أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2017
دانيال وحياة الصلاة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

في هذا المقال أود أن أجذب انتباهكم إلى موضوع الصلاة. ربما يكون واحدًا من موضوعات الاختبار المسيحي التي نهملها كثيرًا. لو صلينا في الصباح، وشكرنا من أجل الطعام، وكذلك صلينا في المساء، شاكرين الرب على لطفه وصلاحه معنا خلال اليوم، حينئذ ربما نشعر بأننا قد فعلنا كل ما هو ضروري. إلا أني أشعر بأنه بفحص تدريبات دانيال وحياة الصلاة التي له، سنرى أن المطلوب في الحياة المسيحية أكثر من ذلك بكثير.

إن الصلاة هي نتاج الاهتمام الحقيقي؛ سواء الاهتمام بتقدم الشخص الروحي، أو بمجد المسيح، أو بتقدم أمور الله على الأرض، فلا بد أن تفيض الصلاة دائمًا من اهتمام الفرد الشخصي. إذا لم نكن مدفوعين بهذه الدوافع فلا بد أن تكون طبيعة صلواتنا ضحلة جدًا، لكن إن كانت هذه الأمور موضوع اهتمامنا، وفي فكرنا باستمرار، حينئذ سنجد أن صلواتنا تأخذ طابعًا مختلفًا؛ سيكون فيها امتلاء واتساع، وسيكون لها إلحاح، وأيضًا سيكون لها استمرارية. ومثل هذه الصلوات مُقدَّرة تمامًا في السماء.

كان دانيال رجلًا محبوبًا جدًا (٩: ٢٣؛ ١٠: ١١، ١٩)، ليس لسبب سلوكه الشخصي فحسب، بل بسبب الاختبارات التي اجتاز فيها، يومًا بعد يوم، في بابل، وهو في السبي، فانسابت منها نتائج عظيمة لمجد الله. وهذا ما نود أن نتأمله هنا، ليس فقط لمنح المعرفة لتشجيعنا كما يجب، لكن أيضًا ليُثير في كل قلب منا اشتياقًا للصلاة أكثر، من أجل ازدهار ونمو أمور الرب في مجتمعاتنا، وفي بلادنا، وفي كل العالم.

نحن نعترف أن الأمور يمكن أن تؤول إلى الأفضل كثيرًا مما هي عليه، فرديًا، وفي بيوت القديسين، وفي اجتماعات القديسين. يمكن أن يكون هناك ثمر أكثر، حياة أكثر، طاقة أكثر، وتدريب أكثر، ودلائل على النمو أكثر، بدلًا من الزيغان. إننا نسمع الصرخة المستمرة: “كيف يُمكن تغيير الحالة؟ كيف يُمكننا أن نرى طاقة أكبر؟ كيف نرى مزيدًا من الإخلاص؟ كيف نرى مزيدًا من المجد للرب؟” وكلما خططنا ورسمنا أكثر، كلما وجدنا عدم الجدوى أكثر. إني أقترح، أيها الإخوة الأحباء، أنه إذا تحفزت جماعة للاهتمام بالصلاة أكثر، لرأينا الأمور تتغير، حيث يتدخل الرب بقوته وبحكمته، ويُعطينا التوجيه الضروري، حتى تصير حياتنا أكثر إثمارًا لذاك الذي باركنا بهذه الطريقة العجيبة.

(١) حياة الصلاة الفردية
المستمرة والمستقرة لدانيال

«فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيآلُ بِإِمْضَاءِ الْكِتَابَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، وَكُواهُ مَفْتُوحَةٌ فِي عُلِّيَّتِهِ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذلِكَ» (دا٦: ١٠).

لقد اخترت هذا المقطع من أصحاح ٦ لنرى شيئًا من حياة الصلاة الفردية الخصوصية لدانيال، قبل أن نتأمل في ناحيتين أخرتين؛ صلاته الجماعية، وصلاته للاعتراف. وهنا نجد السر الحقيقي لعظمة هذا الرجل. كان دانيال مسبيًا في بابل، إلا أنه لم يخضع لقوانين الملك آنذاك، لم يخضع للتعليمات التي فُرضت عليه، بل كان حقًا مهتمًا بتتميم مشيئة الله. كان يعرف مشيئة الله، ومهما كان الظرف أو المناسبة، إلا أنه كان محكومًا بتلك المشيئة، بالرغم من الخطر والمقاومة اللتين أُثيرتا ضده. لقد كان رجلًا صادقًا وأمينًا.

