«وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ الْجُمُوعُ يُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَجَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلاَّ يَذْهَبَ عَنْهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ الْمُدُنَ الأُخَرَ أَيْضًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، لأَنِّي لِهذَا قَدْ أُرْسِلْتُ» (لو ٤: ٤٢، ٤٣).
«اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا (لهذا الغرض) أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ، أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ»(يو ١٢: ٢٧، ٢٨).
الغرض يؤثّر على الأنشطة والتوجهات:
أمران - ضمن أمور أخرى - مؤكدان بخصوص الرب يسوع المسيح في الآيات الكتابية عالية. الأول، أن غرضه أثّر على أنشطته؛ والثاني، أن توجهاته عكست غرضه. بكلمات أخرى، إن كل ما فعل كان مُحددًا حسب المهمة والأهداف التي له. وكل ما حدث له حدث في حياة رتب الله كل خطوة فيها. لا شيء أقحم دونما سبب وجيه.
«الْجُمُوعُ ... جَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلاَّ يَذْهَبَ عَنْهُمْ»؛ هل كانت أعوازهم أقل أهمية مما كانت تلك التي للمدن الأخرى؟ كلا بالطبع! ولكن ربنا كان يعمل وفقًا لأولويات. اسمعه يقول: «إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ الْمُدُنَ الأُخَرَ أَيْضًا». لأنه لهذا الغرض أُرسِل. كان يفعل ما يريده الله أن يفعل. كانت حياته مشغولة، مفعمة بالنشاط الدؤوب. ينبغي أن يضطلع كل أحد بالمهمة التي رتبها الله له. أمر واحد مؤكد في حياتي وفي حياتك: ستسوء الأمور، وربما يشعر معظمنا في كثير من الأحايين، أن نصيبه من الأتعاب أوفر من غيره. ربما نشعر أن لا أخذ آخر حُوصِر بمشقات نظيرنا. ولكننا، كمؤمنين كمسيحيين، سنتعلَّم كيف نجتاز في أوقات الإحباط، عندما تسوء الأمور. فإذا كنا نحس بأننا نسير في إطار مشيئة الله، فلن نعتبر شدائدنا مصائب. فالناس عمومًا، في هذه الأيام، يحملون أثقالاً عاطفية: عواطف غير منضبطة، مرارة، قلق، ملامة الذات. وحتى عند اجتيازنا مشاكل ”طفيفة“، ستُحملنا أثقالاً، نحن والمحيطين بنا. ولكن عندما تسوء الأمور في حيواتنا، لندرك أن الله لن يتركنا بلا معونة. هذا الضرر ليس لكي ننوء بحمله بمفردنا، بل يُمكن أن يفحص ويشفي.
الغرض والصلاة:
أمران إضافيان ينبغي ملاحظتهما في العددين الواردين في إنجيل يوحنا. كان ثمة غرض للساعة، وكانت هناك صلاة أن يتمجد اسم الله. وهذان شيئان يجدر بالمؤمن الذي يرغب في اتباع سيده - أن يحرص عليهما.
ليس ثمة مجال للصدفة:
قال الرب يسوع إنه جاء إلى هذه الساعة إلى غرض معين. فما كان يحدث معه في تلك اللحظة لم يكن من قبيل الصدفة. بل كان من تصميم الله، ويجري تنفيذه. فخلال ساعات قصيرة قلائل، كان مُخلِّصنا سيُعلَّق على الصليب، على رابية الجلجثة، من أجل أن نتحرر - أنت وأنا - من الخطية. كان ثمة غرض أمامه.
”هذِهِ السَّاعَةِ“؛ ليست غلطة. كما أن المؤمن لا يُمسك بالصدفة في أي موقف، مهما بدا تافهًا. لقد صمّم الرب كل تفاصيل حياتنا.
يمكن أن يجلب المرء المتاعب لنفسه. الله يعرف ذلك، وقد يسمح به، ليَعلِّم المؤمن دروسًا نافعة لحياته. إن طريق حكمة الله كامل، وهي فوق إدراكنا. ولكن كثيرًا ما نغفل عن رؤية الغرض من الظروف المعاكسة. ولكن الله لا يغفل.
