أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2018
الجوع الروحي
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة


«طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (مت٥: ٦)

حدث أن كانت إحدى السيدات مريضة بالسل، وتُعاني من الهزال الشديد والضعف. ولذا نصحها البعض بأن تنتقل للإقامة في فلوريدا، لتقضي الشتاء في جوها الدافئ المشمس. وبالفعل ذهبت، ومن هناك كتبت خطابات تلهج بالثناء على المناخ الصحي هناك، وخضرة الأشجار المُبهجة، ووفرة الفاكهة زكية الرائحة وحلوة المذاق. وبينما كان بيتها الأصلي وعائلتها، في موطنهم الأصلي، يُعانون من الشتاء القارص، كان هي في الصيف آنذاك. لقد تكلَّمت أيضًا في خطاباتها عن الموائد هناك، وكم هي حافلة بكل الأطعمة والفاكهة المُغرية الشهية! ولكن في جميع الخطابات التي أرسلتها، كانت تُسجِل عبارة رثاء: “ليست لي شهية. آه لو كانت لي شهية، فإنني سأكون متأكدة أنني سأُصبح بصحة جيدة قريبًا في وسط كل هذه الملذات الطيبة”.

ثم بعد فترة غير طويلة، ورد خبر صغير حزين عن أنها ماتت؛ ماتت من الضعف والهزال، في وسط هذه الوفرة الزائدة. ما كان ينقصها الطعام، ولكنها كانت تفتقر إلى الشهية للطعام. وهكذا الأمر مع الكثير من النفوس؛ فهم يعيشون في وسط الغذاء الروحي، والله يبسط أمامهم موائد حافلة بالطعام الروحي الشهي، بصورة متواصلة. وهم يجلسون بجانب هذه الموائد، ثم بعد ذلك ينصرفون فارغين، ليس بسبب عدم وجود طعام لهم، ولكن بسبب أنهم ليسوا جائعين لهذه الأشياء. وهناك آخرون يجلسون بجوارهم، على نفس الموائد، وأمامهم نفس الأطعمة، ولكن يتغذون بسخاء ووفرة على هذه الأطعمة، وينصرفون فرحين مفعمين بالقوة والرجاء، ونفوسهم منتعشة، وذلك لأنهم يأتون إلى هذه الموائد بشهية روحية. ولذا يجب أن تكون صلواتنا الدائمة أن يجعلنا الله جائعين لشخصه. ولنذكر التطويب: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (مت٥: ٦).