أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2017
قصة هَاجَر
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

إن هَاجَر واحدة من أكثر الشخصيات التى يُغفل عنها في العهد القديم. عادةً ما نفكر فيها فقط بالارتباط بشخصيات مفتاحية، كإبراهيم وسارة. يمكنك قراءة قصتها كاملة في تكوين ١٦: ١-١٦؛ ٢١: ١-٢١؛ ٢٥: ١٢-١٨؛ غلاطية ٤: ٢٢-٣١.

كانت حياة هَاجَر مليئة بالظلم والحزن. كانت أَمَة، لا امرأة حرة – أمر يذكرنا به العهد الجديد بوضوح. لما استحال على سَارَاي أن تحبل بابن لزوجها أبْرام، أعطت جاريتها هَاجَر لأبْرام لتحبل عوضًا عنها، بقصد أن يُعتبر ابن هَاجَر ملكًا لسَارَاي. إننا لا نقرأ مُطلقًا أن أحدًا استشار هَاجَر في هذا الأمر. يبدو أنه لم يكن لديها خيار في هذا الموضوع. وعندما علمت هَاجَر أنها بانتظار مولود، «صَغُرْتُ مَوْلاتُها فِي عَيْنَيْهَا» (تك١٦: ٤). كان هذا خطأ، لكنه رد فعل بشري مفهوم جدًا. ربما كان رد فعل سَارَاي هو الأسوأ؛ «فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا» (تك١٦: ٦).

ضع نفسك مكان هَاجَر. كيف كنت ستشعر لو كنت في محلها؟ لقد كانت ضحية ظروف خارجة عن إرادتها، أَمَة لا رأي لها في قرارات حياتها، أَمَة لرجل ذي ٨٥ عامًا، ومضطهدة من مولاتها. ربما تكون أنت أيضًا محصورًا في ظروف مؤلمة وظالمة، وتحاول أن تهرب من ضغوط العمل الظالمة والحياة الأسرية.

من هنا تكون قصة هَاجَر غير عادية: إنها الإنسانة الأولى في كل الكتاب التى ظهر لها ملاك الرب! لقد سألها سؤالين ما زالا متاحين لحياتك ولحياتي اليوم: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِين؟» (تك١٦: ٨). خذ دقيقة لتجيب الرب عن هذين السؤالين. تذكر ماضيك دون أن تحاول إخفاء أي شيء عنه، واخبره بطلبات قلبك. تذكر أنه يعرف الإجابات، لكنه يريدك أن تفتح له قلبك بالتمام، وأن تتوقف عن الهروب منه.

ثم أعطاها الرب وعدًا مدهشًا، مطابقًا لذلك الذي أعطاه لإبراهيم: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ» (تك١٦: ١٠). كان الله يعلم اشتياق قلبها العميق، ووعَدها بما يفوق توقعاتها بكثير. كما أعطاها الرب اسمًا لابنها؛ “إِسْمَاعِيل” – الذي معناه “الله يسمع”. أليس هذا اسمًا مدهشًا؟ وبقدر ما يعني الاسم، فإنه يتفوق على معظم الأسماء التى أعرفها، ومنها “ «إِسْحَاقَ” الذي يعنى “ضَحك” الذي أعطاه الله لابن سَارَة، بعد عدة سنوات. يا له من شرف أن يعطيها الله اسمًا لابنها! أمهات قلائل نلن هذا الشرف!

فتجاوبت هَاجَر مع الرب «فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: أَنْتَ إِيلُ رُئِي. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَهَهُنَا أَيْضًا رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟» (تك١٦: ١٣). وبطريقة مماثلة، الله الذي يراك يريدك أن تعرف أنه يراك، وفي وسط تجاربك وأحزانك يريدك أن تراه! عادةً ما تدفعنا المشاكل الكبيرة في حياتنا للنزول على ركبنا، المكان الذي يمكن فيه لله أن يخترق المشهد إلينا ويرينا ذاته.

فأطاعت هَاجَر الرب، ورجعت إلى أبْرام وسَارَاي، وولدت ابنها وقبلت صعوبة الحياة كجارية لسَارَاي، وزوجة ثانوية.

وبعد ١٤ سنة، ولدت مولاتها إسحاق. وفيما بعد، في الاحتفال بفطام إسحاق، هزأ المُراهق إسماعيل بالطفل إسحاق. ولما رأت سارة هذا «قَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ» (تك٢١: ١٠؛ غل٤: ٣٠). وبالفعل قال الله لإبراهيم أنه لا بد لهاجر وإسماعيل أن يرحلا، لكن الغريب أن إبراهيم صرفها دون أي شيء سوى بعض الطعام وقربة ماء.

لاحقًا في حياة إبراهيم، كان له سَرَاري وأولادًا منهن، ونقرأ أنه صرفهم ليعيشوا بعيدًا حتى لا يكونوا منافسين لبعضهم البعض، لكنه أعطاهم عطايا عند انصرافهم (تك٢٥: ١-٦). لماذا لم يعطِ إبراهيم عطايا مماثلة لإسماعيل وهَاجَر؟ ربما يعتبر أحدًا أن صرفها يعني أنه كان يعتقها من ثمن عبوديتها؛ لكن على أي الأحوال سرعان ما نضبت المؤن، وتركت هاجر ابنها تحت شجرة، وابتعدت لتبكي في يأس.

ومرة أخرى، في أسفل نقطة من ظلمة يأسها، سمع الله صوت الغلام وكلَّمها ملاك الرب. في اللقاء السابق، علَّمها الله أنه رأى كل تحركاتها (تك١٦: ٧-١٤). هذه المرة علمها الله أنه سمع كل صرخة لها (تك٢١: ١٤-١٩). كلاهما إعلانان مذهلان خص بهما الله أَمَة مسكينة أسيئت معاملتها! هذه حقيقة مذهلة متاحة لحياتنا نحن أيضًا: الله يرانا ويسمعنا في كل وقت! مهما كانت ظروفنا، علينا نحن أيضًا أن نهدأ ونتقوى في ضوء تلك الحقيقة.

بعد ذلك نقرأ «وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا»، وأراها بئر ماء تستطيع أن تسحب منه ماءً لتنقذ حياة ابنها. وأخيرًا نقرأ «وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ» (٢١: ١٩، ٢٠). إن الله ينتظر أن نصرخ إليه، حتى يُمكنه أن يفتح أعيننا على الحلول التي نحتاجها، ولكننا لا نستطيع أن نجدها بأنفسنا. إنه يريد أيضًا أن يقود الجميع للخلاص بيسوع المسيح، الوحيد الذي يمكنه أن يعطينا الماء الحي، الذي بدونه نكون جميعًا أمواتًا روحيًا. وللآباء فيما بيننا، أي ضمان يمكننا أن نسعى إليه أفضل مما اختبرت هَاجَر – أن يكون الرب مع أولادنا وهم ينمون؟

لقد خصص الله هذه الإعلانات الخاصة جدًا عن ذاته والوعود العجيبة عن المستقبل، إلى امرأة لا شأن لها إنسانيًا، وقعت قرعتها في حياة ظروفها مجحفة وقاسية. إنه يُسرّ أن يفعل نفس الشيء اليوم. مهما كانت حالتك، أصرخ إلى الرب. إنه يتوق أن يصل إلى قلبك ويلمس حياتك، ويجعل قصتك جزء من خطته الكاملة. الله يراك ويسمعك. إن كان الله قد استطاع أن يعمل في حياة هَاجَر، فهو يستطيع أن يعمل في حياتك!


أندرو نن