أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2015
أهمية الأمور الصغيرة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ» (كو3: 23-24)

بينما كنت أقرأ قصة جدعون في سفر القضاة 6- 8 انتبهت فجأة إلى عُظم عدد الأعداء المُتكتلين ضد جيش جدعون الضئيل المكون من 300 رجل. وحسب قضاة 8: 10 كان عدد جيش “بني المشرق” مكونًا من 135000 جندي. فكانت النسبة 450 إلى 1! أتكلم إنسانيًا؛ لقد كان جدعون متهورًا ليقود معركة تحرير ضد جيش مثل هذا. ولكننا نعرف القصة كاملة؛ لقد بدأ جدعون بالفعل بجيش مكون من حوالى 32000 جندي مما كان ليُحسّن احتمالات إحراز انتصار. لكن كانت لدى الله خطط أخرى لغربلة وتنقية هذا الجيش إلى 300 رجل فقط. لماذا؟ ليمنع الإسرائيليين من أن يعزوا فضل النصر لأنفسهم.

إننا نجد مبدأ الاحتمالات المستحيلة عبر كل الكتاب. فإبراهيم ومعه 318 من خدامه المُتمرِّنين انتصروا على جيوش أربعة ملوك لينقذوا لوطًا. إننا لم نُخبَّر بمدى ضخامة وقوة جيوشهم، لكن هؤلاء الملوك الأربعة شعروا بعُظم جيوشهم، حتى إنهم بدأوا حربًا ضد خمس ملوك آخرين؛ فبلا شك أن تعداد قواتهم كان بالآلاف. وإن كنا لم نُخَبر بتفاصيل كثيرة عن المعركة لكن ملكي صادق قال لإبراهيم أن: «اللهُ الْعَلِيُّ ... أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ» (تك14: 20).

ومثال آخر جدير بالذكر لهذا المبدأ هو عودة مجموعة صغيرة من الإسرائيليين المسبيين في عزرا 2 دون أن يكون معهم جيش كبير ليحميهم وهم مسافرون. وبالمقارنة بأيام مجد إسرائيل كان هذا العدد العائد يبدو تافهًا وبالتأكيد ضعيف أيضًا، لكن بلا شك أنه كانت لدى الله خطة معينة وقصد من نحوهم.

لقد أرسل الله النبيين زكريا وحجي ليشجعوا الإسرائيليين في الوقت الصعب لإعادة البناء، ففي زكريا 4: 6، 7 أعطى الملاك رسالة إلى زكريا عن زَرُبَّابِل الذي قاد الفوج الأول للراجعين من السبي: «لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلاً!». يا له من وعد مشجع أن تختفي كل المعوقات، لا بالقوة العسكرية، بل بقوة الروح القدس! ثم وعد الرب أيضًا: «إِنَّ يَدَيْ زَرُبَّابِلَ قَدْ أَسَّسَتَا هذَا الْبَيْتَ، فَيَدَاهُ تُتَمِّمَانِهِ، فَتَعْلَمُ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. لأَنَّهُ مَنِ ازْدَرَى بِيَوْمِ الأُمُورِ الصَّغِيرَةِ» (4: 9، 10).

في حجي 2: 3 تكلم الرب إلى زربابل وإلى الشعب قائلاً: «مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأَى هذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأَوَّلِ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ!». هل كان هذا التوبيخ لطيفًا؟ هل أُحبط زربابل والشعب لأن مجهوداتهم في إعادة بناء الهيكل كانت دون مستوى مجهودات سليمان؟ واضح أن بعضًا من الشيوخ الذين كانوا يذكرون الهيكل الأول أُصيبوا بخيبة أمل، فبكوا لما رأوا الأساسات الجديدة، أما الأجيال الأحدث ففرحوا بما قد أُنجز (عز3: 13).

إن العهد الجديد يؤكد هذا المبدأ بوضوح فكتب الرسول بولس بخصوص مشكلة الشوكة التي في جسده: «لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (2كو 12: 10). كما قال قبلاً: «اخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ» (1كو1: 27). لماذا؟ «لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ» (1: 29). فالله له قصد مزدوج: أن يُخزى المتعجرفين، وأن يمنع خدامه عن الكبرياء.

بلا شك أن المثال الكامل لهذا المبدأ هو الرب نفسه وبالأخص عند موته: «لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ ضَعْفٍ، لكِنَّهُ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ» (2كو13: 4).

ربما يشعر البعض منا اليوم بالإحباط بسبب مجهوداتنا الضعيفة في خدمة الرب، وربما يبدو عملنا تافهًا مقارنة بخدمات مؤمنين آخرين، لكننا بحاجة لأن نتذكر أن الله دعانا لخدمة محددة، والأمر يرجع له سواء نَمَت خدمتنا أو بقيت كما هي أو تقلصت. فالنجاح في الخدمة المسيحية يجب ألا يُقاس بمقاييس بشرية، لأنه عمل الله، وهو المتحكم فيه، وليس من خدمة بلا قيمة أمامه.