أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أبريل السنة 2005
الساعات في الانجيل - دراسات في إنجيل يوحنا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

 ساعة الإحياء، وساعة الإقامة من الموت«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو5: 25-29)

 هذه الآيات قالها الرب يسوع للجموع في واحد من أعظم أحاديثه المسجلة في إنجيل يوحنا، والذي أعلن فيه بكل وضوح لاهوته ومعادلته للآب. وكان الرب قد قاله بعد أن شفى الرجل المقعد لمدة ثمانية وثلاثين عامًا في بركة بيت حسدا. وهذه الأقوال يشير فيها الرب إلى ساعتين: ساعة الإحياء، ثم ساعة قيامة الأموات من القبور. وهناك ثمة ارتباط بين هاتين الساعتين، ولو أنه يوجد بينهما أيضًا اختلافات هامة كما سيتضح لنا الآن. وكنا قد تحدثنا في العدد السابق عن ساعة إحياء الأموات، ونتحدث في هذا العدد عن الساعة الثانية وهي:

 ساعة قيامة الأموات: عن هذه الساعة يقول المسيح:

 «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ».

 بالنسبة لهذه الساعة، ساعة إقامة الذين في القبور، نلاحظ فيها ثلاثة اختلافات عن الساعة السابقة، ساعة الإحياء.

 فأولاً: لم يقل عنها المسيح ”وهي الآن“، ولو أنها لا بد أن تتم في حينها،

 وثانيًا: الصوت الذي سيُسمع فيها ليس هو صوت ”ابن الله“، بل صوت ”ابن الإنسان“،

 وثالثًا: ليس مجرد فريق محدود هم من يتجاوبون مع هذا الصوت ، بل جميع الذين في القبور. إذًا ففي هذه الساعة الثانية التي لم تأتِ بعد، ليس فقط من يسمع يقوم، بل فيها سيسمع جميع الذين في القبور صوت ابن الإنسان، فيخرجون من قبورهم.

 ونلاحظ أن المسيح لم يقل هنا إن السامعين سيحيون، فالأشرار حتى بعد قيامتهم لا يقال عنهم إنهم يحيون، فالذين ليس لهم ابن الله، هم - كما ذكر عنهم المسيح في مكان آخر - ”لن يروا حياة“ (يو3: 36)، ويقول الرسول يوحنا إن «من لا يحب أخاه يبق في الموت» (1يو3: 14). لذلك فإن الأشرار سيخرجون من القبور، لكنهم سيظلون في حالة الموت، كقول الرائي: «رأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام (العرش)» (رؤ20: 12).

 ولقد ظن البعض أن الكتاب عندما يستخدم تعبير ساعة فإنه يعني أن القيامة ستتم في وقت واحد، ولذلك فقد اخترعوا تعليمًا اسمه ”القيامة العامة“. ونحن لا نجد مطلقًا تعبير ”القيامة العامة“ ولا نجد هذا التعليم في الكتاب المقدس، بل هي غلطة شائعة، من كثرة تداولها اعتقد البعض أنها حق كتابي، مع أن العهد الجديد، عهد الإعلان الكامل، يوضح أن هناك قيامة أولى تسمى أيضًا ”قيامة أفضل“، و ”القيامة من الأموات“، و ”قيامة الأبرار“، ويدعوها الرب هنا ”قيامة الحياة“. إنها في رتبتها ”القيامة الأولى“، وفي مفعولها ”القيامة من الأموات”، وفي مآلها هي ”قيامة الحياة“، وفي مجالها هي ”قيامة الأبرار“.

 إذًا فالمسيح هنا يتكلم عن قيامتين لا عن قيامة واحدة، ولو أنه هو في الحالتين الذي يقيم، لكن على أساس مختلف ورتبة متباينة ونهاية غير النهاية على خط مستقيم. والناس عادة عندما يتحدثون عن يوم القيامة، يربطونه في ذهنهم بيوم الدينونة، ويربطون الإثنين بمتى 25: 31-46. ولكن نلاحظ أن متى 25 لا يحدثنا قط عن قيامة، إنها دينونة للشعوب التي ستكون موجودة عند ظهور المسيح، وهي ما تسمى في الوحي ”دينونة الأحياء“ (أع10: 42؛ 2تي4: 1؛ 1بط4: 5).

 ويشرح لنا الوحي في رؤيا 20 ساعة الخروج من القبور التي يتحدث الرب عنها هنا، ويوضح أنها ستبدأ قبل الملك الألفي، وتكتمل بعده. فقيامة الحياة ستتم قبل الألف السنة، وأما قيامة الدينونة فستتم بعد الألف السنة، حيث سيدان الأشرار أمام العرش العظيم الأبيض.

 ولا داعي للاستغراب من أن تكون هذه الساعة فترة ممتدة لنحو ”ألف عام“، حيث أن الساعة الأولى، ساعة الإحياء، التي كان الرب قد ذكرها لتوه (ع25) بدأت من وقت خدمة الرب يسوع بالجسد فوق الأرض، وتواصلت بعد قيامته من الأموات، ومستمرة حتى الآن، أي أن الساعة الأولى ساعة الإحياء استغرفت نحو ألفي عام؛ فلا مشكلة أن تستغرق الساعة الثانية، ساعة الخروج من القبور، ألف عام. يقول الكتاب صراحة: «أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة. هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى» (رؤ20: 5و6). وهي آية ليس فيها أي غموض ولا إبهام، ومع ذلك فالناس - في سبيل التمسك بتعليم ليس له ما يسنده في كلمة الله - لا تريد أن تقبل لغة بمثل هذه الصراحة والوضوح!

 والمسيح هنا يتحدث لا عن قيامة المؤمنين بل يقول عنهم: ”الذين فعلوا الصالحات“. فهو هنا يتحدث لا عن مجرد الإيمان، بل عن برهان الإيمان الحقيقي في هؤلاء القوم. وقد يتبادر إلى الذهن: كيف أمكن لأناس هم بالطبيعة أموات بالذنوب والخطايا أن يعملوا الصالحات؟ الإجابة على ذلك نجدها في الساعة السابقة، إذ إنهم سمعوا صوت ابن الله ونالوا الحياة وسكن فيهم الروح القدس الذي أنشأ فيهم ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله. لقد تعلموا فعل الصالحات من ذاك الذي «جال يصنع خيرًا، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس» (أع10: 38). فأظهروا أن المسيح حياتهم. وأما أولئك الذين رفضوا نعمة الله، وعاشوا وماتوا في خطاياهم، أولئك الذين كان طابع حياتهم عمل السيئات، فلهم قيامتهم الخاصة بهم، وياللهول! إنها قيامة الدينونة!

قيامة الأبرار هي إكمال لعمل الإحياء الذي بدأه الله مع المؤمنين،وإكمال لعمل الفداء كذلك

 هذه هي ساعة الخروج من القبور. ومنها نفهم أنه في هذه الساعة لن يكون خلط بين الأبرار والأشرار، مع أنهما عاشا معًا، وربما دفنا معًا، ولم يكن من السهل في أحيانكثيرة على مدى ألفي عام الفصل بينهما. لكن القيامة لن تكون مثل حقل الملكوت في الوقت الحاضر، الحقل الذي يحوي الزوان والحنطة، بل إن الذين فعلوا الصالحات سيخرجون إلى قيامة الحياة، كما سيخرج الذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة.

 وستكون قيامة الأبرار، التي يسميها الرب هنا قيامة الحياة، بمثابة إكمال لعمل الإحياء الذي بدأه الله مع المؤمنين، حيث يدخلون إلى جو الحياة الأبدية في كمالها غير المعطل بأي شيء، وأيضًا إكمال لعمل الفداء الذي كان الروح القدس عربونه في قلوبهم.

 والمسيح قبل حديثه عن ساعة الخروج من القبور، تحدث عن شخصه باعتباره الديان. وذكر أنه سيدين باعتباره ابن الإنسان. فالملك والدينونة هما - بحسب مشورات الله - له كابن الإنسان، وهي تلك الشخصية التي احتُقرت ورُفضت عندما جاء إلينا بالنعمة. لو كان هو فقط ابن الله من كان يجرؤ على احتقاره؟ لكنه اتضع فصار محتقرًا ومخذولاً من الناس. ولذلك فإنه سيدين باعتباره ”ابن الإنسان“ الذي ظهر في صورة البشر، وسار فوق هذه الأرض موضوع كراهية البشر وسخريتهم وأذاهم.

 نخلص من كل ما سبق أن إعلان المسيح العظيم في الآيات السابقة تحدث عن قوة إلهية، ونعمة إلهية لإعطاء الحياة، فهو ”يحيي من يشاء“. من ثم تأتي بعد هذا مسئولية الإنسان في الحصول على الحياة الأبدية. لقد كانت الحياة في يسوع، لكن هناك فريقًا رفضوا أن يأتوا إليه لينالوها، هؤلاء سوف يدينهم المسيح ابن الإنسان، الذي افتقر ليغنيهم ويسعدهم، ومات ليحييهم، فاحتقروا محبته وعطيتها.

 لا بد أن يُكرم المسيح إذًا بين من آمن به ومن لم يؤمن. يقول الرسول: «لهذا مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء والأموات» (رو14: 9). له كل المجد

يوسف رياض