أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2018
أقوال صادقة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّ كُلَّ قُبُول»

(١تي١: ١٥؛ ٤: ٩)

يحدثنا الرسول بولس ثلاث مرات في رسائله عن كلمات صادقة (١تي١: ١٥؛ ٤: ٩؛ تي٣: ٨). إننا مولعون بالأقوال المأثورة. إني ألاحظ ذلك يومًا بعد يوم، فلا يمر يوم دون أن أقابل أحدهم يقول تعبيرًا لطيفًا من الأمثال الشعبية. وكثيرًا ما لا نفكر في هذه المقولات، بل فقط نقبلها دون فحص، لكن من الحكمة أن نفحصها. أتذكر في وقت نهضة ويلز، عندما ذهبت إلى هناك في عام ١٩٠٥ وقمت بعمل زيارات، ومعي بعض النبذ المفيدة من الإنجيل لتوزيعها، روى لي صديق كنت أعرفه جيدًا هذه الحادثة: في أحد الأيام قرع بابًا، وفتحت له امرأة ثرثارة، يبدو أنها كانت غير مؤمنة، وبالرغم من كونها تعيش حيث كانت نفوس كثيرة تخلص وتتغيَّر، لكنها كانت تبدو أنها في طريقها لأن تفقد الفرصة للخلاص. فقالت: “شكرًا لمنحي هذا الكتيب، لكني لا أعتقد أني بحاجة إليه، أنوي أن أكون صالحة في يوم ما، وهناك متسع من الوقت أمامي لكي أتفكر في الأمور الدينية”. ثم قالت: “كما تعرف، يقول الكتاب المقدس: ليس الوقت متأخرًا أبدًا للإصلاح”. فتجهم صديقي - إذ إن الكلام كان مأساويًا حقًا – وقال: “هل هذا حقيقي؟!” وبينما هو يجذب كتابه المقدس من جيبه، أضاف: “أتعرفين يا سيدتي؛ لقد قرأت الكتاب المقدس لسنوات عدة، لكني لم أقرأ قط هذه المقولة فيه. أعتقد أنه علىّ أن أخبرك أنك مُخطئة، لأن الكتاب لم يقل قط في أي مكان فيه: ليس الوقت متأخرًا أبدًا للإصلاح”.

أُخذت المرأة بهذه العبارة، فاستطرد قائلًا:“ ويمكنني أن أقول لك لماذا هي ليست في الكتاب المقدس”. فبادرته بالسؤال: “لماذا؟” فأجاب: “لأنها ليست صحيحة يا سيدتي، أنت متأخرة جدًا على الإصلاح”.

في العهد القديم، مرارًا وتكرارًا، قال الأنبياء لشعب إسرائيل الذي كان تحت الناموس: “أصلح طرقك يا إسرائيل ... أصلح أعمالك ... تحولوا إلى ناموس الله المقدس ... لا تشتركوا في شرور العالم الوثني الذي حولكم ... أصلحوا طرقكم”. واستمر الحال هكذا، نبي تلو الآخر يُحرض ويحث الشعب على الإصلاح، حتى حدثت المأساة الكبرى، إذ جاء إليهم مسياهم المنتظر، الرب يسوع، لكنهم للأسف رفضوه وصلبوه. من تلك اللحظة كان الإصلاح متأخرًا جدًا. ليس من إصلاح يمكن أن يرمم أو يُجمّل البشرية الساقطة؛ فاختبار الإنسان الساقط أثبت أن الوقت متأخرًا جدًا على الإصلاح. فلا تقتبس هذه المقولة كمقولة صحيحة تستحق القبول.

لو كان الرسول بولس معنا اليوم فإني متيقن من أنه كان سيقول لنا: “نعم، في الأعوام ٥٥-٦٥ ب. م. كانت هناك مقولات عديدة، تطارحها الناس معًا دون مناقشة جدواها، لكن الكثير منها لا يستحق مجرد النَفَس المستخدم في النطق بها”.

إني أذكر ذلك فقط لكي نلاحظ أن الرسول بولس كان يُشير إلى أقوال أو أمثال معينة كانت متداولة بين المسيحيين الأوائل.

الكلمة الصادقة الأولى:

عمل المسيح والخلاص الذي من نصيب كل مَن يؤمن، 
مهما كان شره

«حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ. وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِينًا، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ، أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِىَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى، الإِلهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ» (١تي١: ١١-١٧).

