أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
نوافذ على الفردوس ديفيد جودنج أي رجاء يُمكن أن يُقدّمه الرب يسوع المسيح لأُناس شوَّهتهم الحياة، أو رفضهم المجتمع؟ هل في إنجيله أجوبة عن أسئلة بشأن الوجود والموت والحياة الآتية؟ يقول إن له الحق في الحُكم، ولكن أي نوع من الملوك هو؟ وما الفرق الذي تُحدثه مملكته في العالم الآن؟ يُقدِّم لوقا في إنجيله مشاهد من حياة غير مُنصفة، مُظهرًا المسيح كالبطل الذي يَهُبّ إلى نجدة المنبوذين والمظلومين، الذي جاء ليطلب المُحتاجين المعوزين ويستردهم، ويجعلهم له إلى الأبد. يقول لوقا إن الأسئلة بشأن الوجود والموت والحياة الآتية، تجد إجابتها في المسيح، ويُوضِّح أنه وجد في المسيح الشخص الجدير بإدارة حياته ومصيره. من خلال جمع العتيد من هذه المشاهد معًا، يُقدِّم ”ديفيد جودنج“ نظرة عامة على المحاور الرئيسية في إنجيل لوقا، كل قصة في حد ذاتها، تُظهر أن إنجيل المسيح لا يتجاهل حقائق الواقع الصعبة. والنظر للمشاهد مُجتمعة، يُظهِر أن الفردوس الذي تحدَّث عنه المسيح حقيقي أكثر مما نتخيل، وأن الذي وعدنا بالحياة والراحة هو أمين فوق كل ما يُمكننا أن نرجوه. والكتاب في ١٨١ صفحة ومتوافر في مكتبة الإخوة نشجعك على اقتنائه ودراسته
 
 
عدد نوفمبر السنة 2023
حث وتشجيع وتحفيز الابن الروحي على حياة الأمانة والخدمة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

ذكرنا فيما سبق أن الرسول بولس يبدأ تحريضاته لتيموثاوس في أصحاح ١: ٦. لكن قبل التحريض يأتي التحفيز. والأعداد من١-٥ هي فقرة تحفيز رائعة لتيموثاوس. في الواقع هي رائعة لجميعنا. سنرى كم هي عملية. هنا نرى كيف يُمكنك أن تُحفّز ابنًا روحيًا. أنت تُتلمِذ أولادك، أنت تُتلِمذ أحدًا في الإيمان بالمسيح، أنت تُعلِّم أحدهم، أنت تقود أحدهم إلى النضج في يسوع المسيح؛ هنا نجد العناصر لتحفيزهم. هي لم تُذكر صراحةً هنا، بل ضمنيًا في النص الذي يقوله الرسول بولس، لكنها غنية جدًا، وأعتقد أنها مرئية بسهولة حتى أن مجرد المرور على الصفحة يعزز فهمنا لها.

❉ أولًا: إن كان لتيموثاوس أن يتجاوب، فلا بد أن يُحفّز. أليس كذلك؟ هذا هو المفترض. إن أول محفز هو السلطان: هناك إطار ربما تريد أن تتبعه لتحفيز أحدهم، ها هو أمامك. أول مُحفِّز هو السلطان. بكلمات أخرى، يقول بولس : إن كنت سأحفز تيموثاوس، عليه أن يعي أن لا خيار له، فأنا لي مرتبة فوقه، أنا لي نفوذ السلطة. لذا فهو يُقدِّم نفسه بهذه الطريقة في ع١، ٢:

«بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الاِبْنِ الْحَبِيبِ».

وها بعض نقاد الوحي أرادوا أن ينكروا سلطة بولس التي في الرسالة. لقد أرادوا أن يقولوا إن بولس لم يكتبها. ليس من سبب أن تقول هذا، إنه استثناء للبعض الذين ينتقدون الكتاب دون الإيمان به. هم يهاجمونه. وإحدى هذه الهجمات هي؛ إن كانت هذه الرسالة واحدة من الرسائل الحميمة من جندي حزين كسير القلب الآن في سجن تحت الأرض، إلى ابنه المحبوب الغالي في الإيمان، من يحبه من كل قلبه، لم يكن منتظرًا أن تُستهل رسالته بكل تلك المعلومات الاختصاصية عن رسولية بولس، لأن تيموثاوس لم يكن بحاجة إلى إثبات ذلك. كان تيموثاوس يعلم أن بولس كان رسولاً مُرسَلاً من الرب يسوع المسيح، آتيًا بمشيئة الله، ليعلن وعد الحياة الذي في المسيح يسوع. لقد علم كل هذا. ولذا إن كان هذا بالفعل هو الرسول بولس يكتب لتيموثاوس، قلب لقلب، رجل لرجل، موَّجِه مُحبّ لتلميذ مُحبّ، لما كتب مُلوّحًا برسوليته!

