أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2018
لآلئ النعمة السبع
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

إن المؤمن طيلة مسيرة الإيمان، هدفه الأول هو أن يُثمر إيمانه فضائل؛ أي أن يُزين الإيمان بفضائل السماء والكمالات الإلهية، كالمَوَدَّة. كما أن للمحبة جانبًا نورانيًا لا ينفصل عنها، فبالمحبة المتضعة أعالج أخي الضعيف الذي مات المسيح لأجله. وكما أخذنا الإيمان مجانًا، ولكن ليس دون توبة، فأثمار الإيمان من الفضائل الإلهية، مجانية، ولكن ليس دون جهاد واجتهاد. إن الإيمان الحقيقي على التوبة مؤسس، وبالكمالات الإلهية مزين.

(١) «قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً»: الفضيلة قوة أدبية لها جمال أخاذ في عيني الإيمان؛ ففضيلة الشيء زينته. فالفضيلة هي: (١) الشجاعة الأدبية التي تفصل النفس عن العالم، والمُنحازة للإيمان، ولِصف الله؛ والمنتصرة على كل الصعوبات الخارجية، في طريق الفضائل. (٢) الفضيلة لا تعمل ضد العالم الخارجي فحسب، لكنها قوة داخلية، تحكم القلب، فتمنع أي عمل وكل عمل للطبيعة العتيقة. (٣) وقوة الفضيلة لا تحمينا من الخارج والداخل فقط، لكنها القاعدة والقوة الأدبية المنتجة لكل فضائل الإيمان، والجاعلة الإيمان الحقيقي مثمرًا، مُجملة إياه، شاهدة لحقيقة هذا الإيمان وصدقه، وألوهية مصدره.

(٢) «وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً»: وإذ توجد الفضيلة، فمن المجيد أن نضيف إليها المعرفة. والمعرفة هنا هي معرفة الله والرب يسوع معرفة قلبية، من خلال حياة المكتوب: (١) المعرفة تمنحنا الحكمة والفهم لنستمر في سلوكنا الجديد الرافض للشهوة، والمتمسك بالفضيلة. (٢) وهذه الشركة الحية اليومية مع الله، وكتاب الله، تمنحنا كل الطاقة الإيجابية اللازمة لكل الفضائل. كلما أعرف الله أكثر، كلما توفر لدي طاقة إلهية أكثر للفضائل. (٣) والمعرفة تحتاج لقراءة وصبْر وفِهْم وجهاد لنحياها. فمن خلال الشـركة والمكتوب ستُعرفني النعمة، منهج المقدسات وترتيبه لي في المشيئة الإلهية. (٤) والمعرفة تُصْقِل الفضائل وتُزيدها جمالاً، فهي الوقود المُغذي للفضيلة.

(٣) «وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا»: التعفْف هو ضبط النَفس. وعدم ضبط النفس هو أخطر ما يهدد القديس الراغب الفضيلة. وإن كانت المعرفة بالله وبالمكتوب، تهبنا الطاقة الإيجابية اللازمة للفضائل، فأي تحرك للجسد، أو عدم ضبط النفس، هو الطاقة السلبية الممتصة لكل ما هو إيجابي. فالجسد هو يهوذا الخائن بداخلنا، وإن لم نلجمه دائمًا، يغدر بنا غدرًا. فالتَعفْف أمر حتمي لحياة الفضيلة «اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أم١٦: ٣٢). وبدونه لا حياة للفضيلة يومًا واحدًا. وضابط نفسه هو مَن زمام قيادة حياته في يد إرادته الجديدة، الخاضعة للروح القدس.

(٤) «وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا»: التْعفْف فضيلة داخلية، عادة ما تُنشـئ صَبْرًا خارجيًا. فعندما نعتاد على التعفف، نحتمل الآخرين بصبر. كما نتحمل، كل ما ينبغي أن نجتازه من ظروف، حسب مشيئة الله. فالقلب، أو قل: حياتنا الروحية، لديها من الطاقة الروحية الكثير؛ فهي تتمتع بغرضها الصحيح في الشـركة مع الله. ولا تسلب طاقاتها الروحية، في أي شيء سلبي؛ فالتعفف ضابط لكل هذا. والصبر المجيد، لا يتوقف على ما حولنا، أو من حولنا.

(٥) «وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى»: التَقْوَى هي مخافة الله في القلب، وهي نتاج عمل روح الله فينا. وهي أيضًا ظهور الحياة الإلهية من خلال الجسد، فسر التقوى: الله ظهر في الجسد (١تي٣: ١٦). إنها نتاج الوجود الدائم في مـحضر الله، أو الإحساس العميق بأن الأرض التي أنا واقف عليها دائمًا أرض مقدسة (خر٣: ٥)، بحضوره. حياة التقوى ترى الله بالإيمان، وتحس بعينيه علينا تراقبنا دائمًا.

(٦) «في التقوى مَوَدَّةِ أخَوِيَّة»: الْمَوَدَّة هي المعاملات الودودة واللطيفة بين أفراد عائلة الله. فإذ نجد أخًا فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ من إخوته، باكِياً لبكائهم، رجلاً معهم في ظروفهم، هذه هى المودة. والقلب النقي، المتمتع بالشركة مع الله، تنساب منه عواطف المودة بحرية وتلقائية وفيضان نحو أولئك المحبوبين من الله، من لهم الطبيعة الإلهية. والطبيعة الإلهية في أخي تنجذب نحو هذه العواطف. وتبادلها عواطف مودة حقيقية، وهكذا تنشأ المودة بين القديسين.

(٧) «وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً»: بدأت سلسلة الفضائل الإلهية بالإيمان، وانتهت بالمحبة. فالمحبة نِتاج كمال الاجتهاد في مدرسة النعمة. والقديس المُحبّ لا تفرغ خِزَانته من الفضائل الإلهية. المحبة هي عَلم التلمذة الإلهية «بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ» (يو١٣: ٣٥)، وهي صورة الله على وجه المولود من الله. إنها رائحة المسيح الذكية. المَحَبَّة مصدرها إلهي خالص. وبالمحبة أتحد مع الله في طبيعته المُحبة (١يو٤: ٨، ١٦). وثمة فارق كبير بين المودة الأخوية والمحبة. فالمحبة للبـشرية كلها وليس للقديسين فحسب. وهي لا تتوقف على ردود أفعال الطرف الآخر كالمودة. كما أن للمحبة جانبًا نورانيًا لا ينفصل عنها، فبالمحبة المتضعة أعالج أخي الضعيف الذي مات المسيح لأجله.

أشرف يوسف