لو كنا عاشرنا مجتمعات المسيحيين الأوائل لربما كنا سمعنا أحدهم يقول: “يا له من أمر رائع أن يأتي المسيح يسوع إلى العالم ليُخلِّص الخطاة!” وشكرًا لله من أجل هذا القول، وهو صادق، فالمسيح يسوع جاء إلى العالم ليُخلِّص الخطاة؛ الناس الذين عميت أذهانهم وأظلمت بالخطية، إلا أنه مبارك وصادق القول، أن نعمة المسيح المُخلِّصة يمكنها أن تصل إلى هؤلاء.

وإذ قال الرسول هذا، فهو يعطينا سببًا لوضعه الختم الإلهي للمصادقة على مثل هذه الأقوال: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول». عادةً ما أميل لأن أفسر هذا القول بطريقتين: أولًا: أنها مستحقة للقبول التام من كل القلب، وليس ٩٩ ٪ قبول، بل ١٠٠ ٪ قبول. لكنها صحيحة أيضًا إذا ما فهمتها بهذا المعنى، أنها مستحقة قبول جميع الناس. اذهب حيثما تشاء في تلك الأيام الأولى، وسط البرابرة، وغير المثقفين، وأنصاف المتوحشين العائشين في ضواحي وأطراف الإمبراطورية الرومانية والحضارة. أو اذهب إلى اليونانيين المُثقَّفين، الأذكياء والفهماء، رغمًا عن كونهم ما زالوا وثنيين، وليس لديهم معرفة حقيقية بالله. واذهب إلى اليهود، الذين كانوا تحت الإرشاد الإلهي والوصايا الناموسية لقرون عديدة؛ جميعهم احتاجوا لهذا القول. إنها حقيقة مستحقة كل قبول، في كل بقعة، ومن كل إنسان، ومنك أنت أيضًا، إذا لم تكن قد قبلتها حتى الآن. إن الناس الأوفر حظًا في انجلترا المتقدمة المتميزة يحتاجونها، كما أولئك البؤساء الذين في غابات أفريقيا الوسطى الكثيفة الفقيرة المتخلفة.

الكلمة هي «أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ». هذا لا ينطبق عليك إن لم تكن خاطئًا. إن كنت واحدًا من الناس ذوي البر الذاتي، فأنت تستثنى نفسك من نعمة المسيح المُخلِّصة. ومَن قال هذا القول؟ الرسول بولس. ومَنْ هو الرسول بولس؟ حسنًا، دعونا نقرأ ما كتبه عن نفسه في رسالته لمؤمني فيلبي؛ هناك يُخبِرنا بأنه كان يتحصَّن خلف كل طقوس اليهودية. لقد كان سليل عائلة يهودية تنحدر من إبراهيم، بدم يهودي نقي، لم يختلط بدم أي سلالة أخرى. ومِن جهة الناموس، كان فريسيًا، غيورًا، مُدقّقًا، مُتديّنًا، إلى أقصى درجة (في٣: ٤-٦). لكن عندما تقرأ ما يقوله عن نفسه هنا (١تي١: ١٢-١٧)، ربما تقول: “هل هذا هو نفس الشخص المؤهل دينيًا جدًا بين اليهود؟! هل يمكن لإنسان بهذا المقام أن يتحدث عن نفسه كما فعل؟! إنه يقول: «أَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِينًا، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ، أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا».

إن التجديف هو بوضوح خطية ضد الله. فنحن لا نجدف على أحدنا الآخر، بل التجديف هي كلمة تستخدم بالارتباط بالله. ومتى جدف بولس؟ مع كل تدينه وفريسيته، إلا أنه عندما جدف على يسوع الناصري، فقد جدف على يهوه إله إسرائيل، لأنه لم يُميِّز أنه هو الله. فباعتبار إلوهية المسيح، كان بولس مُجدّفًا. لم يكن مُمكنًا أن يُجدِّف على يهوه، إله إسرائيل العظيم، مُعطي الناموس، إيلوهيم، لكنه جدف على يسوع. لكنه تنبه إلى حقيقة أنه مُجدف من حيث موقفه من نحو المسيح.

ولقد كان مُضطهِدًا في توجهه من نحو الذين اتخذوا يسوع لهم ربًّا وسَيِّدًا، فاضطهد المسيحيين إلى الموت.

