أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2014
دراسه في سفر النشيد - قراءة من بين السطور
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
تطبيق سفر النشيد على تاريخ الأمة

من البداية حتى النهاية

الحقبة الزمنية الرابعة (تابع):

فترة الضيقة العظيمة (ص5: 2 - 6: 12)

في هذه الدراسة نحن نطبق أقوال سفر النشيد الجميلة على تاريخ الأمة الإسرائيلية من بدايته وحتى نهايته. هذا السفر الذي ينقسم إلى ستة أقسام، الأقسام الثلاثة الأولى تُحَدِّثنا عن ثلاث حقب مرت من تاريخ هذا الشعب، بينما أقسام السفر الثلاثة الأخيرة تحدثنا عما سيحدث لهذه الأمة في المستقبل.

نحن في دراستنا المسلسلة لهذا السفر، ما زلنا في القسم الرابع، الذي يحدثنا – كما رأينا فيما سبق - عن فترة الضيقة العظيمة، والتي ستنتهي بظهور المسيح للبقية التقية من هذا الشعب. وكنا قد رأينا في المرة السابقة كيف سمح الملك للعروس أن تجتاز في اختبار فريد ومذل، يعطينا بصورة شعرية وصفًا لما سيحدث لهذه البقية التقية خلال فترة الضيقة العظيمة (المسماة “ضيقة يعقوب”)، وذلك بعد اختطاف الكنيسة. ولكن ما أروع ما سينتج من هذه الضيقة! رأينا في المرة السابقة كيف أن أروع وصف للعريس قالته العروس بعد اختبارها المذل والصعب هذا. فتلك الأمة التي لم تر في المسيح في مجيئه الأول، لا صورة ولا جمال ولا منظر فتشتهيه، ستقول عنه عند ظهوره، بقلب يفيض بكلام صالح: «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مز45: 2)!

نواصل الآن دراستنا في الأعداد السبعة الأولى من الأصحاح السادس، حيث نقرأ:

أَيْنَ ذَهَبَ حَبِيبُكِ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ؟ أَيْنَ تَوَجَّهَ حَبِيبُكِ فَنَطْلُبَهُ مَعَكِ؟

العروس:

حَبِيبِي نَزَلَ إِلَى جَنَّتِهِ، إِلَى خَمَائِلِ الطِّيبِ، لِيَرْعَى فِي الْجَنَّاتِ، وَيَجْمَعَ السَّوْسَنَ. أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ.

العريس:

أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي كَتِرْصَةَ، حَسَنَةٌ كَأُورُشَلِيمَ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ. حَوِّلِي عَنِّي عَيْنَيْكِ فَإِنَّهُمَا قَدْ غَلَبَتَانِي. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ الْمَعْزِ الرَّابِضِ فِي جِلْعَادَ. أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ نِعَاجٍ صَادِرةٍ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ وَلَيْسَ فِيهَا عَقِيمٌ. كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ خَدُّكِ تَحْتَ نَقَابِكِ.

ونحن نجد في هذه الأقوال المزيد من النتائج المباركة لتلك الضيقة العظمى:

1- سينتج نضج ونمو في المعرفة

نلاحظ أن معرفة المحبوبة لحبيبها نمت في هذا الجزء. فمع أنها وصفت حبيبها وصفًا رائعًا (5: 10-16)، ولكنها لم تكن تعرف أين هو، ولذلك فقد حلَّفت بنات أورشليم قائلة لهن: «إن وجدتن حبيبي أن تخبرنه بأني مريضة حبًا» (5: 8). لكنها بعد ذلك عرفت مكانه، ولما سُئِلت عن مكان الحبيب أجابت قائلة: «حبيبي نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب، ليرعى في الجنات ويجمع السوسن» (6: 1، 2). وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن المعرفة ستزداد للبقية، كما يؤكد ذلك دانيآل في نبوته (انظر 12: 4). أليسوا هم الفاهمين بحسب لغة النبي دانيآل (11: 33، 35؛ 12: 10)؛ وأيضًا بحسب كلام المسيح عنهم في متى 24: 15؛ وكلام يوحنا الرائي عنهم في رؤيا 13: 18؟

ثم إن المعرفة ستزداد تدريجيًا، ونرى ذلك مثلاً في علاقة راعوث ببوعز (انظر سفر راعوث). وهو أيضًا ما نسمعه من البقية بحسب نبوة هوشع: «لنعرف فلنتتبع، لنعرف الرب. خروجه يقين كالفجر، يأتي إلينا كمطر، كمطر متأخر يسقي الأرض» (هو6: 3). وهؤلاء هم الصديقون الذين سبيلهم كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل (أم 4: 18). وما النهار الكامل، أو كمال المعرفة عنه، إلا ظهوره بالمجد والقوة، فينظرون إليه وينوحون عليه.