والله بصير كامل، فهو الله؛ ولذلك نحن نستريح. ولئن كنا نجهل السبيل الذي يأخذنا فيه، لكننا لا نجهل الشخص الذي يأخذنا. هذا وبإمكاننا أن نعوّل على أمانته نحونا. لنرى أن لديه خطة، وطريقًا مرسومًا. ويمكن أن يخرج خيرًا من الظروف المعاكسة، فقط إن سلمنا بسلطانه على الأحداث.
الضيقات ليست بسهلة. والله يعرف محاولاتك، وهو يعرف نقاط حياتنا التي تحتاج إلى دروس إضافية. إنه يريد أن يطبع شخصيته على حياتنا. ما هي دائرة حياتك التي تحس بحاجتها إلى إصلاح أو ضبط؟ هل تستطيع تربط بين ضيقاتك الحالية، وبين هذه الدائرة؟ هل تستطيع أن تبصر أن الله هو بالفعل العامل معك؟ هل بمقدورك أن ترى تخطيطه؟ وإذا بدت الضيقة عميقة جدًا لا تدرك الآن، سيفتح الرب ذهنك مستقبلاً، إن لم يكن هنا على الأرض، فيقينًا، في المجد.
صلاة من أجل ”هذِهِ السَّاعَةِ“:
إذا كان هناك غرض لهذِهِ السَّاعَةِ، فهناك صلاة أيضًا لهذِهِ السَّاعَةِ؛ صلاة لعل اسم الله يتمجد.
بيد أن ثمة دروسًا لنتعلَّمها هنا أيضًا. كان ربنا في خضوع تام للآب. كان غرضه أن يُسر قلب الآب. وقادته طاعته حتى إلى هذا الموت الشنيع، موت الصليب.
عندما تحيق بك الأنواء، وتبدو الأمور معاكسة، فهل ترفع نظرك إلى الله، وتطلب أن يتعظم اسمه؟ عادة، أول شيء نفعله هو الشكوى: ”لماذا أنا يا رب؟“.
ولكن ينبغي أن يكون السؤال: ”لماذا ليس أنا؟“. علينا أن نستعد لقبول الخير من يده، كما استعدادنا لقبول المقاومة. فإذا كنا قد أدركنا حقيقة أن للرب غرضًا من هذه التجارب، فحينئذ ستتبدل مواقفنا.
قد تليق بنا - في هذه الظروف - صلاة كتلك: ”يا رب، أنا فقط لا أعلم الأسباب وراء هذه الحوادث المحيطة بي. ولكنني أطلبك من أجل المعونة. ساعدني لكي أجتاز هذه الضيقة، واثقًا فيك. ساعدني لكيلا أتبنى موقفًا رديًا. أعني حتى أظهر للآخرين - بواسطة ردود أفعالي - أني ملكك. أشكرك لأن روحك القدوس يرغب أن يُنشئ صبرًا في حياتي. أعني لأتعلَّم الدروس التي قصدتها لي. فإذا كنا نسير واثقين فيه، ونتعلَّم الدروس المرجوة، ويرى المحيطون بنا ذلك؛ حينئذ يتمجد اسم الله.
علاوة على ذلك، يُسر الله بأبنائه الخاضعين له، المستريحين في عنايته.
قيل إن هناك نوعين من البشر: المتفائلون والذين يرون الأمل في المشاكل. والمتشائمون والذين يرون المشاكل رغم الأمل. دعونا نرى الله في صعوباتنا، وأن نقبل التحدي: إن ننمو في الضيق. يذخر لنا الله اختبارات ثمينة، لعلها توَّسع قلوبنا، وتشكل شخصياتنا المسيحية.
خلاصة الكلام: إن لله غرضًا إلهيًا لحياة كل منا. وإنه - تبارك اسمه - يستخدم أوقات الإحباط، عندما تسوء الظروف، ليزيد نمونا ونضجنا في الإيمان. وعندما نستجيب لمعاملاته، ونتجاوب معه بمواقف تتبنى الثقة فيه، وتقبل تدريباته؛ عندئذ نجلب المجد لاسمه.
جاري أ. وود