ثم كان مفتريًا، وهي حالة أشمل. وفي ترجمة أخرى تأتي العبارة هكذا، كان “رجلاً متعجرفًا عنيفًا”. وأعتقد أنه كان هكذا فعلاً. كان رجلاً ذا قدرات ذهنية جبارة، وإصرار هائل، وكان ذا سطوة حديدية على أي إنسان، لكن الرب كان – ولا يزال – يستطيع كبح جماح، والإمساك بزمام كل إنسان، مهما كانت عجرفته وهيجانه وعدم ترويضه!

كان هذا هو الرجل الذي هاج وثار على المسيحيين الأوائل، لكن انفتحت عيناه واكتشف ما كان يفعل، لذلك قال فيما بعد إنه «أَصْغَرُ الرُّسُلِ، أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ» (١كو١٥: ٩). وكان متدينًا جدًا في أيامه التي كانت قبل تغييره، فقال: «وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي» (غل١: ١٤). لقد اعتلى قمة شجرة الديانة اليهودية، ولكن «تَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا»، بالرغم من كونه “أول الخطاة” (١تي١: ١٤، ١٥).

هذه هي محاجته هنا. إنها كلمة صادقة. فكأنه يقول: “عزيزي تيموثاوس، هذه ليست ملحوظة يستخدمها الناس دون تفكير حقيقي واختبار، حقق فيها وتدارسها أنت؛ إنها صادقة”. ليس من دليل أقوى على صدق هذه الكلمة من أن شاول الطرسوسي كان “أول الخطاة”. وإن كان المسيح يسوع الذي جاء إلى العالم ليُخلِّص الخطاة، قد خلَّص أول الخطاة، إذًا ليس من خاطئ على وجه الأرض لا يقدر المسيح أن يُخلِّصه، فهو خلَّص أول الخطاة.

وها قصة توضيحية لذلك. اعتاد الناس في الهند قديمًا على ركوب الأفيال، وأتى أحدهم إلى كوبري متهالك فوق نهر، فوضع الفيل رجله الأولى على الكوبري، ثم الثانية، وبحذر شديد وضع الثالثة، ثم أخيرًا الأخيرة. ثم بعد لحظات مشى ببطيء ليعبر عليه. وبعد قليل جاء رجل ضخم وتساءل: “إنني أشك أن هذا الكوبري يُمكنه حملي! هل أُعتبَر مُتهورًا إذا حاولت العبور عليه؟” فقيل له: “كلا، لقد عبر الكوبري للتو فيل ضخم يزن خمسة أطنان! فبلا شك سيتحمَلك الكوبري!” هذا التوضيح سمعته عندما كنت شابًا. وهكذا يقول الرسول بولس بحق: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا»، وهكذا يمكن أن يخلص أي إنسان.

إنها مسألة رحمة. يجب أن ألفت انتباهكم إلى هذا قبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى؛ «لَكِنَّنِي لِهَذَا رُحِمْتُ» (ع١٦). لم يكن بولس يستحق الرحمة، بل كان يستحق الإدانة فقط، لكنه نال رحمة. لا أعرف مؤمنًا حقيقيًا لا يقول: “يا لها من نعمة قد وصلتني لتحول أفكاري عن نفسي وعن طرقي الشريرة، ولتأتي بي إلى قدمي الرب يسوع المسيح!” هكذا فعل الله مع شاول الطرسوسي، أول الخطاة، ومعي ومع ملايين آخرين. إن الرحمة هي القاعدة الأساسية الوحيدة التى منها يصل الخلاص إلى أي إنسان في هذا الوقت، أو أي وقت آخر.

الكلمة الصادقة الثانية:

مواعيد الله صادقة فيما يختص بمكافأة التقوى

«وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى. لأَنَّ الرِّيَاضَةَ الْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيل، وَلكِنَّ التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْعَتِيدَةِ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول» (١تي٤: ٧-٩).