في هذا الأصحاح يكشف لنا الله سر قوة دانيال وأمانته، وهو حياته الخاصة السرية في الصلاة التي لا يمكن أن تُعاق. عند سماع أمر الملك «صَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذلِكَ». لم يكن هذا التصرف انفجارًا مُفاجئًا لطاقة الصلاة، بسبب صعوبة الظروف وتعرض حياته للخطر، بل كان ممارسته المستمرة. لم يكن شيئًا مفروضًا عليه، بل كان فيه غبطته.

إخوتي الأحباء، ما أجمل الطريقة التي ننظر بها إلى حياة الصلاة، مثلما فعل دانيال في ترتيبه المستقر للصلاة ثلاث مرات في اليوم. إني موقن تمامًا أن دانيال لم يدع أي شيء يتدخل في اللحظات التى فيها أحنى ركبتيه في الصلاة أمام الله. لقد كان رجلًا عظيمًا، وكانت مسؤولياته جسيمة في إدارة شئون الإمبراطورية، إلا أنه استطاع أن يجد وقتًا، ثلاث مرات في اليوم، كنصيب محدد للصلاة. نحن لا نعرف كم من الوقت استغرق، لكنه كان يفعل ذلك دائمًا، كان طابع حياته أن يصلي ويصلي ويصلي. وسنتأمل لاحقًا في موضوع صلواته.

مكتوب أيضًا أنه “صَلَّى قُدَّامَ إِلَهِهِ (لِإِلَهِهِ)”. كم يعجبني ذلك! فلقد كان الله هو إله دانيآل الشخصي، الذي يعرفه في الشركة الشخصية. كان الله حقيقة بالنسبة له. لم يكن مجرد مفهوم للعقل، بل هو إله حي، ومجيد يمكنه اللجوء إليه في كل الأوقات، وفي كل الأحوال ليجد جوابًا، بل وكان أيضًا فرحته وبهجته في حياته بالشركة معه يومًا فيومًا. هل هذه هي خبرتك مع الصلاة؟ هل هذه خبرتي مع الصلاة؟ هل الله قريب منا، أم أنه بعيد عنا؟ آه، يا له من تحدٍ! إننا بحاجة إلى إخوة وأخوات يعرفون الله بهذه الطريقة، لأن الله يسمع صلاة شعبه ويُسرّ بإجابة تلك الصلوات التي تكون في توافق مع مشيئته المُعلنة.

كان بر هذا الرجل شهادة حية لحقيقة علاقته بالله. في حزقيال ١٤: ١٢-١٤ يرتبط اسم دانيال برجلين آخرين، هما نوح وأيوب «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنْ أَخْطَأَتْ إِلَيَّ أَرْضٌ وَخَانَتْ خِيَانَةً، فَمَدَدْتُ يَدِي عَلَيْهَا وَكَسَرْتُ لَهَا قِوَامَ الْخُبْزِ، وَأَرْسَلْتُ عَلَيْهَا الْجُوعَ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَكَانَ فِيهَا هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ: نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ». لقد قال الله: “افترض أن هؤلاء الرجال الثلاثة أتوا بِبِّرهِم، فهذا لن يغير الحال في إسرائيل، لأنه رديء جدًا”. لكن بذكر هذا، فإن الله يجذب الانتباه إلى بِرِّهِم.

كان دانيال رجلًا بارًا، أي أنه عاش حياته مُميّزًا لحقوق الله، طائعًا لها مهما كلفه ذلك، ولهذا السبب كان لصلاته تأثير. ويقول لنا يعقوب: «طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا» (يع٥: ١٦)، لكن الحكيم يقول: «مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَّرِيعَةِ، فَصَلاَتُهُ أَيْضًا مَكْرَهَةٌ» (أم٢٨: ٩). ونقرأ أيضًا «وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا» (١يو٥: ١٤). هذا هو سر الصلاة العظيم التي تعمل حقًا، أنها في توافق مع إرادة الله.

