أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2018
ببراهين كثيرة قاطعة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

إن محبة الرب يسوع الكاملة فعلت كل ما يلزم لاستعادة التلميذ الذي سقط، ليبدأ المسار على طريق جديدة، وبأقدام مغسولة. وكانت النعمة معنية بألا يفنى إيمانه. ومن الواضح أن سؤال الرب الثلاثي قد أنجز قصده بالمهمة الثلاثية التي تبعت؛ لقد “رَجَعَ” هذا التلميذ، وأصبح قادرًا أن“يثُبِّتْ إِخْوَتَهِ” (لو٢٢: ٣٢). ولكن مسار حياته سيُصبح مختلفًا تمامًا عما كان قبلاً وحتى الآن. وخلاصة ما قاله الرب يسوع الآن لتلميذه المحبوب بكلمات جادة وموجزة «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاءُ. قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُمَجِّدَ اللهَ بِهَا» (يو٢١: ١٨، ١٩). ويا له من قول! فالماضي والمستقبل لخادم الرب يسوع قد استحضرهما الرب جنبًا إلى جنب بصورة مؤثرة. وما يقع بينهما – كما بدا – هو الطريق الذي يسير فيه بطرس، والذي سيقود الرب فيه من أحدهما إلى الآخر. أي ما يعني كسر إرادة بطرس الذاتية القوية.

«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ» ... هذه آخر مرة نسمع فيها الرب يسوع يقول هذا التأكيد الخطير الذي كثيرًا ما استهل به ما سيقوله .

وبالفعل قد التفت الرب إلى بطرس في مرة سابقة في إنجيل يوحنا ١٣: ٣٨؛ هناك، في تلك الليلة، حينما كان ضروريًا أن يُخبر هذا التلميذ بالسقوط المؤلم الذي يوشك أن يحدث له. وكان هذا السقوط في الحقيقة لكي يبرهن له انكسار إرادته العاصية، واعتماده على الذات، والثقة الذاتية بالنفس. وكانت هذه هي الخاتمة النهائية للزمن الذي كان فيه بطرس “يُمَنْطِقُ ذَاتَهِ”؛ أي الذي كان فيه سَيِّد نفسه، أو على الأقل ظن نفسه كذلك. وهو الزمن الذي كان فيه أيضًا “يَمْشِي حَيْثُ يَشَاءُ”. وهذا ما لا يمكن أن يكون طريق تلميذ ليسوع أو خادم للرب. لقد عُلّق المسيح على الصليب لأجلنا، لكي يُظهر - لكل العصور والأجيال – ما تنتمي إليه طبيعتنا العتيقة؛ أي إرادتنا الذاتية.

وفيما يختص بهذا التلميذ، ففي ختام حياته، أخذ - بالمعنى الحرفي - الموقع الذي أخذه الرب في الموت. فهو كان «مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في٣: ١٠). ويا له من شرف له! ولكن الطريق التي أخذها هي نفس الطريق التي يجب أن يأخذها كل واحد يخدم ويتبع الرب؛ طريق الإرادة المنكسرة. فعبارة «تَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ»، هي العلامة المُميِّزة للطريق القديمة. أما «حَيْثُ لاَ تَشَاءُ»، فهي للطريق الجديدة. ولا يقدر أن يمشي في هذه الطريق إلا الشخص الذي يبقى قريبًا من الرب بعزم القلب.

«وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي» (ع١٩) ... «اتْبَعْنِي» كلمة صغيرة ولكنها تعني الكثير. ونلقاها كثيرًا في الكتاب المقدس. وتصف بأقصى الوضوح الطريق الضيقة، ولكنها المباركة والمكرمة لخادم الرب «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ» (يو١٢: ٢٦).

ومن هذه الوجهة فإن طريق كل خادم للرب هو هكذا بالمثل، ولكن قد تختلف المهام التي يسندها الرب لكل واحد. “فَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ” كان أيضًا يتبع الرب. وإذ التفت صديقه بطرس، ورآه، سأل الرب: «يَا رَبُّ، وَهَذَا مَا لَهُ؟» (ع٢٠، ٢١). ولكن كان هذا أمرًا بين هذا التلميذ وبين الرب. وعلى كل واحد أن يرى طريقه الخاص. «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ!» (ع٢٢).

لقد فسر البعض أن ما قاله الرب يعني أن يوحنا سيبقى حيًا إلى مجيء الرب. ولقد أصلح الروح القدس هذا الخطأ بالقول بوضوح أن الرب لم يعنِ ذلك، وعندئذٍ كرر أقوال الرب الفعلية حرفيًا. وبمنتهى الوضوح لم يتكلَّم فقط عن هذا التلميذ شخصيًا هنا، بل عن خدمته. والرب يُشير هنا إلى خدمتي هذين التلميذين؛ فخدمة رسول الختان (غل٢: ٨، ٩)، بمعنى محدد تنتهي عندما تشتت شعب الله الأرضي. أما خدمة “التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ” – فكما وضع أمامنا من قبل في إنجيله – هي: الحياة الأبدية في الابن”. أو – في رسالته الأولى – الحياة الأبدية فينا. وهذه الخدمة تعني لشعب الرب السماوي، وستستمر إلى أن يجيء الرب، ويأخذنا إلى بيته.

وهكذا فخدمتا هذين التلميذين اختلفتا تمامًا، سواء في مجال أو نتيجة كل منهما. وهكذا أيضًا - ودعوني أكرر – سيكون الأمر هكذا لكل خادم من خدام الرب. ومع أن كل واحد سيكون له فهمه الشخصي لسر الإرادة المنكسرة الخاضعة للرب، فإنه يجب أن يُلقي بالاً لنفس الكلمات «اتْبَعْنِي أَنْتَ!». وليت الرب المُقام والمُمجَّد يُحرك قلوبنا!

(يتبع)

فريتز فون كيتسل