أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2020
معاملات الله التي تقود إلى التوبة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

التوبة هي فحص وإدانة النفس، ورفض الخطية، وتغيير الفكر والنظرة، من جهة الله والخطية، والزمان والأبدية.  ثم تغيير القناعات والاختيارات والقرارات والعلاقات والمسارات في كل جوانب الحياة «الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (٢كو ٥: ١٧).  الاعتراف وحده لا يكفي، فكثيرون قالوا قد أخطأنا، ثم عادوا إلى نفس المسار، مثل: فرعون (خر ٩: ٢٧)، بلعام (عد ٢٢: ٣٤)، عخان (يش ٧: ٢٠)، شاول الملك مرتين (١صم ١٥: ٢٤، ٣٠)، شمعي بن جيرا (٢صم ١٩: ٢٠)، يهوذا الإسخريوطي (مت ٢٧: ٤).  

   «اللهِ ... يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تي ٢: ٣، ٤)، «وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بط ٣: ٩).  لكن مشكلة الإنسان الحقيقية أنه يرفض الله ويحب الخطية.  يقول الله في الأمثال: «لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي» (أم ١: ٢٤).  وقال الرب يسوع وهو يرثي أورشليم: «كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!» (مت ٢٣: ٣٧).  وقال عن ثياتيرا: «أَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ ... وَلَمْ تَتُبْ» (رؤ ٢: ٢١).  وقال بولس: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟» (رو ٢: ٤، ٥). 

   إن التوبة ضرورة حتمية لأنه توجد دينونة.  وقد قال الرب يسوع مُحذِّرًا مرتين: «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ» (لو ١٣: ٣، ٥).  وقال بولس: «اللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ، لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (أع ١٧: ٣٠، ٣١). 

   والخاطئ يحتاج أن يتوب ويرجع إلى الله، ليحصل على العفو والغفران، «لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ» (إش ٥٥: ٧).  والمؤمن يحتاج أن يتوب لرد الشركة ورفع التأديب (مز ٣٢: ٥؛ مز ٥١: ١–١٠؛ ١يو ١: ٩). 

   ومرات يتكلَّم الله بالصوت المُنخفض الخفيف (مثلما حدث مع ليدية عند النهر) إذ فتح الرب قلبها لتُصغي إلى ما كان يقوله بولس، أو يتكلَّم بزلزلة (مثلما حدث مع السجان في فيلبي) (أع ١٦).  وفي هذه الأيام، وسط رُعب “وباء كورونا” الذي يجتاح العالم، فإن الله يتكلَّم للجميع بصوت يهز الضمير.  

والله يعرف كيف يقتاد النفوس إلى التوبة بطرق مختلفة.  على سبيل المثال:

مُعاملات يوسف مع إخوته (تك ٤٢ - ٤٤): 

