أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2020
التدخل الإلهي وروعته
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

علي مر العصور لم تسلم الأرض من الكوارث والمحن، سواء كانت طبيعية أم قضاءً إلهيًا، لكن في كل المرات كان الرب يتدخل، من أجل اسمه، ولصالح أتقيائه.

وفي رحلة الرسول بولس الأخيرة لروما، المُدوَّنة في أعمال ٢٧، والتي ذهب فيها كأسير للمحاكمة، وكان معه «فِي السَّفِينَةِ جَمِيعُ الأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ» (أع ٢٧: ٣٧)، نستطيع أن نري جليًا هذين الأمرين: الكارثة التي حلّت بالسفينة، وأيضًا التدخل الإلهي العجيب. 

أسباب المخاطر

وصلت سفينة الأسرى إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «الموانئ الْحَسَنَةُ»، وهناك أنذرهم الرسول بولس قائلاً: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هذَا السَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَالسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضًا» (ع ١٠)، وطلب منهم أن لا يقلعوا من كريت، «وَلَكِنْ كَانَ قَائِدُ الْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ السَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ» (ع ١١).  وهنا يكمن سر الخطر، بل والضياع أيضًا: احتقار الصوت الإلهي المُمثَّل في رجل الله بولس، وتفضيل رأي البشر عليه.  فالكتاب يقرر: «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِد» (أم٣: ٥)، ذلك لأن البشر وقت الأزمات «يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ» (مز ١٠٧: ٢٧).

وهذا ما حدث بالفعل!  فلقد هاجت عليهم ريح زوبعية.  وما أصعب هذا التقرير الخطير عن الرحلة «اشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، انْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا» (ع ٢٠)!

وهناك تشابه كبير بين هذه الرحلة وحالتنا في هذه الأيام!  لقد احتقر الكثيرون اليوم ما يقوله الكِتَاب، وفضَّلوا رأي العالم والعالميين عن الله، وعندما هاجت الكورونا علينا، لم ينفع المسافرين في الجائحة، لا رأي الملاحين ولا قائد المئة!  وفقد الكثيرون الرجاء في الحياة، بل وفقد البعض حياتهم أيضًا!

روعة التدخل الإلهي

وعلى غير توقّع من الجميع مطلقًا، عمل الرب عجبًا ومعروفًا لهم!  فبعد أربعة عشر يومًا مظلمة «وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا».  لم يذكر الوحي أنهم صلوا، أو طلبوا وجه الرب، رغم قنوطهم ويأسهم العميق! 

 ثم جاءت مفاجأة الله السارة؛ أرسل الرب إليهم رسالة مطمئنة من خلال عبده الرسول بولس المسافر معهم.  ولماذا بولس بالذات؟  الإجابة أن الرب يستخدم مؤمنًا مكرسًا للرب تمامًا، وعابدًا له بحق، ليكون بركة للمسافرين معه.

قال لهم بولس موبخًا «كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ فَتَسْلَمُوا مِنْ هَذَا الضَّرَرِ وَالْخَسَارَةِ» (ع ٢١).  وما أحوجنا إلى هذا التوبيخ اليوم، فكم من المرات لم نُذعِن لما قاله لنا الرب، فجاءت علينا الكثير من المتاعب: «لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ الْبَحْر» (إش ٤٨: ١٨).  ولم يكن الغرض من هذا التوبيخ إلا ليشعروا، ونحن معهم، بالخطأ والتوبة عنه «اذكر مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ» (رؤ ٢: ٥). 

وبعد التوبيخ يأتي التشجيع، فلقد قدَّم الرب من خلال بولس ثلاثة وعود مطمئنة ومشجعه: «لاَ تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ.  وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ» (أع ٢٧: ٢٤). 

الوعد الأول يحوي كل الأمان «لاَ تَخَفْ»، والثاني ضمان الوصول «يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ»، والثالث هو سلامة الجميع «وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ». 

من يستطيع أن يُقدِّم هذه البركات والضمانات، لمساكين مُضطربين وخائفين، ليس فقط لهؤلاء المُسافرين الأسري قديمًا، بل ولنا اليوم، ولكل بقاع الأرض المضطربة الخائفة؟  إنه الرب يسوع وحده الذي دُفع إليه كل سلطان، والذي يجلس الآن فوق كل رياسة وسلطان، بل وفيه يقوم الكل. 

ورغم اضطراب البحر الذي لم يهدأ، وسواد الجو الحالك حولهم وقتئذ، أعلن الرسول بولس ثقته في الله قائلًا: «لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِي» (ع ٢٥). 

إن الرب يريد أن يستخدمنا ليصل بأقواله لقلوب إخوتنا، لكن هل نثق نحن في الرب القائل، وفي ما يقول؟

لقد تكسرت السفينة، كما قال الرب تمامًا، ألم يقل: «لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلاَّ السَّفِينَةَ»، فلا بد وأن تنهار هيئة هذا العالم الدينية والسياسية والاقتصادية، بل وهي من الآن تزول.  ولا بد للرب أن يحقق وعده بالحفظ والحماية لمن هم له، «أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ» (١بط ١: ٥). 

ما أروع ما تُختم به هذه القصة: «فَهَكَذَا حَدَثَ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى الْبَرِّ» (ع ٤٤).  نعم فالذي وعد هو أمين.

إن كلمة الله تُعلن - عبر العصور - أمانة الله العظيمة، والتي تجعله يتدخل - وبطرق شتى - في أحداث الأرض، لمجده ولخير قطيعه، وعبر كل رحلتهم الطويلة، يُنجي ويُنقذ، ويعمل أمورًا مُدهشه. 

لذا دعونا نتضع أمام الرب، ونتوب عن كل أمر فضَّلناه على شخصه الكريم أو على كلمته، ولننتظر بسكوت واثقين وهادئين تداخله العجيب القريب، فخروجه يقين كالفجر. 

له كل المجد.

فِي انْتِظَارِ نُورِكَ يَجْلُو غُيُومِي
فِي انْتِظَارِ حُبِّكَ يَمْحُو هُمُومِي
فِي انْتِظَارِ وَجْهِكَ الْحُلْوِ الْكَرِيمِ
فِي انْتِظَارِكَ أَبِي

إيليا كيرلس