لكن تفكير كهذا يرينا حقًا ضحالة هذا النقد. إنها حقيقة بديهية مقررة في غاية البساطة وعليك إدراكها وتذكرها؛ الألفة لا تلغى السلطة. تفكر في هذا كأب. جرب أن تتعامل مع أولادك بحزم على أساس الصداقة لا السلطة. جربها عمليًا. جرب أن تتعامل مع موظفيك بحزم على أساس الصداقة لا السلطة. لا يمكن. الحميمية والصداقة والشركة ورباط المحبة، كل ذلك لا يلغى السلطة.

وبالتالي، قدَّم بولس نفسه بمقدِّمة لها ثقل. بولس - الاسم في اليونانية يعنى ”قليل“ أو ”صغير“ . واسمه العبري ”شاول“ يعني ”مسؤول“. يبدو أنه حمل الاسمين كل حياته، لما كان يهوديًا من سبط بنيامين، لكن مولودًا في ثقافة إغريقية أو يونانية، فحمل الاسمين. كان يدعى ”شاول“ - الاسم العبري - حتى أعمال ١٣: ٩، عندما أبحر في خدمته للأمم، ومنذ ذلك الحين سمى فقط بولس. وهكذا نحن عرفناه. لقد وصفه أحد الكتاب المسيحيين في القرن الأول كمتوسط البنية، مقوس الرجلين، أصلع الرأس ذو أنف طويل. ونحن نعلم من ٢ كورنثوس أنه لم يملك أي نوع من الحضور الأرضي الكاريزمي الذي يشغل الكثيرين. وفي الرسالة إلى فليمون المكتوبة ٥-٦ سنوات قبل ٢ تيموثاوس، يدعو نفسه: «بُولُسَ الشَّيْخِ»، مما يعنى أنه فوق ال ٦٠ عامًا فبهذا الوقت يكون في حوالي ٦٦ أو ٦٧ سنة من العمر. كانت حياته قاسية؛ حياة الترحال والحرمان والسجون والآلام المستمرة دون الراحة الطبيعية للمخلوق التي نعتبرها أساسية. لكنه فعل كل ذلك لأنه كان رجلًا تحت أوامر. وهو يقدم نفسه كهذا النوع من الرجال؛ «بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ». هذه هي حقيقة سلطته. لقد كان مدعوًا بيسوع المسيح ليكون رسولًا. إن كلمة ”رسول“ تعني ”مُرسَل“، ”سفير“، مُمَثِل“. لقد دعاه الرب يسوع بنفسه ليكون مُمثِّلَه. في أعمال ٩: ١٥ يقول الرب في حديثه مع حنانيا: «اذْهَبْ! لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». بكلمات أخرى، قال المسيح إنه ”إنائي المختار“. لقد رأى ٣ رؤى للمسيح: الأولى كانت في الطريق إلى دمشق. وفي كل مرة أدلى بشهادته - في أعمال٢٢ وأيضًا في أعمال٢٦ - كرَّر حقيقة أن الرب قال إنه إناء مختار، ليُمثِّل المسيح في نشر الإنجيل. فحقيقة سلطانه ينبع من كونه مرسل بالمسيح. لقد وقف مكان المسيح. وتكلم بكلمة المسيح. كانت هذه هي ”مَشِيئَةِ اللهِ“. لاحظ ع١ مرة أخرى «بِمَشِيئَةِ اللهِ». لقد كان رسول يسوع المسيح لأن هذه هي ”مَشِيئَةِ اللهِ“. لقد اختاره الله بسلطانه المطلق بالقصد والإرادة الخالصة لله. كانت رغبة الله أن يكون هو الإنسان المُرسَل بالمسيح.