بعد أن عرضنا الكلمة الصادقة الأولى، نتحرك إلى الثانية المُتعلّقة بالتقوى؛ الحياة بحسب فكر الله. وإذ يكتب الرسول هذا، فهو يلفت انتباه تيموثاوس: “الآن يا تيموثاوس، أريدك أن تدرب نفسك على التقوى (أو الطهارة). هذا النوع من التدريب هو داخلي يُجرى في القلب والفكر والضمير. فهو ليس تمرينًا عضليًا، خاصًا بالأيدي والأرجل والرئتين؛ الأمر النافع للقليل، ولكن التدريب على التقوى هو نوع آخر من التدريب الذي يؤثر على القلب والضمير والذهن. وهو نافع لكل شيء، وليس لقليل. وذلك لأن «التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ»، وأيضًا «لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْعَتِيدَةِ». كانت هذه أيضًا مقولة متداولة بين مؤمني أنطاكية الأوائل، وأيضًا في كل مكان، فكان المسيحيون الأوائل يقولون لبعضهم البعض: “إن حياة التقوى التي تعرّفنا عليها نافعة الآن، وأيضًا نافعة للحياة الآتية”.

منذ فترة كنت عائدَا من اسكتلندا ودار حديث مُميَّز بيني وبين صديقي. حينما كان في سن الــــ١٩ كان يعمل في منجم فحم، واعتاد الشراب بكثرة. كان يحصل على ١٤ جنيهًا في الأسبوع، لكنه كان يُنفق منها ٥ جنيهات، بصفة مستمرة، على السجائر والخمر. لم يكن باستطاعته العيش طويلًا على هذا الحال، لكنه الآن تقدم إلى حياة نافعة. إنها نافعة لطول العمر. إني أعرف العديد من خدام الله الذين يعتنون بأجسادهم، وعاشوا عمرًا مديدًا بصحة جيدة، بعد أن مات معاصريهم غير المؤمنين بسنين كثيرة. لماذا؟ لأنهم لا ينغمسون في أي من أمور هذا العالم المُضرة، بل يعيشون حياة التقوى. من النافع جدًا، من أجل الحاضر، أن تعيش حياة التقوى. بل إن التقوى أنفع أضعافًا كثيرة للحياة الآتية.

إن الإنجيل يُعرفنا بطابع جديد للحياة. فالإنسان التقي، المُتجدد يقبل هذه الكلمة الصادقة: «التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ». فهو لا يكتفي بالرياضة الجسدية، ولا سيما وقت الشباب، بل يحيا حياة التقوى النافعة للحياة الحاضرة وأيضًا للحياة المستقبلة. انظر إلى الرسول بولس، الذي تغير وتجدَّد، الذي كان أول الخطاة. يا له من يوم آت لبولس عندما يكون في حضرة الرب يسوع، ويُقابل آلاف ممن تغيروا بواسطته! يا له من يوم! لقد كتب بولس شيئًا صحيحًا جدًا، ونحن نقبله. هذه الحياة التقوية هي الحياة النافعة لكل شيء. هذا هو طابعها. إن الرجل التقي هو من لديه صفات مسيحية أصيلة. أوصيك بها. إن كنت تستطيع أن تقول: “نعم، إني بنعمة الله أعرف قوة الرب يسوع المسيح المُخلِّصة”، فهذا يستحضرك إلى صنف جديد من الحياة وهي حياة نافعة؛ امضِ في طريقها.

الكلمة الصادقة الثالث:

ممارسة الأعمال الحسنة هي النتيجة الطبيعية لخلاصنا

«صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ. وَأُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هذِهِ الأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً. فَإِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ» (تي٣: ٨).

لا بد أن تُعبّر الحياة عن نفسها بالسلوك. لذلك نجد هذه الملحوظة الثالثة. لقد أرسل الرسول بولس تيطس إلى كريت لكي يُقيم شيوخًا في كل مدينة. وفي تيطس ١: ١٢ نجد أن الكريتين، بالرغم من كونهم وثنيين، كان لهم أنبياء خاصين بهم، ولهؤلاء أقوال صريحة بخصوص الكريتيين، واضح أنها أثارتهم بسبب صراحتها: «الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ (أو حيوانات مفترسة). بُطُونٌ بَطَّالَةٌ (أو شرهين كسالى)» (تي١: ١٢). لم يكن هذا التقرير اتهامي، لكن واحد منهم هو من قاله، وكانت «هَذِهِ الشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ» (تي١: ١٣). لم يكن بإمكانهم الالتصاق بالحق، بل هاجوا، وجرحوا بعضهم البعض كالوحوش الضارية، ولم يريدوا أن يشتغلوا، مع كونهم يريدون أن يأكلوا بنهَم. سمعت شيئًا من هذا القبيل اليوم. رجل يعمل على الطريق كان جالسًا أثناء العمل يدخن سيجارة، وعندما رأى استياء زميل له من تصرفه، رد عليه قائلًا: “الأغبياء والخيل فقط هم مَن يشتغلون”. لكن واضح أنه مجرد شره كسول. هذا كان طابع الكريتيين.

