أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2005
موت المسيح في الانجيل - دراسات في إنجيل يوحنا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

نظرة تمهيدية

تشغل حقيقة موت المسيح مكانًا بارزًا في إنجيل يوحنا، شأنه في ذلك شأن باقي البشائر، التي تحدثنا بصفة عامة عن حياة المسيح وموته وقيامته. لكن إنجيل يوحنا يتميز عن الأناجيل المتماثلة (متى، ومرقس، ولوقا) في أنه بينما نرى في تلك، كيف يؤدي تطور الأحداث إلى الصليب، فإن إنجيل يوحنا يحدثنا عن موت المسيح لا كتطور للأحداث، بل كهدف رئيس لمجيء المسيح إلى العالم.

 ولذلك فبينما لا نجد إشارة إلى الصليب في الأناجيل المتماثلة إلا بعد العديد من الأصحاحات، لكن ليس كذلك في إنجيل يوحنا، الذي يؤكد فيه البشير أن المسيح مرفوض، ليس فقط من الأصحاح الأول، بل أيضًا من أول الأصحاح الأول. فمع أنه النور لكن ”الظلمة لم تدركه“ (ع5)؛ ومع أنه هو الذي كوَّن العالم، فإن ”العالم لم يعرفه“ (ع10)؛ ومع أنه إلى خاصته جاء، لكن ”خاصته لم تقبله“ (ع11)!

 إنجيل يوحنا يحدثنا عن المسيح كالمحرقة

 يذكر الوحي في الأصحاحات الأولى من سفر اللاويين أربع ذبائح دموية كان النظام الموسوي قائم عليها. وهذه الذبائح الأربع تكلمنا عن الزوايا المختلفة لعمل المسيح على الصليب، فذبيحة واحدة لم تكن كافية لتكلمنا عن كل جوانب عمل كفارة المسيح. وهكذا أيضًا يقدم لنا العهد الجديد بشائر أربع، تصور لنا تلك الجوانب عينها لموت المسيح، كما في ذبائح سفر اللاويين.

 هذه الذبائح هي المحرقة وذبيحة السلامة وذبيحة الخطية وذبيحة الإثم. ذبيحة الخطية تنظر إلى الخطية باعتبارها شيئًا بغيضًا في نظر الله القدوس، ولهذا فكانت يلزم حرق ذبيحة الخطية بالنار خارج المحلة (قارن عب13: 11). وذبيحة الإثم تُركِّز، لا على الخطية ذاتها فحسب، بل على نتائج الخطية أيضًا، لقد تسببت في ضرر، ولذلك فقد كانت تطالب بالتعويض عن الخطأ وإضافة الخُمس فوقه (لا6: 5). وذبيحة السلامة مشغولة بوضع القنطرة بين المُسيء والمُساء إليه، بين الإنسان والله، واستعادة العلاقة بينهما، وسد الثغرة، ورد الشركة. أما المحرقة فكانت مختلفة عن تلك الذبائح السابقة.

 كانت المحرقة هي الذبيحة التي تُصعَد بتمامها إلى الله، ولا يأكل أحد شيئًا منها؛ وما كانت تُحرق خارج المحلة كذبيحة الخطية، بل كانت تُوقد على المذبح، لكي ما يتصاعد منها رائحة سرور ورضا لله؛ ثم ما كان مُقدِّم الذبيحة مضطرًا أو مجبرًا على تقديم المحرقة، بل كان يقدمها باختياره ورضاه.

وهي في كل ما تقدم تذكرنا بموت المسيح كما يقدمه لنا إنجيل يوحنا. فلقد كان موته في هذا الإنجيل لكي يمجد الآب، وليدخل السرور لقلب الله. فليس أنه مات عندما رفضه قادة الأمة الأشرار، بل إنه أتى لأجل هذه الساعة (12: 27). وفي الجلجثة قدم نفسه بسرور لكي يفعل مشيئة الذي أرسله (10: 17)، فتنسم الله رائحة الرضا، وهو فعل ذلك لا عن اضطرار بل بكل فرحٍ وغبطة.

 ولهذا كله، فإننا في هذا الإنجيل – كما ذكرنا، وبخلاف باقي البشائر - لا نحتاج أن نسير أصحاحات كثيرة حتى نتقابل مع الحديث عن موت المسيح، بل إننا نجده في الأصحاحات الأولى.

 والجدول الآتي يبين لنا كيف تقدم لنا كل بشارة جانبًا معينًا من جوانب موت المسيح كما نراه في الذبائح الدموية الأربع الوارد ذكرها في سفر اللاويين، كما نرى أيضًا الفكر البارز في الذبيحة، والجانب الإلهي الذي تبرزه هذه الذبيحة بالذات

 الجانب الإلهي الفكرة البارزة الإنجيل الذبيحة حكومة الله طبيعة الله قلب الهل مقاصد الله رد المسلوب والتعويض الترك من الله، وتحمل الألم الشركة والرضا الطاعة وإتمام مشيئة الله متى مرقس لوقا يوحنا الإثم الخطية السلامة المحرقة وسوف نقسم حديثنا عن موت المسيح بحسب إنجيل يوحنا إلى أربعة أقسام رئيسية، يتحدث فيها البشير عن موت المسيح كما يلي:

1. ثلاثة إعلانات أولية (ص1-3)

2. ثلاثة إعلانات مستفيضة (ص6-12) 3

. سبعة إعلانات خاصة (ص13-17)

4. سبعة أحداث هامة: (ص18-21). 