إذًا فهو قد أتى بأوامر من إله الكون القدوس. لذا عندما يتكلَّم فهو لا يقترح، ولا يتماحك بالكلام لتيموثاوس فيقول: ”دعني أعطيك نصيحة ودية صغيرة، يا صديقي“. إن ما يفعله هو أنه يأمره. فيقول: ”أنا بولس، وحقيقة سلطاني هو أنى رسول يسوع المسيح، ووسيلة هذا السلطان هي مشيئة الله، وقصد هذا السلطان «لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ». ما معنى هذا؟ معناه أن رسالتي هي التبشير بوعد الحياة الأبدية التي تأتى في المسيح يسوع. «فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ» عبارة بولسية مفضلة، تعنى الوحدة معه، هذه الحقيقة الرائعة أن الخاطئ يصير واحدًا مع المسيح في موته وقيامته، وطيلة حياته. فيقول بولس أن قصد دعوتي أن أنشر الوعد العجيب بالحياة الأبدية الممنوحة في المسيح يسوع. قال الرب يسوع: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يو١٠: ١٠)، كما قال، «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يو١٤: ٦). «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو٣: ١٦). تكون له ماذا؟ ... ”الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ“. إنه إنجيل الحياة، الحياة الروحية، الحياة الأبدية. تقول كولوسي ٣: ٤ «الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا»؛ إني أحب هذا التعبير.

إذًا فالرسول بولس أتى مُرسَلًا بالمسيح، بمشيئة الله، مُكلَّفًا ببشارة إنجيل الحياة الأبدية في المسيح يسوع. إنه رجل تحت السلطان الإلهي. ثم في ع٢ يقول: «إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الاِبْنِ الْحَبِيبِ»: هنا الألفة، هنا المحبة، هنا الحميمية، هنا العلاقة القريبة الوثيقة، لكن كل هذا أبدً لا يحول دون السلطان. كأب يربى أولاده، فأنا أريدهم أن يعلموا أنى أحبهم، أريد أن تكون لي معهم علاقة حميمة، أريد أن تكون بيننا رابطة لا تنفصم عراها؛ أريدها أن تكون عميقة، ومنعشة، وغنية، ومتينة. لكنها أبدًا لا تلغي حقيقة كوني أبيهم، وأن الله أعطاني السلطان في حياتهم. يعتقد البعض أن هذان الأمران لا يتفقان معًا، لكنهما متفقان. يمكن أن يكون هناك رابطة روحية عميقة، محبة رجل لرجل مثل أب وابنه، بين بولس وتيموثاوس، لكن لا زال بولس هو من يتكلم بكلمة الله. وفي أي علاقة تلمذة، عندما تتكلم بكلمة الله، فأنت تذهب إلى حالة الأمر. هل تفهم ذلك؟ هذا جزء منها. هذه الرسالة محملة بالأوامر. أنا لم أعدّها جميعًا لكن هناك الكثير منها.

عل سبيل المثال، هذه بعض الأوامر التي في هذه الرسالة. هذه أوامر من بولس إلى تيموثاوس مباشرة: «أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ» (١: ٦)، «لاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ» (١: ٨): «تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي» (١: ١٣)، «اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا» (١: ١٤)، «تَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (٢: ١)، «مَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ» (٢: ٢)، «اشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ» (٢: ٣)، «اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ» (٢: ٨)، «فَكِّرْ بِهَذِهِ الأُمُورِ مُنَاشِداً قُدَّامَ الرَّبِّ» (٢: ١٤)، «اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكّىً» (٢: ١٥)، «الأَقْوَالُ الْبَاطِلَةُ الدَّنِسَةُ فَاجْتَنِبْهَا» (٢: ١٦)، «الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا» (٢: ٢٢)، «الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا» (٢: ٢٣)، «تَبِعْتَ تَعْلِيمِي» (٣: ١٠)، «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ ... وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (٤: ٢)، «اصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ» (٤: ٥). وهكذا تستمر الرسالة. كلها أوامر تفترض السلطة. لم يكف بولس عن ذلك. فله مكانة ومنزلة عندما يتكلَّم عن الله. لقد كان تحت أوامر من الله ليتكلَّم إلى تيموثاوس. عندما تكون في علاقة تلمذة، فأنت تحت أوامر مثل هذه من الله. وتتكلَّم بكلمته من مركز سلطة. كان إنسانا تحت أوامر. كان جنرالًا لله، ومن استمع إليه استمع إلى الله.

وأقول لكم – أحبائي - أن هذا ينطبق على عملية التلمذة في البيت، وفي أي مجال تُمارس فيه التلمذة. يُمكننا أن نصير أصدقاء، ويُمكننا أن نستمتع بالشركة، ويُمكننا أن نعمق المحبة، لكننا لا نجنب السلطة جانبًا. والسلطة لا تتأسس على قدراتنا الشخصية، أو مكانتنا البشرية، بل هي مؤسسة على حقيقة أننا نتكلَّم بكلمة الله.

وللحديث بقية.

جون ماك آرثر