أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2007
عطية الروح القدس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

ملخص ما نشر: حدثنا الكاتب في المقالات السابقة عن ثلاث من المناسبات التي فيها حل الروح القدس على المؤمنين، بحسب ما ورد في سفر أعمال الرسل، وهي المناسبات التي وردت في أعمال 2، عندما حل الروح القدس على اليهود في يوم الخمسين؛ أعمال 8، عندما حل على المؤمنين من السامرة، بعد أن وضع كل من بطرس ويوحنا أياديهما على المؤمنين هناك؛ ثم أعمال 10 عندما حل الروح القدس على المؤمنين من الأمم، نتيجة كرازة بطرس في بيت كرنيليوس. ويواصل الآن الحديث عن المناسبة الرابعة التي فيها حل الروح القدس على المؤمنين في أفسس كما ورد في أعمال 19

والآن أريد أن أسألك: هل قبلت روح الله؟ لعل البعض يقول: هذا سؤال هام جدًا لكي يُسأَل. هذا صحيح، لكن إذا تحولت إلى المناسبة الرابعة والأخيرة التي يذكر فيها كيفية حلول الروح القدس على مؤمنين كما هو موضح في أعمال19 ـ ستجد أن السؤال الذي سألتك إياه، هو نفس السؤال الذي أدى إلى قبولهم الروح القدس. «فحدث فيما كان أبلوس في كورنثوس، أن بولس بعدما اجتاز في النواحي العالية، جاء إلى أفسس، فإذ وجد تلاميذ قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟». إنه سؤال لافت للأنظار وهام جدًا. فضلاً عن ذلك يُرينا أنه من الممكن أن يكون إنسان مؤمنًا ـ أحد أولاد الله، وأن يكون متغيِّرًا، إلا أنه رغم ذلك ربما لا يكون له الروح القدس. كان هؤلاء المؤمنين تلاميذ، والرسول يُصادق على إيمانهم، مع ذلك يقول لهم: «هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟».

ربما تسأل: ما الذي جعله يطرح ذلك السؤال؟ أعتقد أنهم لم يكونوا مُستريحين تمامًا. ومن المُحتمل أن الرسول استطاع أن يرى في وجوههم أن هناك عَوَز إلى الفرح.

عندما يقبل شخص الروح القدس، يكون مُمتلئًا من الفرح. أما إذا لم يكن قد قَبِلَ الروح القدس، فهو مُرتبك ومُتحيِّر إزاء حالته أمام الله. فهو ليس لديه معرفة راسخة بالسلام، أو بالعلاقة مع الله، أو ما يعنيه كون الشخص في المسيح، لأن كل امتلاك للبركة المسيحية هو نتيجة سُكنى الروح القدس. من ثمّ لا يبدو مثل هذا الشخص مُشرقًا ومسرورًا. وربما كان تطلع بولس إلى وجوههم هو الذي جعله يوجه السؤال: «هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ قالوا له، ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس». إنهم لم يكونوا يشكّون في وجوده، كما يعتقد البعض، لكنهم لم يعرفوا عن حضوره. إن قبول المؤمنين له، كان وعدًا معروفًا في الكتاب المقدس، وأُذيع بواسطة يوحنا المعمدان كما سبق ورأينا. لكن هؤلاء الناس لم يكونوا قد سمعوا عن يوم الخمسين. لم يكونوا قد سمعوا عن عمل المسيح الذي أُكمل، ولا عن نزول الروح القدس. لذلك يسألهم بولس بعد ذلك: «فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس أن يوحنا عمَّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي المسيح يسوع». لقد كرز يوحنا فقط «بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا» (لو3: 3). لم يكرز بالغفران ـ بل كان عليهم أن ينتظروه ويتوقعوه. لكن الآن بعد شهادة يوحنا، قد مات المسيح وقام ثانية، وقد تمجَّد، كما أن الروح القدس قد نزل. لقد شدد المعمدان على الحكم على الذات، والاعتراف بخرابهم التام، بدون إذاعة أخبار الغفران. لكن بولس بشَّر بمخلص قد أتى، وبفداء قد أُكمل، وبإتيان الروح القدس، لكي يكون للنفس القوة التي تقودها للتمتع بنُصرة المسيح. «فلما سمعوا، اعتمدوا باسم الرب يسوع». لقد انحنوا للمسيح واعترفوا به ربًا. لقد اعترفوا بحقوق وسلطان وسيادة ذلك الذي أُقيم من الأموات.

«ولما وضع بولس يديه عليهم، حلّ الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون». وهنا تظهر مرة أخرى العلامات الخارجية، لكن لا يوجد خلط بين العطية وبين المواهب.

لماذا هنا، يضع بولس يديه عليهم؟ كما تعرفون، كان بولس في هذه اللحظة مُحاطًا بمعلمين يهود عنيدين، يريدون أن يكون الناموس والختان مفروضًا على الأمم. وكانوا يسعون لكي يحطوا من قيمة رسوليته، وأن يُثبتوا أن خدمته ذات مستوى أدنى من تلك التي للرسل الآخرين، لأنه لم يكن قد رافق الرب وسار معه عندما كان على الأرض. لقد أخفقوا في فهم خدمته وكرازته ورسوليته، أو كانوا يجهلون حقيقة أنه قد تقبّل دعوته من السماء. لكن الله لا بد أن يؤيد خادمه، ويبرهن على رسوليته، ويتخذ هذه الطريقة في تأييدها. لقد استخدم بطرس ويوحنا معًا لكي يوصّل الروح القدس للسامريين. لكن بولس وحده وَفَّى بالحاجة في أفسس. هكذا سُرَّ الله بهذه الطريقة أن يربط العمل في أفسس بذلك الذي حدث من قبل في الأماكن الأخرى. وهناك عبارة في الرسالة إلى أفسس تُشير بوضوح إلى هذه الحادثة: «الذي فيه أيضًا أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم: الذي فيه أيضًا إذ آمنتم، خُتمتم بروح الموعد القدوس» (أف1: 13). في هذه العبارة تجدون الترتيب الإلهي: الخاطئ يسمع كلمة الحق، إنجيل خلاصه، ويؤمن بذلك الشخص الذي أكمل العمل. وماذا بعدئذٍ؟ إنه يُختم «بروح الموعد القدوس». إن الخاطئ هو الذي يؤمن، والمؤمن هو الذي يُختم بالروح القدس.

إن الموضوع الهام بالنسبة لنا لكي نُمسك به هو هذا، أن الطريقة التي بها حَلَّ الروح القدس على اليهود في أعمال2، وعلى السامريين في أعمال8، وعلى اليهود المُهتدين حديثًا في أعمال19، هي مختلفة في كل حالة، وذلك لأسباب خاصة كان الله يراها في كل حالة. لكن عندما وصلت البركة إلى الأمم، كان الله وحده هو الذي يعمل. وهذا ينطبق علينا نحن في الوقت الحاضر.

و. ت. ب. ولستون