أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2005
غني لكنه فقير - إنجيل الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

قصة أغنى أغنياء إيطاليا، عميد أسرة إنيللي، التي تمتلك شركة سيارات فيات في مدينة تورينو، وهو في الثمانين من عمره، وقد ورث عن أبيه الكثير، وأضاف إليه الكثير جدًا، كان له ولدٌ مدللٌ تخصص في الآداب الأفريقية والآسيوية، رفض أن يكون له مكتب في إمبراطورية أبيه. أدمن كل أنواع المخدرات والمغيبات. اعتقلوه في نيروبي بتهمة إحراز الهروين. وفي إحدى الليالي، استدعى البوليس والده ليدلهم إن كانت الجثة التي وجدوها في النهر لابنه، وقد كانت. وقبل ذلك بثلاث سنوات، كان قد انتحر الابن الوحيد لأخيه، وتلفت إلى حفيد له يدرس في باريس ليكون الوريث الوحيد لألوف الملايين، لكنه رفض أن يترك دراسته من أجل الامبراطورية العظمى!

 وعلى مقعد في عيادة أكبر أطباء العلاج النفسي، طلب أن يساعده الطبيب على أن يبكي. فحتى الدموع لا يجدها، ويريد من الطبيب أن يذيبه دمعًا، ويزلزله عقليًا، حتى تتساقط همومه ليعود قادرًا علي الإحساس بالمأساة. فقط أن يبكي، ودفع الملايين، ولم تذرف عيناه دمعة واحدة!

 فجأة أعلن في الصحف: ”اليوم أمشي حافيًا علي الشوك، كأفقر الفقراء“.

 عزيزي إنها لحقيقة مأساة، أن يكون لشخص غنى كثير أفنى فيه عمره، لكنه يفتقر إلى السعادة. ربما حسده الكثيرون على غناه، لكنهم لم يدركوا ما بداخله. إنه أمام الناس غني، وفي ذاته فقير. لقد امتلك الكثير، ولكنه في الحقيقة لا يملك شيئًا. وبلا شك متَّع نفسه قدر استطاعته، ولكن بماذا يساوي هذا أمام ابن وقد فقده إلى الأبد؟!

 وما زاد المأساة، أنه لم يجد من يرثه، فأحس بالفراغ، وبخواء ما يمتلكه، الذي كان محور حياته. لقد اكتشف بُطله وعدم نفعه. لقد فقد الإحساس بقيمته، إذ فقد بريقه!

 أ ليس هذا ما أدركه سليمان في يومه، إذ كان له غنى وأموالٌ وكرامة، لم يكن مثلها للملوك الذين قبله، ولا لمن بعده (2أخ1: 12)؟ لقد تمتع بكل شيء قدر استطاعته، إذ قال: «ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح». لكنه أقر في النهاية قائلاً: «ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي، وإلى التعب الذى تعبته في عمله، فإذا الكل باطل وقبض الريح، ولامنفعه تحت الشمس» (جا2: 10و11). والذي امتلكه قال عنه: «فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس، حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي، ومن يعلم هل يكون حكيمًا أو جاهلاً ويستولي على كل تعبي الذي تعبت فيه، وأظهرت فيه حكمتي تحت الشمس. هذا أيضًا باطل» (جا2: 18و19). نعم إنه باطل، لأنه ليس تعبًا في الرب.

 وما زاد حياة هذا الغني بؤسًا، أنه أراد أن يندمج بمشاعره في مأساته، لكنه فقد حتى إحساسه، فلم يجد الدموع مقابل ملايين، ولم يستطع الطبيب أن يمنحه السعادة، لقد شعر بالحقيقة، وهي بطل كل ما بين يديه. أ ليس هذا ما قاله آساف عن أغنياء هذا الدهر في تكبرهم: «كحلم عند التيقظ يا رب، عند التيقظ تحتقر خيالهم» (مز73: 20). ويا له من إقرار مذل: ”الآن أمشي حافيًا على الشوك كأفقر الفقراء“. إنها لحقيقة. فالعالم ليس به إلا الأشواك، وإن تنوعت في مظهرها، سواء غنى أوفقر، وقد أدرك الحقيقة أنه في فقر.

 والآن دعونا نسمع صوت الله، لمن يظن أنه غني في ذاته، ولسان حاله يقول: «إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء» واستمع إلى جواب الله له: «ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان» (رؤ3: 17و18).

حقًا لا سعادة ولا غنى إلا في المسيح الذي يقول: «عندي الغنى والكرامة، قنية فاخرة وحظ» (أم 8: 18). فنبع السعادة ليس في الظروف المحيطة بنا، ولا فيما بين أيدينا، بل من داخل القلب، إن كان المسيح يسكن فيه. فمهما نهلنا من العالم لا نرتوي. لقد قال الرب للسامرية: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا». لكن إذ هو الينبوع قال: «ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد» (يو4: 13و14). ربما لا نملك شيئًا، ولكن يقول الرسول بولس: «كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء» (2كو6: 10) .

أخي، ما هو هدف حياتك؟ وما هو مقتناك؟ هل امتلكت المسيح؟ إن كنت قد امتلكته فأنت غني، لأنك تملك كل شيء، وليت قلوبنا تكتفي به.

نشأت راغب