أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2018
شاولان
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

إن القراءة الأولى (٢تى٣: ١-١٥) تصف لنا بطريقة صحيحة الحالة الحقيقية للشهادة المسيحية اليوم. ويمكن أن تُقرأ جنبًا إلى جنب مع سمات العالم الوثني الموصوف في رومية ١: ١٩-٣٢. إنه أمر مذهل، بل وما يجعله أكثر سوءًا هو أن نتذكر أن ما هو مدون في رومية ١؛ ٢ يصف حالة العالم الوثني، أما السمات الموجودة في ٢تيموثاوس (والعديد منها ينطبق تمامًا على السمات السالفة الذكر) فتصف لنا بالتدقيق سمات الشهادة المسيحية اليوم. ارجع إلى كل من الجزئين وقارنهما بنفسك ستجدهما الواقع الذي يعيشه العالم الغربي اليوم. لقد وصلنا إلى المرحلة التي فيها ينكر حتى قواد الكنيسة أسس الإيمان المسيحي وعصمة الوحي المقدس، ويتكلم المبشرون بالناعمات ويتساءل الناس - حتى الصالحين منهم - عن حقيقة نار جهنم بالرغم من قول الكتاب: «غضب الله معلن من السماء» (رو١: ١٨). بكل أسف إن ما يصادفنا اليوم هو أن الشهادة المسيحية الصريحة ليست عن الصليب والدم، بل عن الأعمال الصالحة، وعن المسيحية “الاجتماعية” الملتزمة بالعالم. إنها فاترة والرب مُزْمِعٌ أَنْ يتتَقَيَّأَها مِنْ فَمِهِ” قريبًا (رؤ٣: ١٦). هل نكتئب ونحن نسعى لتبعية الرب؟ كلا، لأن مجيء الرب يقترب وهو ما يقودنا إلى القراءة الثانية: «اِفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ» (١تس٥: ١٦-١٨). يا له من اختلاف منعش عن الحالة العامة التي للكنيسة! إذ لنا بيت في الأعالي وأب غالٍ وُمحب، والمسيح فاديًا لنا، وكتاب الحق بين أيدينا، وروح الله مرشدنا الدائم، وصحبة المؤمنين كرفقاء سفرة الرحيل إلى بيتنا – إن لنا الكثير لنفرح فيه، وأيضًا لنشكر عليه. أما الصلاة فيا لها من امتياز؛ إنها الوصول إلى الله في كل وقت، سواء في البيت سرًا، أو مع العائلة أو في الاجتماع. نعم، يمكننا الصلاة بلا انقطاع الآن!

إن كل هذا رائع، لكن علينا أن نتمم هذه الأمور ليس فقط معًا، لكن أيضًا منفردين، كما أنها تمارس يوميًا. وعلينا أن نتذكر أن هناك يوم سنسترجع فيه كل ما مر بحياتنا.

من القراءتان الأخيرتان لنا في هذا المقال يظهر لنا رجلان لهما نفس الاسم لكنهما انتهجا طريقين مختلفين تمامًا:

الأول هو الرسول بولس، رسول الأمم، الذي كان يهوديًا بارزًا وإناءً مختارًا، ويا له من رجل يهودي أصيل! ويمكنك قراءة سيرته الذاتية في فيلبي ٣: ٤-٦ لكنه في أكثر لحظاته وعيًا يصف نفسه بأنه كان «مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا» (١تي١: ١٣). أما عينا الرب فكانتا عليه، وقابله في الطريق إلى دمشق، وأسره وهو في طريق حماقته وخزيه (أع٩)، وغيّره إلى مثال يُحتذى للمؤمنين. يا لروعته ونحن نراه في حياته اللاحقة ورحلاته الكرازية، وأيضًا ونحن نفحص وندرس رسائله. وإذ حان الوقت لنهاية طريقه استعرض حياته في ٢تى٤: ٧، ٨ «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ»، ثم يخبرنا بما ينتظره - ويا لها من فرصة! – «وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ». لكن لاحظ أنه ترك الباب لك ولى مفتوحًا «وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا». ألا تحب أن تكون من بينهم؟