2- عندما يظهر المسيح، سيتم جمع البقية التقية، التي تشتت من الأرض بسبب اضطهاد النبي الكذاب لها، فتقول العروس هنا عن حبيبها: «حبيبي نزل إلى جنته ... لـ... يجمع السوسن» (ع 2). وهو يذكرنا بما سيحدث عندما ينزل الرب من السماء في الظهور، كما سبقت الإشارة، حيث نقرأ في متى 24 أنه سوف يُرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت “فيجمع مختاريه من أربع رياح الأرض، من أقصاء السماوات إلى أقصائها”. ومختاروه هؤلاء هم السوسن الرقيق، ودعاء الأرض، الذين سوف يتشتتون في خلال الضيقة العظيمة، هربًا من بطش النبي الكذاب، وسيتم وقتها القول: «اجمعوا إليَّ أتقيائي القاطعين عهدي على ذبيحة» (مز50: 5).

وصف العروس مرة ثانية

ثم يصف العريس محبوبته. وهي المرة الثانية التي فيها يصف العريس عروسه، وبقي مرة ثالثة فيها ستوصف العروس من العذارى، وذلك في الأصحاح السابع. وفي هذا الوصف الوارد هنا نلاحظ ما يلي:

1- وضع النقاب هذه المرة:

عندما يصف العريس محبوبته في هذا القسم لا يشير إلى النقاب بالارتباط بالعينين، كما أشار إليه في المرة السابقة (4: 1). ومدلول ذلك نراه في قول إشعياء النبي، عما سيحدث عند مجيء الرب ثانية بالقوة والمجد الكثير، حيث يقول: «يزول النقاب عن الوجوه» (إش25: 7). كما سيتم أيضًا كلام الرسول بولس أنه عندما يرجع إسرائيل إلى الرب، سَيُرْفَع البرقع الموضوع الآن على قلبهم (2كو3: 14-16). نعم، سيعرف إسرائيل الرب، بل إن الجميع سيعرفون الرب من صغيرهم إلى كبيرهم (إر31: 34). وسوف ينظرون إلى المسيح، ذاك الذي ستراه كل عين (رؤ1: 7؛ زك12: 10). ولو أننا سنقرأ عن النقاب ولكنه مرتبط بالخد، لا العينين (ع 7). وهذا يذكرنا برفقة وما فعلته عندما رأت إسحاق عريسها وعرفته، إذ تغطت بالبرقع (تك24: 65)، ليكون جمالها وقفًا على إسحاق لا سواه.

2- وصف العينين:

إن كان الوحي لا يربط النقاب هذه المرة بعيني المحبوبة، فإن العريس يصف عينيها هنا بأنهما غالبتان. في يوم ارتدادهم يذكر إرميا في مراثيه تلك العبارة المليئة بالشجن: «كلت أعيننا من النظر إلى عوننا الباطل» (مرا 4: 17). أما الآن فإنهم سيرفعون عيونهم، لا إلى العون الباطل، ولا إلى الجبال، بل إلى الرب صانع السماوات والأرض. سيقولون له: «ليتك تشق السماوات وتنزل!»، ثم يستطردون قائلين: «لم تر عين إلهًا غيرك يصنع لمن ينتظره» (إش64: 1، 4). وهكذا ستكون عيونهم عيونًا غالبة!

وقد نرى في العيون الغالبة عيونًا ممتلئة بالدموع، تُذَكِّرنا بعيني يعقوب الباكيتين. فذاك الذي عاش كل تاريخه الطويل باعتباره: “يعقوب” المتعقب والمحتال، ظهر له - في نهاية ليلِهِ - إنسان، وأراد أن يخلصه من مكره ودهائه، فنقرأ «صارعه إنسان حتى طلوع الفجر» (تك32: 24). وبعد أن طلع الفجر خلع هذا الزائر العجيب حق فخذ يعقوب فصار أعرج، وهنا عرف يعقوب أن مصارعه هذا لم يكن سوى الرب في صورة بشرية. لذا فعندما هَمَّ هذا المصارع بأن يمشي، بكى يعقوب واسترحمه، طالبًا البركة من الرب (تك32: 25-29). وبهذا الأسلوب غلب يعقوب! (هو12: 4).

وهذا الأمر نجده يتكرر مع العروس هنا، صورة لما سيحدث مع البقية في الظهور، فعندما تشعر البقية بأنها لا تستحق أي شيء، وبعيون دامعة ونفوس نائحة (زك12: 10-12) ترجو مراحم الرب، ولا شيء سوى المراحم، فإنهم بهذا الأسلوب فقط، الأسلوب الذي لا يمكن للرب أن يحتقره، سيغلبون؛ فحقًا إن ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره (مز51: 17)؛ وأيضًا «إلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إش 66: 2)؛ وأيضًا «بك يُرحم اليتيم» (هو 14: 3).

3- وصف أسنانهم:

شيء ثالث نجده في وصف الرب لتلك المحبوبة (البقية الأمينة) هنا. لقد سبق أن وصف أسنانهم في المرة السابقة بأنها «مثل قطيع الجزائز»، أما الآن فيصفها بأنها مثل قطيع نعاج. وهذا معناه أنهم تعمقوا أكثر في تعلم درس الإحساس بالضعف، وتعمقوا في الوداعة، الأمر الذي نراه هنا في “قطيع النعاج”. ولا غرابة فإن عريسهم السامي المجيد في يوم اتضاعه، قيل عنه «كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه» (إش53: 7). وهم سيتبعون الخروف أينما يذهب (رؤ14: 4). وستختبر تلك الأمة أن الرب قريب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح (مز34: 18).

(يتبع)
يوسف رياض