واضح أن دانيال كان على علم تام بمشيئة الله. وفتْحُ كواه ناحية أورشليم يثبت ذلك. عند تدشين الهيكل صلى سليمان لله قائلًا ما معناه: إذا جاء الوقت الذي صارت فيه الأمة غير أمينة وأُخذت للسبي، ووجدت منهم من يصلى نحو أورشليم؛ المدينة التي اخترت، ونحو الهيكل؛ البيت الذي بنيت لاسمك، فاسمع في السماء صلاتهم وتضرعهم، واقْضِ قضائهم، واحفظ لهم حقهم، واعطهم نعمة في أعين مَن سَبُوهم (٢أخ٦: ٣٦-٣٩؛ ١مل٨: ٤٦-٥٠). هنا نجد رجلًا مُدركًا تمامًا لهذا الحق. إنه لم ينسَ كلمة الله، ولا نسيَ أن صلاته لله سوف تُتمم وتحقق صلاة سليمان، فيقول الله: نعم، إن أذنيَّ وعيني وقلبي هي باستمرار نحو الهيكل (٢أخ٧: ١٢-١٦).

لقد تمركز اهتمام الله في هذا المكان. وعدم أمانة الأُمَّة نزعها من هذا المركز، لكن هذا لم يغير قط حقيقة أن الله مهتم تمامًا بالمركز واسمه الحال هناك. وها نحن نجد رجلًا في السبي مُتذكرًا تلك الكلمة، وعلى دراية تامة بأن الصلاة طبقًا لذلك يسمعها الله، وقد فعل هكذا. في جب الأسود، وفي كل الظروف، جاء الله لغوث وإعانة خادمه. فكان باستطاعة إلهه أن ينقذه دائمًا، تمامًا كما أنقذ الرجال الثلاثة (دانيال٣). آه، يا له من إله عجيب ذاك الذي شهد عنه دانيال! وبينما قضى الملك ليلته بلا نوم، كان دانيال في سكينة تامة بين الوحوش، إذ سد الله أفواهها، بقوة معجزية لصالح خادمه. يا له من إله!

كان دانيال مشغولًا بأمور الله. ثلاث مرات في اليوم يحني ركبتيه، يومًا بعد يوم، فاتحًا كواه تجاه أورشليم. إني متيقن أنه لم يكن دائمًا يصلي لمعونته الشخصية أو لتشجيعه، بل كان يسكب اشتياق قلبه ألا يظل شعب الله مُقيدًا في السبي أيضًا، بل أن يُنقذ من السبي، ويُقاد إلى المركز الإلهي، ليتمتع بفكر الله الذي قصده لشعبه. إني أومن أن ذلك هو الحِمل الأساسي الذي حمله دانيال في الصلاة، وهو يحني ركبتيه في محضر الله، لكي يتدخل الله بهذه الطريقة.

لقد حفظ الله حقوق خادمه. وبينما مات الملوك والأباطرة تباعًا، استمر دانيال وازدهر (دا٥: ٣١؛ ٦: ١-٣). وأما تغيير الحكام فلم يؤثر مطلقًا على حياة دانيال، بل استمر بهدوء في تتميم ما يُسرّ الله. يا له من رجل! وهذا أيضًا كان نتيجة حياة الصلاة التي عاشها، والبِرّ الذي انتهجه في حياته، وسعيه لتتميم مسرة الله. هذه هي الأمور التي دعمته وتبرهنت بطريقة مُتميّزة.

وهناك ملحوظة أخرى وهي أن دانيال “جَثَا (رَكَعَ) عَلَى رُكْبَتَيْهِ” وهو يُصلي (دا٦: ١٠). آه، إذا كان لدينا وقت، لنركع. دعونا نحني ركبنا في محضر جلال الله الفائق، ونعلن احترامنا التام له. مهما عظمت البركات التي منحنا إياها، إلا أننا ما زلنا مخلوقات ساقطة. يا له من امتياز لنا أن نحني ركبتينا فعليًا، مُقرين أننا نعرف تفوق وعظمة ومجد الله!

