنا بالسلام والثقة بأن أمورنا في يد الرب كلي السلطان؟

عياد ظريف