أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2017
أَخْطَأْتُ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. 
إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا 
وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» 

(رو٣: ٢٢، ٢٣)

يقولون إن الاعتراف بالحق فضيلة، وهذا صحيح. ولكن المطلوب ليس فقط الاعتراف بالحق بل اقتناءه (أم٢٣: ٢٣)، والسير والسلوك به وفيه (٢يو٤).

فمثلاً لا يكفي أن يقول الإنسان فقط: “أَخْطَأْتُ”، دون أن يكون هناك رجوع حقيقي من القلب عن عيشة الخطية. وكون الإنسان أخطأ فهذا حق، وقبل أن يشعر به الإنسان قرره الله عن الجميع (رو٣: ٢٣). وأن أقول: “أَخْطَأْتُ” لسبب ما لحقني من خسارة (بسبب هذا الخطأ) من أي نوع، أو بسبب شعوري بالمهانة أو حتى بالندم، وأقف عند هذا الحد، فهذا وحده غير كافٍ بالمرة، بل الاعتراف بأني خاطئ لا بد أن يقودني إلى خطوة أخرى، وهى التوبة والرجوع إلى الله، محتميًا في عمل ابنه ربنا يسوع المسيح، والذي فيه كفاية تامة وإيفاء لكل ما يطالب به الله بسبب خطيتي هذه. ففي صليب المسيح التقيت أنا كخاطئ مذنب أحتاج إلى هدوء الضمير وراحة للنفس المنزعجة، مع الله القدوس الذي لا يطيق الإثم. حقًا كم هو عمل جليل وكريم، ولا يوجد عمل آخر سواه صنع هذا التوافق والانسجام العجيب، بين ما يطلبه الله وما يحتاجه الإنسان. فهل احتميت يا عزيزي القارئ في شخص المسيح وفي عمله المنقطع النظير؟

والآن يا عزيزي القارئ نعطي مجالاً لكلمة الله الحية لتدلل لنا على أن مجرد القول: “أَخْطَأْتُ”، لا يكفي. وإذ نتجول في صفحات كلمة الله الصادقة، يصادفنا أكثر من شخص قدم هذا الاعتراف الشفهي فقط، دون أن يرافقه توبة حقيقية.

(١) فرعون: لقد قال فرعون: “أَخْطَأْتُ” (خر٩: ٢٧؛ ١٠: ١٦)، لكن هل كان قوله هذا يدل على توبة حقيقية من القلب، أم كان مراوغة كاذبة حتى يعبر الغضب وتنتهي الكارثة، ثم يعود إلى قساوته ولا مبالاته التي نال بسببها العقاب الشديد؟

(٢) بلعام: وهذا أيضًا قال: “أَخْطَأْتُ” (عد٢٢: ٣٤)، ولم يكن اعترافًا حقيقًا نابعًا من نفس تائبة وراجعة إلى الله، بل كان خوفًا من السيف المستل، والذي كان سيودي بحياته إلى الهاوية، فأسرع بالقول: “أَخْطَأْتُ” ليس تائبًا بل خائفًا.

(٣) عخان: (يش٧: ٢٠) وهذا الشخص الذي لم يضع خوف الله أمام عينيه، وكان سببًا في كارثة للشعب قال أيضًا: “أَخْطَأْتُ”. لكن قالها بعد فوات الأوان، بعد أن عُرف كمذنب وعُرفت خطيته. وكم من كثيرين الآن يقولونها في الهاوية، لكنها لا تنفعهم ولا تفيدهم، لأن الفرصة ضاعت منهم وإلى الأبد.

(٤) شاول بن قيس: (١صم١٥: ٢٤، ٣٠؛ ٢١: ٢٦) ومن تاريخ ذلك الشخص نعلم أنه لم يقدم في حياته أبدًا اعترافًا حقيقيًا، وإنما كل مرة قال فيها “أَخْطَأْتُ”، كان يبغي من وراء ذلك مصلحة شخصية، أو خوفًا على كرامة له. لذا لم يستفد شيئًا.

(٥) شمعي بن جيرا البنياميني: (٢صم١٩: ٢٠) هذا الشخص سولت له نفسه يومًا بأن يسب مسيح الرب (٢صم١٦). وحين جاء اليوم الذي ملأ قلبه الخوف والرعب، أسرع وقال: “أَخْطَأْتُ”. ولقد عفا عنه داود إلى حين (لحكمة خاصة)، ولكن بعد أن فشل في الامتحان (٢ملوك٢) نزل عليه القضاء. وهذا صورة لمن يفتكر أن اعتراف الشفتين يحميه من دينونة محتمة. ولكن هيهات، إنه لا يجدي نفعًا.

(٦) يهوذا الإسخريوطي: وهنا نأتي إلى أوضح مثال لمن ندم وقال: “أَخْطَأْتُ”، ولكنه هلك وصار هو ابن الهلاك وهنا نسأل هل ندمه واعترافه بالقول: “أَخْطَأْتُ” كان كافيًا؟ كلا يا عزيزي القارئ. إذًا فلنأخذ حذرنا، ونأتي إلى الرب بإرادة منكسرة، راجعين رجوعًا حقيقيًا إلى الله (١تس١: ٩).

(٧) في مباينة مع هؤلاء جميعًا نجد رجل الله داود، الذي أخطأ واعترف بخطئه، وتاب من قلبه (٢صم١٢: ١٣؛ ٢٤: ١٠، ١٧؛ ١أخ٢١: ٨؛ مز٤١: ٤؛ ٥١: ٤) وفي كل مرة قال داود: “أَخْطَأْتُ” نجده يتوب توبة حقيقية من قلبه والدليل على ذلك قبول الرب لهذا الاعتراف إذ نسمع قوله لداود: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ» (٢صم١٢: ١٣).

فالآن يا عزيزي القارئ أمامنا سبعة شخصيات قالوا هذه الكلمة “أَخْطَأْتُ” ومن هؤلاء لا يوجد سوى واحد فقط يُعطينا صورة للتوبة الحقيقية، وأما الآخرون فكان اعترافهم فقط بسبب الخوف من العقاب، أو من مجرد الشعور بالذنب فقط، دون توبة نابعة من الأعماق.

فمن أي فريق تريد أن تكون؟

هل تأتي قائلاً من قلبك «أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» (لو١٥: ١٨)؟ هل تقول له من أعماق قلبك تائبًا: «اللهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ»؟

أرجو أن تفعل ذلك يا عزيزي لتفوز بالنجاة وتسمع القول الجميل: «أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (لو٥: ٢٠).

خالد فيلبس