الآن ونحن مؤمنون، وتجري الأمور على منوال الكريتيين، من حولنا، على هذه الأرض. ففي الصحف نقرأ كل يوم عمَن هوجم في الشارع، ومن سُلِبَ، ونعتبره أمرًا عاديًا في هذه الأيام؛ الوحوش المفترسة مع الكذابين والشرهين الكسالى من حولنا. ولكن ماذا عن المؤمنين؟ يجب أن نتمسك بهويتنا. وماذا يقول الرسول بولس؟ “الآن انتبه يا تيطس وأنت تعيش على تلك الجزيرة غير العادية، حيث يتسم الناس بهذه السمات الرديئة”. إن «هَذِهِ الشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ» (تي١: ١٣)، لكنه لا يقول «وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ»، لأنه يفكر الآن في تيطس وسط أناس لا يمكن أن يقبلونها، لكنه يقول: “أريدك أن تقرر هذه الأمور باستمرار؛ تقول للناس هل آمنتم بالله؟ إذًا عليكم أن تهتموا بممارسة الأعمال الحسنة. وهناك طريق واحد لفعل ذلك، وهو من خلال ربنا يسوع المسيح. هل آمنتم بالله؟ استمروا في ذلك، وأكدوها دائمًا، إنها صادقة (تي٣: ٨). إن كنت قد آمنت حقًا بالله، إن كنت مؤمنًا، احرص على تتميم الأعمال الصالحة. دع تقواك، وطابعك المسيحي الصحيح يتبرهن ويُستعلن بأعمالك. احرص أن تتمم الأعمال الصالحة”.

هذه هي الأعمال التي يتكلَّم عنها الرسول يعقوب في رسالته؛ أعمال الإيمان. يعتقد البعض أن هناك تناقضًا بين أقوال بولس في الرسالة إلى رومية، وبين أقوال يعقوب في رسالته، لكن الأمر ليس هكذا. فالإيمان الذي يتحدث عنه الرسول بولس في رومية ٣؛ ٤ «لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ»؛ إنه يتحدث عن أعمال الناموس. إنه يقول: “عليك استبعاد كل فكرة عن القيام بأعمال لتأسس نفسك على أرضية بر في محضر الله. فأعمال الناموس مرفوضة”. لكن يعقوب لا يتكلَّم عن أعمال الناموس، بل عن أعمال الإيمان. فيقول: “نعم، أنت لك إيمان، ويجب أن تُعبِّر عن إيمانك وتًعلِنه. فعليك لا أن تقول فقط: “أنا أومن، دون أي مظهر خارجي في حياتك”. إن كان هناك إيمان حقيقي، فسيُعبِّر عن نفسه بأعمال من نظام آخر مختلف عما هو معروف في العالم الذي تمر فيه. احرص أن تعمل أعمالًا صالحة. هذه الكلمة صادقة. دعونا نتذكرها جميعًا.

الخلاصة: هذه هي الثلاث كلمات الصادقة التي وجهها الرسول بولس في القرن الأول. إني لموقن أني أقف على أرضية صحيحة عندما أقول لكم أنها على قدر عظيم من الأهمية الآن، كما كانت وقتئذٍ، وعلى قدر من الأهمية في بلادنا، كما كانت في البلاد التي كتب إليها الرسول بولس: لا خلاص سوى في الرب يسوع المسيح وعمله، ليس على أرضية الاستحقاق بل على تلك التي للرحمة من خلال نعمة ربنا، ولو نلناها تعمل فينا تغيير في الشخصية، فنتبع التقوى. ويُعبَّر عنها بأعمال صالحة حسب فكر الله. هذه الكلمات صادقة، ومستحقة كل قبول. أرجو أن ننهض جميعًا بعد أن تأملناها باختصار، وأن نسعى لكي نجعل هذه الأقوال الصادقة عاملة في قلوبنا وفي حياتنا. إن فعلنا هذا سنتبارك ويتمجد الله.

ف. ب. هول