أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2018
مخافة الرب
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

مخافة الرب ... ماذا تعني؟

إن “مخافة الرب” تعني التوقير العميقً لله، الذي يقود إلى كراهية الشر، وممارسة طاعة تامة لشخصه. وهي نتيجة لتقدير عظمته، لكونه كلي القدرة وكلي العلم، وكذلك لمحبته التي تفوق الإدراك البشري.

إنها ليست الرعب منه وتمني الاختباء عنه، كآدم حينما عصاه في جنة عدن. هذا النوع من الخوف له عذاب، وهو ما دفع آدم إلى محاولة التواري من الله، لذا عندما ناداه الرب الإله قال له: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تك٣: ١٠). هناك خوف، أو بالحري رعب، يجعل الإنسان يريد أن يختبئ من الله، مُتمنيًا ألا يراه الله. هذا الخوف سيدفع الناس في يوم آتٍ لأن يقولوا للجبال والصخور: «اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ» (رؤ٦: ١٦).

إن مخافة الرب دائمًا ما تكون مصحوبة بمحبة للرب؛ محبة تجعل الطاعة بهجة، وليست عبئًا. هذه المحبة تطرد النوع الخاطئ من الخوف (١يو٤: ١٨).

بركات موعودة لمخافة الرب

لمخافة الرب نتائج عديدة ثمينة للمؤمن. سنتطرق إلى بعض منها.

(١) الحكمة: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ» (مز١١١: ١٠)، «وَقَالَ لِلإِنْسَانِ: هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ» (أي٢٨: ٢٨).

(٢) الأمان والكنز: «فَيَكُونُ أَمَانُ أَوْقَاتِكَ وَفْرَةَ خَلاَصٍ وَحِكْمَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ كَنْزُهُ» (إش٣٣: ٦).

(٣) المعرفة الحميمة: «سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ» (مز٢٥: ١٤). تأمل في يوسف ودانيال كمثالين.

(٤) الثقة والحماية: «فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ» (أم١٤: ٢٦).

(٥) رحمة من الرب: «أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ» (مز١٠٣: ١٧).

تأثير مخافة الرب على الحياة اليومية

إن مخافة الرب تؤثر على سلوكنا في كل مناحي الحياة. مثلًا، ستجعلنا نقول الحقيقة دون إضافة، أو مبالغة أو تعديل. ستمنعنا من قول أي شيء - أو مجرد الإشارة - لما يمس سمعة آخر، قد يكون جرح مشاعرنا. إن مخافة الرب تُحررنا من الخوف من الإنسان، وتحررنا الأنانية والكبرياء وسوء السلوك ... وتستمر القائمة طويلًة.

ثلاثة أمثلة مُميَّزة

أولاً: إبراهيم أبو المؤمنين: نقرأ أولاً إنه «بالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ» (عب١١: ٨-١٠). ثم بعد ذلك، اجتاز إبراهيم في تجربة قاسيه لإيمانه، عندما دعاه الله وقال له، «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ» (تك٢٢: ٢). فذهب إبراهيم كما قيل له. وبنى مذبحًا ورتب الحطب، قبل أن يربط إسحق ابنه إلى المذبح على الحطب «ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ! فَقَالَ: هَأَنَذَا. فَقَالَ: لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي» (ع١٠-١٢). لقد علم إبراهيم أن الطاعة لله هي الطريق الأكثر أمنًا وبركة؛ هذه هي مخافة الله. ولأنه كان قويًا في الإيمان، علم أن الرب سيُتمّم وعده «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ» (تك٢١: ١٢).

ثانيًا: يوسف: برهن على مخافته للرب عندما كان عبدًا في بيت سَيِّده، وأيضًا عندما أصبح حاكمًا مؤثرًا في مصر. في الحالة الأولى أعطته مخافة الرب النصرة على تجربة زوجة سَيِّده له، التي حاولت أن تغريه ليزني معها. فكان جوابه «كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تك٣٩: ٧-٩).

بعد ذلك، عندما صار حاكمًا في مصر وجاء إخوته، ماعدا بنيامين، ليشتروا قمحًا، ولم يعرفوه، لكنه هو عرفهم. وفي دفاعهم عن الاتهام الموَّجه إليهم باعتبارهم جواسيس، ذكروا أن لديهم أخ أصغر في البيت. فيوسف الذي كان قلبه مشتاقًا لأن يرى أخاه بنيامين، قال لهم إنه لن يُصَدِّقهم إلا إذا أتوا بأخيهم الأصغر. فقرر أن يعود واحد منهم بالقمح الذي اشتروه ويأتي بأخيهم الأصغر، بينما يبقى العشرة الآخرون في السجن إلى أن يؤتى بأخيهم الأصغر إلى مصر، وإلا اعتبروا جواسيس «فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: افْعَلُوا هَذَا وَاحْيُوا. أَنَا خَائِفُ اللهِ» (تك٤٢: ١٦-١٨). فلأنه خائف الله، قرر أن يُبقي على أحدهم في السجن، بينما يرد العشرة إلى البيت، ليُحضروا أخاهم الصغير إليه (ع١٩). فمخافة الرب حرَّرته من أن يكون قاسيًا حتى مع أولئك الذين لم يظهروا له أية رحمة.

ثالثًا: نحميا (نح٥: ١٤-١٩): كان امتياز نحميا من قِبَل سلطة الإمبراطور الفارسي أن يكون له مكافآت مادية، تدعى “خُبْزَ الْوَالِي”، بالإضافة إلى “أَرْبَعِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ”، كالحكام السابقين. لكن نحميا لم ينتفع بذلك «مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللَّهِ» (ع١٥). فمخافة الرب تقينا من محبة المال، وتجعلنا أكثر حساسية لاحتياجات الآخرين.

إن كلاً من إبراهيم ويوسف ونحميا، وعدد لا يحصى من أولاد الله، برهنوا على حقيقة أن الطريق الأكثر أمنًا، والأكثر بركة هو مخافة الرب! «هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ» (مز١١٢: ١).


أنيس بهنام