أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2009
نـوح - دروس ورموز
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

قد لا يعرف التاريخ البشري «رجلاً» جمع في شخصيته الكثير من الصفات؛ القوة والعزيمة، الشجاعة والإقدام، الصبر والصلابة، المحبة والحنان، مثل ذلك الرجل «نوح»، وذلك لأنه عاش في عصر تركزت فيه سلسلة حلقات من الشرور والفساد، وملأت الأرض في أيامه.  فهذه خطية الشهوة والفجور في سقوط أبناء الله تحت إغراء بنات الناس.  وتلك خطية التمرد والعصيان في اتخاذهم لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.  والثالثة خطية الظلم والطغيان بامتلاء الأرض ظلمًا وطغاة في تلك الأيام.  والرابعة خطية الكبرياء والاعتداد بالذات بولادة الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم.  والخامسة خطية النجاسة والمجون بدخول بنو الله على بنات الناس.  والسادسة خطية الزيغان والفساد إذ أفسد كل بشر طريقه على الأرض، ففسدت الأرض كلها.

وفي علم الرياضيات: الرجل الواحد يُكتب واحدًا، مهما كان قصيرًا أو طويلاً، مسكينًا أو عظيمًا.  وأن رجلين يختلفان في السن أو المقام أو النفوذ أو ... يُكتبان اثنين.  غير أن أمام حياة نوح يسقط علم الرياضيات وجميع طرق الحساب.  وهكذا لم يرَ أليشع، إيليا رجل الله وهو يصعد إلى السماء «فردًا» أو «واحدًا» يصعد أمامه، لكنه كان يصرخ قائلاً: «يَا أَبِي يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا!» (2مل2: 12).  وهو يقصد بذلك أن إيليا لم يكن أبدًا «واحدًا»، ولكن جيشًا كثيرًا، كامل العتاد ومُكتمل القوة.  على هذا المنوال كان نوح، وإن كان بمقياس أعظم وفائق جدًا جدًا.

نوح أحد الأقدمين العظماء، والأبطال الأقوياء، وأول كارز على الأرض.  عاش في زمن عصيب ورهيب، لكنه وقف بجانب الله، وهو ذاته كان نقطة تحول وبداية جديدة.  وهو أب للبشرية كلها من بعد الطوفان.

يُعتبر نوح أكثر قوة وشجاعة وإقدام من إيليا.  في أيام إيليا كان هناك مئة نبي على الأقل، وسبعة آلاف كل الركب التي لم تجث لبعل.  أما نوح فكان وحيدًا، ومع ذلك وقف بجانب الله، حين كان العالم كله يقف على الجانب الآخر، ويغرق في العصيان والشرور والمظالم.  ونوح أيضًا أشد صلابة وعزيمة وصبر منه، فلم يرَ ما رآه إيليا من هتافات الشعب «الرَّبُّ هُوَ اللَّهُ! الرَّبُّ هُوَ اللَّهُ!»، ولا قتل أنبياء البعل، ولا استجابة السماء ونزول المطر، بل على العكس لم يكن هناك أي تجاوب مع كرازته، وكان العالم يسير من ردىء إلى أردأ، لكنه ظل يكرز بصبر ولم يَخُرْ أو يفشل لعشرات السنين هي مدة كرازته، مع أنه لم يرَ أية بادرة أمل من التصديق أو التغيير في العالم القديم الذي عاش فيه.

شنوده راسم