حديثًا، كان لي امتياز زيارة ألمانيا وهولندا. ويا له من مشهد جميل أن رأيت ٩٠٠ أخًا وأختًا منحني الركب وقت الصلاة. لقد مس هذا المشهد قلبي. آه لو هذا الولاء هو ما يُميزنا! إنه هنا فردي، لكن ليس مِن سبب ألا يكون جماعيًا في مناسبة مواتية. لقد اعتبر “تشارلس ماكنتوش” أن عدم انحناء الركب في الصلاة هو استخفاف، طالما كانت هناك إمكانية لفعل ذلك، وهو يُعتبر تصرف عادي في محضر الله العظيم والمجيد، الذي يفوقنا بلا حدود.

إن الركوع في الصلاة هو فعل طبيعي يدل على الاعتراف بسيادة وعظمة الله السرمدي. هل شعرت أبدًا أنك مدفوع لتحني ركبتيك لله؟ أنا لا أقصد مدفوعًا بالقوة، لكنك مدفوع لأنك تشعر أن الصواب هو أن تحني ركبتيك له. ربما يكون هذا توَّجُه عادي تبدأ به، لكن الرب يقول: “كلا. يجب ألا يكون هناك ما هو عادي في محضري. انحنِ في إدراكٍ لسيادتي”. وهناك أمثلة جيدة، وعلى رأسها كلها، الرب يسوع المسيح نفسه، ونحن نراه جاثيًا في بستان جثسيماني. منحنيًا تحت ثقل الصليب الآتي عليه، وكل ما يعنيه، فجثا وصلى (لو٢٢: ٤١). وبولس في أعمال ٢٠: ٣٦، وسليمان (٢أخ٦: ١٣)، وعزرا (عز٩: ٥)، وكثيرون غيرهم أحنوا ركبتيهم في محضر الله أو المسيح.

أخيرًا «جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلَهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذَلِكَ». كان دانيال مسبيًّا، ليس لديه حرية. كان منصبه رفيًعًا، والرجوع إلى بلده وشعبه، والمشاركة في كل ما يؤمن به شعبه، لم يكن امتيازًا بالنسبة له. لكنه ظل يُصلي ويحمد، مدركًا أن حالته وحالة الشعب تمثل القضاء العادل لإله قدوس، شاكرًا أنه ما زال بإمكانه أن يتمتع بهذه الشركة السعيدة مع الله.

آه يا أحبائي، إن هذا الدرس مهم، وهو توَّجُه دانيال الخاص في الصلاة. إني أسأل نفسي وإياكم، هل نقضي وقتًا كافيًا في الصلاة؟ يا ليت دانيال يكون المثال لأن يحفزنا فرديًا، وفي بيوتنا، وفي اجتماع الصلاة! هنا يصلي دانيال فرديًا، لكن يمكننا تطبيق هذا التوَّجُه لصلواتنا في بيوتنا وفي اجتماعاتنا. كان أمرًا مبهجًا هذا الصباح أن أحني ركبتي مع الزوجين اللذين أسكن معهما، وأن نُغطي مشغوليات كثيرة بالصلاة.

نشكر الله من أجل البيوت التي فيها الزوج والزوجة - والأولاد أيضًا إن أمكن - يجثون معًا للصلاة، كأمر مسلم به، ولا شيء يُعطله، إلا إذا حدث أمر ما غير عادي، معه يلتمس الرب لهم العذر ويتعاطف معهم. وعندما يتربى الصغار على توّجُه الصلاة، يصير أمرًا بسيطًا أن يستمروا عليه عندما يكبرون. عمومًا، فإن الصلاة هي قوة اجتماعاتنا، فصلوات معينة لاحتياجات معينة، ليس فقط بالارتباط بالاجتماع، بل أيضًا في الأمور الدولية.