  • حدث جوع في الأرض، وهذا حرَّكهم للذهاب إلى مصر، وكان يوسف هو المُتسلط على كل أرض مصر.  يوسف تنكَّر لهم وتكلَّم معهم بجفاء، وحسبهم جواسيس.  وعندما برروا أنفسهم جمعهم إلى حبس ثلاثة أيام.  أخذ شمعون وقيده.  في الحبس قالوا: «حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ ... هُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ» (تك ٤٢: ٢١، ٢٢).  يوسف تحوَّل عنهم وبكى لما سمع منهم هذا الاعتراف.  الجفاء كان هو الظاهر، أما الحنان فمستور عنهم.  ردَّ الفضة، وهذا سبَّب لهم ارتعادًا عظيمًا.  فالله لن يقبل أي ثمن أو عمل من جانبهم للتكفير عن الخطية.  يوسف دفع الفضة، وهي ترمز إلى الكفارة التي تُعطي السلام.  يوسف اشترط أن يأتوا بأخيهم بنيامين وإلا لا يروا وجهه، وهو رمز للمسيح، وبدونه لن يُقبَلوا. 
  • إخوة يوسف خافوا عندما أدخلهم إلى البيت، فالضمير المحتج لا يفهم النعمة.
  • يوسف قال للذي على البيت هيِّئ ذبيحة لأن الرجال يأكلون معي، فالذبيحة هي أساس القبول.
  • أجلسهم بحسب السن مُبرهنًا أنه يعرفهم.  وكان يلاحظ تصرفاتهم نحو أخيهم بنيامين.
  • أوصى أن يُوضع طاس الفضة في عدل بنيامين دون أن يعرفوا.
  • الرجل الذي على بيت يوسف (رمز للروح القدس الذي يجاهد مع النفوس) سعى وراءهم، قائلاً: لماذا جازيتم شرًا عوض خير؟  سؤال قديم يوم باعوه منذ ٢٢ سنة.  هم لم يسرقوا الطاس، لكنهم سرقوا يوسف من أبيه.  
  • قالوا: الذي يوجد معه الطاس يموت ونحن نصبح عبيدًا.  مثلما قال داود: «إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذلِكَ» (٢صم ١٢: ٥).
  • الثقة في الذات لا تقود إلى التوبة.  وُجد الطاس في عدل بنيامين.
  • مزقوا ثيابهم ورجعوا جميعًا إلى يوسف ووقعوا قدامه.  كلهم كانوا مقتنعين أن بنيامين هو الوحيد البار، وهم جميعًا الأشرار، وأن الله كشف خطاياهم.
  • قال يهوذا: «مَاذَا نَقُولُ لِسَيِّدِي؟  مَاذَا نَتَكَلَّمُ؟  وَبِمَاذَا نَتَبَرَّرُ؟  اللهُ قَدْ وَجَدَ إِثْمَ عَبِيدِكَ» (تك ٤٤: ١٦). شعروا بالاحتياج إلى التبرير.  
  • امتحن محبتهم لبنيامين بقوله: «الرَّجُلُ الَّذِي وُجِدَ الطَّاسُ فِي يَدِهِ هُوَ يَكُونُ لِي عَبْدًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاصْعَدُوا بِسَلاَمٍ إِلَى أَبِيكُمْ» (تك ٤٤: ١٧).
  • انسحاق يهوذا (يمثل انسحاق البقية في المستقبل) «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَى عَبْدِكَ» (تك ٤٤: ١٨).  فإذا جاء يوم غضبه العظيم، مَن يستطيع الوقوف؟ (رؤ ٦: ١٦، ١٧).
  • تابوا عن خطية كراهية الابن إذ قال يهوذا: «لِيَمْكُثْ عَبْدُكَ عِوَضًا عَنِ الْغُلاَمِ، عَبْدًا لِسَيِّدِي، وَيَصْعَدِ الْغُلاَمُ مَعَ إِخْوَتِهِ» (تك ٤٤: ٣٣).
  • ثم تابوا عن خطية عدم مبالاتهم بالأب، إذ قال أيضًا: «لأَنِّي كَيْفَ أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَالْغُلاَمُ لَيْسَ مَعِي؟ لِئَلاَّ أَنْظُرَ الشَّرَّ الَّذِي يُصِيبُ أَبِي» (تك ٤٤: ٣٤).

    أيضًا معاملات الرب مع نُعمي في بلاد موآب لكي ترجع إلى بيت لحم.  حيث قالت إن: «يَدَ الرَّبِّ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ ... الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا.  إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً ... الرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي» (را ١: ١٣، ٢٠، ٢١).

    وفي أيام صموئيل (١صم ٧)، كان صوت صموئيل لكل الشعب لمدة ٢٠ سنة، وأخيرًا شعروا بالحالة.  فناح كل إسرائيل وراء الرب، ورجعوا بكل قلوبهم، ونزعوا الآلهة الغريبة، وعبدوا الرب وحده.  وفي المصفاة استقوا ماء وسكبوه أمام الرب، وصاموا في ذلك اليوم، وقالوا هناك قد أخطأنا.  وصموئيل أخذ حملاً رضيعًا وأصعده مُحرقة بتمامه إلى الرب.  وهذا هو أساس القبول.

    معاملات الرب مع منسى الملك الشرير، الذي عمل الشر في عيني الرب لإغاظته «كَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ فَلَمْ يُصْغُوا.  فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ الَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ، فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ.  وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ، وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ» (٢أخ ٣٣: ١٠–١٣). 

    معاملات الله مع نبوخذنصر.  كان التحذير الإلهي بفم دانيآل: «لْتَكُنْ مَشُورَتِي مَقْبُولَةً لَدَيْكَ، وَفَارِقْ خَطَايَاكَ بِالْبِرِّ وَآثَامَكَ بِالرَّحْمَةِ لِلْمَسَاكِينِ، لَعَلَّهُ يُطَالُ اطْمِئْنَانُكَ ... يَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَكُونُ سُكْنَاكَ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، فَتَمْضِي عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَأَنَّهُ يُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ».  ولقد استفاد من هذه المعاملات ورجع إلى الرب، وتعلَّم أن «مَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ» (دا ٤).  أما بيلشاصر حفيده فلم يستفِد مع أنه عرف كل ذلك، فجاء عليه القضاء المُرعب (دا ٥).

    معاملات الرب مع يونان والنوتية وأهل نينوى.  أهل نينوى تابوا بمناداة يونان.  والنوتية رموا الأمتعة في البحر وتعرضوا للخسائر المادية.  أما يونان فكان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبعدها صلى وتاب وتعلَّم الدرس (يون ١–٤). 

محب نصيف