أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2018
أتركُضُ الخيلُ؟
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
 «هَلْ تَرْكُضُ الْخَيْلُ عَلَى الصَّخْرِ؟ أَوْ يُحْرَثُ عَلَيْهِ بِالْبَقَرِ؟

حَتَّى حَوَّلْتُمُ الْحَقَّ سِمًّا، وَثَمَرَ الْبِرِّ أَفْسَنْتِينًا؟» (عا٦: ١٢)

هل تركُضُ الخَيْلُ؟ يقينًا تركُضُ، وإن كانت الخيلُ لا تركُضُ، فمن ذا الذي يركُضُ إذًا؟ أيُحرَثُ بالبقرِ؟ أكيدًا يُحرثُ به، وإن كان ليس بالبقرِ، فبما يُحرثُ إذًا؟

هل تركضُ الخيلُ على الصخرِ، كلاَّ لا تركضُ، فالخيْلُ للركضِ، ولكنَّ الصخرُ ليس له، أيُحرثُ عليه بالبقرِ؟ مطلقًا لا، فالبقرُ للحرثِ، ولكنَّ الصخرُ ليس للحرثِ.

هذه الآية المذكورةُ أعلاه، مقتبسةٌ مِن نبوة عاموس، ولكي نفهمها جيدَ الفهم، سأُدلي بعبارةٍ، أشرحُها، بعدَها تكونُ الآيةُ سهلةَ الفهمِ، عميقةَ الجوهر: بدأ عاموس نبوَّتهُ مِن حيث اختتمها يوئيل، ثم انضم إليه إشعياء وهوشع ولحق بهما ميخا، إلى أن حانت ساعةُ الصفرِ. ترى ما معنى كلِّ ذلكَ؟

على مقربةٍ مِن خاتمةِ نبوةِ يوئيلَ نقرأُ: «جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ. اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ، وَالنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا. وَالرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ يُزَمْجِرُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ يُعْطِي صَوْتَهُ، فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ. وَلَكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ، وَحِصْنٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» (يؤ٣: ١٤-١٦). ولقد كتب يوئيل هذا بالوحي سنة ٨٣٠ ق م. وإذ بنا بدهشةٍ نقرأ، أن بعد ثمانين عامٍ، يفتتحُ عاموس نبوته سنة ٧٥٠ ق م: «إِنَّ الرَّبَّ يُزَمْجِرُ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَيُعْطِي صَوْتَهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ، فَتَنُوحُ مَرَاعِي الرُّعَاةِ وَيَيْبَسُ رَأْسُ الْكَرْمَلِ» (عا١: ٢)! ألم يكتفِ الله بنبيٍّ فيُرسِلُ الآخَرَ؟ ألم ينفُذُ صبرُ اللهِ، فبعدَ ثمانين عامٍ يُرسِلُ مَن يكرِّر ذات العِظةِ برُمتِها؟ ولكنني أستزيدُ دهشةً، عندما أعرِفُ أن بعد عاموس بقليلٍ، بعشرةِ سنين، يأتي هوشع سنة ٧٤٠ ق م، ومعه إشعياء في ذات السنةِ، فيبدأان نبوتهِما، فيُدلي الأوَّلُ: «لأَنِّي لأَفْرَايِمَ كَالأَسَدِ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَشِبْلِ الأَسَدِ. فَإِنِّي أَنَا أَفْتَرِسُ وَأَمْضِي وَآخُذُ وَلاَ مُنْقِذٌ» (هو٥: ١٤). ويستمر إشعياء بإنذاراتٍ لا حصرَ لها، وكلُّ أولئكَ الأتقياء كانوا يُحرِّضونَ الشعب على التوبةِ والرجوعِ للربِّ، وإلا فسيختبرونه كالأسدِ المزمجرِ، ثم المفترسِ لهم عن طريق السبيّ الأولِ، الذي كان وشيكًا أن يقع سنة ٧٢٢ ق. م. ثم خُتِمَتْ مجموعةُ الأنبياء الذين تكلَّموا عن السبيّ الأشوري بميخا النبيّ، الذي تنبا سنة ٧٣٠ ق. م. والذي يُسمَّى نبيّ الصفر، لأنه آخِرُ مَن تنبأ قبل وقوع الحادثةِ. فنقرأ: «فَإِنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ وَيَنْزِلُ وَيَمْشِي عَلَى شَوَامِخِ الأَرْضِ، فَتَذُوبُ الْجِبَالُ تَحْتَهُ، وَتَنْشَقُّ الْوِدْيَانُ كَالشَّمْعِ قُدَّامَ النَّارِ. كَالْمَاءِ الْمُنْصَبِّ فِي مُنْحَدَرٍ. كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ إِثْمِ يَعْقُوبَ، وَمِنْ أَجْلِ خَطِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ» (مي١: ٣-٥).

قد يشكو شعبُ الربِّ تارةً نُدرة المعلمين، وتارةً نُدرة التعليم، وأمانةُ الله قادرةٌ أن تُجزِلَ لنا هذا وذاك، فهناك وعدٌ جميل «لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ، بَعْدُ بَلْ تَرَى عَيْنَاكَ مُعَلِّمِيكَ». فها المعلِّمون، ثم نقرأ اكتمالَ جزالةِ الوعد: ««وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ. اسْلُكُوا فِيهَا»؛ وها التعليمُ والتحريض (إش٣٠: ٢٠، ٢١). ولكن قد نَتَعرَّض يا قارئي، لأزمةٍ خطيرةٍ، لا لغيابِ المُعلِّم ولا التعليم، ولكن لعصيان القلوبِ وعدم طاعتِها! فها خيولٌ زوَّدها الله بكلِّ إمكانياتِ الركض والجهاد، وها أنبياءٌ زوَّدَتهُم السماءُ بكلِّ عباراتِ بل وأسفارِ المُنذِرات، وكثيرًا حاولوا حرثَ الأرضَ، أقصِدُ القلوب مُتخطِّين كلِّ المعرقلاتِ والنفقات، ولكن ماذا عن قلوبٍ أصرَّت بل ودامَ لامبالاتها والعناد؟

وأخيرًا، تركضُ الخيلُ، وتحرثُ البقرُ، ولكن إن كانت القلوبُ عاصيةً، لا يمكن أن يتَّسِق ركضُ الخيل وحرثُ البقر مع الصخر، فإذ بنا ننذعِرُ أن جمالَ الحقِّ، أُبرِزَ وكأنهُ سمٌ، وثمرَ البرِّ وكأنهُ أفسنتينٌ.

هيا اطيعوا حسنًا هذا المُعلما فتعرِفوا شيئًا هنا من فرحِ السما

بطرس نبيل