أود أن أمر باختصار على ما أعتقد أنه يُميز دانيال في صلاته وهو فاتح كُواه تجاه أورشليم. بداية، لا بد أنه كان مهمومًا بالأرض التى أخليت من سكانها بسبب عدم أمانة الأُمَّة. كانت أرضًا جيدة، أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا، لكن كان فيها ما هو أعظم من ذلك، كانت أرض الله «الأَرْضُ لاَ تُبَاعُ بَتَّةً، لأَنَّ لِيَ الأَرْضَ، وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عِنْدِي» (لا٢٥: ٢٣)، وفي صلاحه المُطلق أعطاها للأمة الإسرائيلية، ليس لأنهم كانوا أعظم أو أفضل من أية أُمَّة أخرى (بالطبع كانوا أصغر من الأمم الأخرى – تث٧: ٧)، لكنه وهبها إياهم كعطية. كان الميراث، وكل أفكار الله متمركزة في تلك الأرض، فكان دانيال يُصلي من أجلها. وبالتحديد كان يُصلي مِن أجل أورشليم، لأن اسم الله وكل اهتماماته كانت هناك، وكان دانيال يُصلي بالتحديد من أجل البيت الذي بني لاسم الله (٢أخ٦: ١٢). وأخيرًا لا بد أنه كان يُصلي من أجل اسم يهوه ذاته. تفكر في هذه الأمور: الأرض، والمدينة، والبيت، والاسم. إني أومن أن تلك الأمور كانت تُميز صلوات دانيال.

لكن ربما نقول: “كل هذه أمور تاريخية؛ فماذا يعنينا منها نحن اليوم؟” أثق أنها تعني لنا الكثير. إننا نترنم في اجتماعاتنا ونصلي لخلاص النفوس الغالية، ودعونا لا ننسى ذلك في صلواتنا. كم نحتاج إلى هذا، لكن هناك ما هو أعظم من ذلك، وهو حقوق الله حسب مشيئته المُعلَنة في كلمته. لقد أشار الله إلى كيف يجب للمؤمنين أن يجتمعوا معًا إلى اسم الرب يسوع (مت١٨: ٢٠)، بلا أي ترتيب بشرى، بدون أي شيء يُوجهّهم بروح السلطة بالارتباط بالإنسان. لقد أعطى الله تعليمات مُحدَّدة بخصوص هذه الأمور. واليوم الكنيسة هي “أرض موعده”، إن جاز لي هذا القول. وأولئك الذين أتوا إليه من خلال موت الرب يسوع المسيح هم مركز لذَّاته، وموضوع اهتمامه ورعايته. هناك إدارة محبة في رئاسة المسيح، وفي قوة وخدمة الروح القدس، وهناك تحديدًا يوجد المسيح «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (مت١٨: ٢٠). أعتقد هذا ما تمثله لنا الأرض، والمدينة، والبيت والاسم. إنها أمور هوجمت بقوة العدو، لكن في المسيح كل هذه الأمور مؤَمَّنة، ولا يمكن أن تسقط.

إن ما نريد أن نراه في هذه الأيام الأخيرة هو مزيد من التعلق بالاجتماع إلى اسم الرب يسوع المسيح، بلا أي ترتيب بشري مهما كان، لأنه لا داعٍ لرياسة أحد طالما المسيح يترأس على الاجتماع، حيث يخضع كل عضو في الجسد إلى إرشاد الرأس، وحيث توجد حرية توجيه الروح القدس، فيتحرك وسط شعبه ليرشدهم، ويقودهم ويلهمهم، وحيث نُحكم جميعنا باسم ربنا يسوع المسيح، وكل شيء يُعمَل ويُقَال بالتوافق مع هذا الاسم العظيم والمجيد. هل هذه الأمنية كبيرة على هذه الأيام الأخيرة؟ كلا، إن كنا مطيعين. وكلا، إن كنا نقبل كلمة الله كمرشد لنا. كلا، إن كنا مستعدين أن نُخضع إرادتنا لإرادة الله كما هي مُعلنة في كلمته النفيسة. إن هذا ليس فقط نموذجًا، بل إمكانية مجيدة. ويا للروعة إذا ما تحققت! لأنه في الأيام الأخيرة وقبل انتهاء فترة الكنيسة لا بد أن يكون هناك صحوة للتمسك والحماس بهذه الحقائق العجيبة، حتى متى جاء الرب يجد أولئك الأمناء لكلمته، ساهرين.

بالفعل، جاء الأشرار إلى دانيال ليجدوه يُصلي. إن اتخاذهم الإجراءات لحجب أي صلاة لغير الملك داريوس لم تعطل دانيال عن صلواته، بل استمر في الصلاة لله. ثم جاء الوقت ليقبضوا عليه ويطرحوه في جب الأسود، ونحن نعرف باقي القصة، أن الله اعتنى بخادمه.

(يتبع)

فرانك ولاس