أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2015
ابن الله في أمثال 8
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإن أمثال 8 هو أحد أوضح البراهين على أن الرب يسوع هو ابن الآب منذ الأزل. بالتأكيد ليس هذا هو الجزء الكتابي الوحيد الذي يثبت هذا الحق الثمين والبديع، لأن الوحي كله متحد في هذا الصدد. ومع هذا فإن هذه الكلمات كُتبت لتجاوب بعض الحجج التي أثارها البعض رافضين تطبيق الحكمة كصورة للرب يسوع.

يخبرنا العهد الجديد بأن المسيح هو «قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ» (1كو1: 24). فهل يمكن أن أصحاحًا مثل أمثال 8 يتحدث باستفاضة عن موضوع الحكمة، ولا يكون له رابطة بالمسيح؟

ومع هذا فإن أحد الاعتراضات هو أن الحكمة يُشار إليها في العددين 1، 2 بالمؤنث، وبذلك فلا يمكن أن تكون الإشارة هنا للمسيح شخصيًا. هناك إجابة جميلة عن هذا وهي أن الأعداد 1-11 تستخدم ضمير المؤنث في الكلام عن موضوع الحكمة في تأثيرها، إذ إنها تطلب التجاوب من الأفراد.

لكن بدءًا من عدد 12 لنهاية الأصحاح، لا يُستخدم ضمير المؤنث. في الحقيقة، إن الكاتب في الأحد عشر عددًا الأولى يقدم وصفًا لأفعال وأقوال الحكمة في صفتها المؤنثة. لكن من عدد 12 لا يقدم وصفًا بل شخصًا يدعو نفسه «أَنَا الْحِكْمَةُ» متكلمًا مباشرة. هنا ليست الحكمة في تأثيرها فقط بل في ذاتها. لهذا فالتركيز ليس كيفية تأثر الناس بها، بل عن الحق الصريح بغض النظر عن تأثيره على البشر. فكل هذا الخطاب الطويل ليس المقصود به أن يكون نموذجًا لنتبعه، بل أن يكون بيانًا عن حقائق رائعة لنُحني قلوبنا بالسجود عند قدمي ذاك الذي هو الحكمة.

وبعد هذا الاستعراض العظيم للشخص، يعود أصحاح 9 إلى تأثير الحكمة مستخدمًا الضمير المؤنث، لأنه من الطبيعي أنه بعد الحديث عن الحكمة في ذاتها، يكون هناك تفاعلاً وتجاوبًا ظاهرًا. إنها النتيجة الجميلة للخضوع للرب يسوع وحكمته الصافية.

اعتراض آخر على تطبيق هذه الأعداد على الرب يسوع هو أنه في عددي 24، 25 يتكلم عن الحكمة أنه “اُبدِء”، مما يفترض أن الحكمة ليست كائنة دائمًا، بينما المسيح سرمدي. لكن هذا الرأي لا يأخذ في الاعتبار عددي 22، 23 الذي يعلن الحكمة فيهما أن «اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ ... مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ*». لذلك لا يمكننا اعتبار أن كلمة “أُبْدِئْتُ” تعني أن هذا حدث في نقطة ما في الزمان. وكما أنه منذ الأزل “مُسِح” كذلك هو “اُبدء” منذ الأزل. وبالمثل، دُعي الرب يسوع «الابن الوحيد لله»** (يو3: 18). وقد تجاسر البعض مكابرين بأن هذا يعني ضمنيًا أن المسيح قد صار ابن الله في لحظة ما من الزمان، لكن هذا ليس صحيحًا، فبالحري تشير العبارة إلى أنه ابن لله أزلاً. إن أفكار الإنسان لا يمكنها أن تحل هذه المعضلة، لكن كلمة الله تستطيع.

كذلك، إن تجاسرنا بأن نطبق كلمات الوحي هذه على مبدأ الحكمة فقط وليس على الرب يسوع، فهل نقول بذلك أن الله اكتسب الحكمة عند نقطة معينة في الزمان؟ بالتأكيد إن كل مؤمن سيعتبر مثل هذا الفكر بلا قيمة على الإطلاق. فكما أن حكمة الله أزلية، كونها واحدة من صفاته الأزلية، هكذا أيضًا ابنه الحبيب هو في الحقيقة أزلي، الذي هو الحكمة متجسدًا.

هذه الأعداد (12-26) بارعة الجمال في وصف شيء عن العلاقة والشركة بين الأقانيم، وليس فقط جوهر أو مصدر فرحة الله. صحيح أن لذة الله يُعبَّر عنها على أنه الحكمة (ع 30)، تمامًا كما أن الرب يسوع، ابن الآب، يتلذذ بالشركة مع الآب، وهي شركة وعلاقة أزلية.


ليزلي م. جرانت