 الإعلانات الأولية الثلاثة:

 وهي وردت في الثلاثة الأصحاحات الأولى: أعني يوحنا 1؛ 2؛ 3 كالآتي:

 يوحنا 1 يتحدث عن حمل الله الذبيح، وعن نتيجة عمله العظيمة.

 يوحنا 2 يتحدث عن هيكل الله (جسد المسيح القدوس)، ونقضه بواسطة الأشرار، وإقامة المسيح له.

يوحنا 3 يتحدث عن الحية النحاسية ورفعها، ورفع المسيح أيضًا كما رُفعت الحية قديمًا، مع ما في ذلك من نتائج مباركة على كل مؤمن.

 الإعلانات المستفيضة:

 وسنتوقف عند ثلاثة من هذه الإعلانات:

 يوحنا6: أعظم الأحاديث وأشملها عن موته: وفيها نقرأ عن جسد المسيح ودمه.

 يوحنا 10: أسمى الأحاديث وأعلاها عن المحبة والموت وإقامته لنفسه من الأموات.

 يوحنا 12: أوضح الأحاديث عن موت المسيح، حيث يرد في كل الفصل تركيز لافت على موته، وشرح لكيفية حدوثه: وفيها نقرأ مرة أخرى عن رفع ابن الإنسان، حيث يرد القول: «وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع».

 سبعة إعلانات خاصة:

 وهي متضمنة في حديث العلية للرب مع تلاميذه، وحديثه للآب عن تلاميذه. وفيها نقرأ عن نظرة المسيح المجيدة للصليب من سبعة اتجاهات (يو13-17).

 سبعة مشاهد ختامية

 تبدأ بجثسيماني، ثم القبض على يسوع، ثم المحاكمة الدينية، ثم المحاكمة المدنية، ثم الجلجثة، فالدفن، وأخيرًا القيامة من الأموات (يو18-21) 

 الإعلانات الأولية: وهي كما فهمنا ثلاثة إعلانات في الفصول الثلاثة يوحنا1؛ 2؛ 3، حيث نقرأ:

  •  «وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ» (يو1: 29).
  •  «فَسَأَلَهُ الْيَهُودُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «ﭐنْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ» (يو2: 18-22).
  •  «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 14و15).

 أولى هذه الإعلانات قدمها يوحنا المعمدان للجموع التي كانت تحيط به. وكان يوحنا ابن كاهن، ويدرك تمامًا دور الحمل في أسفار العهد القديم، بدءًا من قربان هابيل (تك4)، مرورًا بسؤال إسحاق لأبيه عن خروف المحرقة (تك22)، وبعد ذلك خروف الفصح (خر12)، وكذلك حمل المحرقة الصباحية والمسائية (خر29). ومن هذه الخلفية تحدث المعمدان عن المسيح باعتباره «حمل الله الذي يرفع خطية العالم».

 والإعلان الثاني قاله المسيح لليهود في عيد الفصح، بمناسبة تطهيره للهيكل، الذي حوَّله المنتفعون إلى بيت تجارة. فلما طلبوا منه آية تبرهن أنه حقًا ابن صاحب البيت، فقد قدم لهم هذه الآية العظمى، آية إقامته لنفسه من بين الأموات، ولو أنهم لم يفهموا ما كان يقصده المسيح من كلامه لهم.

 والإعلان الثالث قاله المسيح في حديثه الليلي مع نيقوديموس الذي أتى إلى المسيح مستفسرًا، فحدثه المسيح عن حتميتين: الأولى حتمية الولادة من الله «ينبغي أن تولدوا من فوق»، والثانية حتمية موت المسيح فوق الصليب «ينبغي أن يرفع ابن الإنسان». الحتمية الأولى تحدثنا عن عمل الله في النفس، والحتمية الثانية عن عمل المسيح لأجل النفس.

 وفي هذه الإعلانات نجد هذه الأفكار الهامة:

 في يوحنا 1 عظمة العمل

 في يوحنا 2 سمو الشخص

 في يوحنا 3 حتمية العمل وكيفية حدوثه

 ونلتقي - كما ذكرنا سابقًا - مع الحمل والهيكل والحية. الحمل ذُبِح (الدم)، والهيكل نُقِض (الموت)، والحية رُفعت (الصليب). ثلاثة أفكار رئيسية ترد كثيرًا في الكتاب المقدس، ولا سيما العهد الجديد: دم المسيح، موت المسيح، صليب المسيح. وهو ما نراه في هذه الإعلانات الأولية:

 وفي هذه الإعلانات الأولية نرى أيضًا:

 النتيجة المجيدة: رفع خطية العالم

 الطريقة الفريدة: الموت والقيامة

الكلفة الفائقة: رفع ابن الإنسان

 (يُتْبَع)

يوسف رياض