أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2018
بين يدي الفخّاري الأعظم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ الرَّبِّ: قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي. فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلاً عَلَى الدُّولاَبِ. فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هَكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ» (إر١٨: ١-٦).

قبل فترة قضيت ثلاثة أيام في ورشة فنية في العمل بالطين، كنت أشرح لطلاّبي، وأغوص عميقًا في شخص وعمل الفخاري الأعظم وأنا أعالج قطعة الطين بين يديّ.

كلّما دخلت أصابعي عميقًا كان الإناء يتّسع ... وكلّما ضغطت أكثر كان يزداد رقّة ... وكلّما لامسته أكثر زادت نعومته ... ومع قليل من الماء كانت شقوق الإناء تختفي.

إنه لم يزل مجرّد إناءٍ من الطين مأخوذ من الأرض وسيعود إلى الأرض، لكن مع كلّ اتّساعٍ كان يحتوي غيره أكثر ... ومع كل رقّةٍ كانت قيمته ترتفع ... ومع كلّ نعومة لم يعد يضايق مَن يمسك به.

كانت كل قطرة ماءٍ تُذكره أنّه مجرّد تراب ... نعم مجرّد تراب، لكنه بين يدي الفخاري صار إناءً للكرامة (انظر إشعياء ٦٤: ٨).

لكن ... لا بدّ من التنور! لا بدّ أن يدخل الإناء إلى التنور ليستطيع أن ينطلق من يدي الفخاري ليخدم الآخرين. آه يا رب، أتألم أحيانًا وأنت تتعامل معي لتعالج قسوتي وفشلي، فتكسر لكي تبني أفضل، وتضغط لكي تُنشئ أجمل، وتدخل فيّ فتلمس أعماقي بل وتُدخلني في التنور كي أعرفك وأشابهك أكثر.

يا رب ... المسني وشكّلني وأدخل حياتي عميقًا لكي أصلُح لخدمتك ولخدمة شعبك، أشكرك على ماء الكلمة الذي يمسح جروحي، فأتعلّم ألاّ أجرح الآخرين.

أخيرًا أشكرك على تنور الضيقات الذي يثبّت حياتي في شخصك، ويُبقي عينيّ نحوكَ. كيف لا وأنا أبقى مجرّد حفنة تراب صارت بين يديك أيها الفخاري الأعظم إناءً يُظهر روعة شخصك وكمال عملك ورقة يديك وجمال كلمتك ... مجدًا لاسمك.


مكرم مشرقى