لكن بالمفارقة مع هذا دعونا ننظر إلى شاول آخر هو ملك إسرائيل الأول الذي اختاره الشعب. ففي كل إسرائيل لم يوجد من كان في وسامة شاول «مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ» (١صم٩: ١، ٢). لقد بدأ حسنًا، ومُسح بالزيت، وبدأ يُحرر بني إسرائيل من قبضة الفلسطينيين، لكنه أكمل مخطئًا، وخطأه كان خطيرًا. ومن المهم أن نعرف خطأه؛ لقد أتاه كلام “رب الجنود” واضحًا على فم صموئيل النبي «فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ (رمز للجسد) وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ» (١صم١٥: ٣). فجمع شاول قوات إسرائيل – ٢٠٠,٠٠٠ راجل؛ وعشرة آلاف رجل من يهوذا؛ وأطاع وذهب في طريق طويل، لكنه في النهاية عفا عن أجاج وعن خيار الغنم والبقر. ثم أتى صموئيل ليتفقد الوضع وسأله: «وَمَا هُوَ صَوْتُ الْغَنَمِ هَذَا فِي أُذُنَيَّ, وَصَوْتُ الْبَقَرِ الَّذِي أَنَا سَامِعٌ؟». فأجاب شاول إن الشعب عفا عن خيار الغنم والبقر «لأَجْلِ الذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ». فأجابه صموئيل قائلاً: «فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ؟» (ع١٩). ثم يستطرد القول بهذه الكلمات المعروفة: «هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا الاِسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ وَالْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ» (١صم١٥: ٢٢).

إن فشل شاول في الطاعة كلفه المملكة وقاده إلى سوء النية تجاه داود الرجل الذي بحسب قلب الله. لقد قهر داود جليات في وادي البطم بمقلاع وحجر، ثم تقدم ليقطع رأسه بسيفه، فتهلل كل إسرائيل، وخرجت النساء من مدنهن واحتفلن بالنصر راقصات مغنيات «فَغَنَّتِ النِّسَاءُ اللَّاعِبَاتُ وَقُلْنَ: ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ» (١صم١٨: ٧)، «فَغَضِبَ شَاوُلُ جِدًّا». ثم نقرأ: «كَانَ شَاوُلُ يُعَايِنُ دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا» (ع٩). وفى ثورته أشرع رمحه عليه وصار عدوًا دائمًا له، بل كان يطارده باستمرار ويفتش عنه كبرغوث «كَمَا يُتْبَعُ الْحَجَلُ فِي الْجِبَالِ» (١صم٢٦: ٢٠). يا لها من لغة توضح إلى أي مدى ذهبت عداوة شاول لداود. ولا حاجة لنا للقول إن الرب حفظ داود أينما ذهب، وأما شاول فذهب من سيء إلى أسوأ. ويا لها من نهاية تعيسة تلك التي كانت تنتظره! لقد هاجم الفلسطينيون إسرائيل مرة أخرى، فسأل شاول من الرب، لكنه لم يجبه؛ وفى يأسه لجأ إلى الوسيط الروحاني الذي لم ينفعه بشيء، بل أخبره بمصيره الذي سرعان ما لاقاه، فهلك على جبل جلبوع ومعه أولاده الذين انتحروا في الغالب. بلا شك أنها نهاية حزينة، وشاول إذ كان يسترجع مساره (كما سنفعل جميعًا في نهاية أيامنا) نطق بتلك الكلمات الحزينة المؤسفة: «قَدْ أَخْطَأت ... هُوَذَا قَدْ حَمِقْتُ وَضَلَلْتُ كَثِيرًا جِدًّا» (١صم٢٦: ