أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يونيو السنة 2010
الحذاء الحديدى
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

 

 «وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ.

وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ»

(عب12: 11)

قرأت قصة واقعية، حدثت من عشرات السنين، تحكي أحداثها عن امرأة ولدت ابنًا بعيب خلقي، وهو أن عظام قدمه اليمنى بها بعض الالتواء، مما يُصَعِب حركة الطفلوإذ لاحظت الأم ذلك على طفلها، ما كان منها إلا أن أخذته للطبيب المتخصص آنذاكفطلب منها الطبيب أن تُلبس ابنهافي قدمه المصابة بالطبعما يُشبه حذاءً حديديًا، وأن تُبقيه في قدم طفلها سنة كاملة، مما يكون له أثر طيب على عظام قدمه الغضةلكنه حذرها من أن تقوم بخلع هذا الحذاء عنه قبل الميعاد المحددوبالفعل اتَّبَعت الأم تعليمات الطبيب بحذافيرهاولأن الحذاء الحديدي ثقيل للغاية، فهو مؤلم بالطبع لطفلٍ صغير، فما كان منه إلا أن أخذ يصرخ ويصرخ طالبًا من الأم أن تنزع عنه هذا الحذاء الثقيل، الذي لا طاقة له بهإلا أن الأم رفضت هذا الطلب بكل إصرارويومًا بعد يوم يزداد الطفل صراخًا، والأم على موقفها ثابتة، رافضة الاستجابة لتوسلاته ودموعهوبعد أن انتهت المدة المحددة، خلعت الأم عن طفلها الحذاء المؤلم، لكن كان قد تحقق القصد المرجو منه، فالعظام الملتوية عادت إلى الوضع الطبيعي، وأصبحت القدم اليمنى سليمة لا تؤلمها الحركة، ولا يوجعها الركض والوثب وقفزات الطفولة

عزيزي القارئ أيهما كان الأفضل لطفل قصتنا، أن تستجيب الأم لصراخه وتوسلاته وتخلع عنه الحذاء الحديدي، وتريحه من ألم مؤقت، أم أنها تفعل ما فعلته بأن تجاهلت صرخاته؛ إذ كانت تبغي راحته طوال عمره القادم؟

أثق صديقي أنك تشاركني الرأي، أن الأم فعلت الأفضل، بكل تأكيد، حتى وإن كان الطفل لا يعرف ذلك.

عزيزي أليس هذا عينه ما يحدث معك ومعي في أحيان كثيرة، عندما يسمح لنا الإله الحكيم المُحب بجرعات من الألم، لا تستغرق إلا وقتًا محددًا وجيزًا؟ بلى، فكم من مرات صلينا وصرخنا، بكينا وتوسلنا أن يرفع الرب عنَّا ألمًا نعانيه، أو ظروفًا تضغطنالكن إلهنا الحكيم رفض الاستجابة لنا وأبقى الألم ليأخذ مجراه

عزيزي لم يكن الحذاء الحديدي قسوةً، لكنه كان حبًا وعطفًاوإن كانت ظروفنا تبدو مؤلمة موجعة، إلا أنها سرعان ما تنتهي، وعندئذ نكتشف روعة القلب المحب الحاني، ونعظم حكمةً علت على إدراكنا.

عادل حبيب

 

عادل حبيب