أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2017
أَسمعتَ به؟
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ الْوَعْرِ» (مز٦:١٣٢)

أسمعتَهُ؟ كثيرًا ما سمعَتِ الأرضُ مخافتةً مِن مَن يمشي على أجنحةِ الريح فوَقفتْ أمواهُها فوقَ الجبال، وأما مِن انتهارِه فلقد هرَبت، ومِن رعدِهِ فرَّت (مز١٠٤)، أليس مِن انتهارِهِ يُسبَّخُ فارسٌ وخيلٌ؟ (مز٧٦).

أسمعتَهُ؟ فإن هَمَسَ بكلامٍ خَفيضٍ، يحارُ مُنذهِلوهُ: «مَا أَخْفَضَ الْكَلاَمَ الَّذِي نَسْمَعُهُ مِنْهُ!»، وإن أرعَدَ بصوتِهِ يهوي مرتعِبوه: «وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟» (أي٢٦: ١٤)، أليس للمعانِ برق مجدِهِ تقِفُ الشمسُ نهارًا في بروجِها، كذا القمرُ والليلُ؟ (حب٣).

ولكن أسمعتَ بهِ؟ بل أستزيدُ عجبًا: أسمعتَ بهِ في حقولِ الوعْرِ؟ أُخِذَ تابوتُ عزِ اللهِ إلى أرض الفلسطينيين بسببِ شعبٍ طال شرُّهُ، وغابَ رُشْدُهُ، وفي باب خيمةِ الاجتماع تضاجَعَ أبناءُ كهنتِهِ ونساؤه، فمِن عند حجرِ المعونةِ، أُخِذَ عونُهُ، بل وزالَ مجدُهُ وأُعدِمَ الشعبُ حضورَه. ثم امتدَّت يدُ اللهِ على الفلسطينيين بل وثقُلَتْ، فأُرسِلَ التابوتُ إلى حقولِ بيتشمس وهناك ضُرِبَ أهلُها لأنهم نظروه، ومن هناك إلى قريةٍ تُسمَّى “يَعَارِيمَ”، حيثُ قُدِّسَ وتخصص شخصٌ يُسمَّى “أبيناداب” مع بيتِهِ لخدمةِ التابوت. ولكنني يا قارئي، أُذيعُ لك نغمةً حزينةً، أذاعها كتابُ اللهِ: «وَكَانَ مِنْ يَوْمِ جُلُوسِ التَّابُوتِ فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ أَنَّ الْمُدَّةَ طَالَتْ وَكَانَتْ عِشْرِينَ سَنَةً» (١صم٧: ٢). ونحنُ لا نقرأ في كتاب الله عن مكانٍ ذهب إليه التابوت يُسمَّى بالوعرِ كما في الآيةِ المذكورةِ أعلاه، ولكن هذه صفة أو هذا شكل المكان الذي كان يمتلئُ بالغابات حيث الأشجار الكثيفة. وأيضًا هذه الكلمة “الوعر” هي أيضًا بمعنى كلمة “يعر” أو “يعار” أو “يستعير” وفي الاستعارة لوقتٍ طويل تُجمَع “يَعَارِيمَ” وهي اسم القرية التي ظلَّ فيها التابوت عشرين سنةً. وأمام منظرِ الاغترابِ الطويلِ هذا ترِنُ أحشاؤُنا بل وبطونُنا كعودٍ وتتأوَّه مع مَن صَرَخَ مُتوجِّعًا: «آهِ يَا سَيِّدِي! لأَنَّهُ عَارِيَةٌ» (٢مل٦: ٥). أيُستعارُ حديدٌ لقطعِ الأخشابِ؟ هذا جائزٌ، ولكن أيُستعارُ مبيتٌ للعالي وإن ارتفعَ التابوتُ على تلّةِ صهيونَ، ففي هذا يكونُ ساكِنُ الأبدِ تعالى أم تنازَلَ؟ بكل يقينٍ يكونُ قد تنازَلَ. ولكنه يكونُ قد تعالى بالنعمة، لأن العالي قبِلَ بين الناسِ مسكِنًا وحسِبَها راحةً، فنقرأ:

«تَعَالَى الرَّبُّ لأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي الْعَلاَءِ. مَلأَ صِهْيَوْنَ حَقًّا وَعَدْلاً» (إش٣٣: ٥). قديمًا وَجَدَ داود التابوت في حقولِ الوعْرِ، فأهابَ بهِ: «قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ، أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ» (مز١٣٢: ٨)، ثم أهاب بنفسِهِ وشعبِهِ: «لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ» (مز١٣٢: ٧). وأما نحن فماذا عسانا أن نفعلَ عندما نعرِف أن العالي لم يقبل مسكِنًا في صهيون فحسب، ولكنه قبِلَ مقامًا وراحةً في قلوبِ مفديِيه «الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ» (كو١: ٢٧).

فَرَجَاءُ الْمَجْدِ فِينَا

أَنْتَ يَا كَنْزَ الْغِنَى

وَكَمَالُ كُلِّ وَعْدٍ

وَسُرُورٍ وَمُنَى


بطرس نبيل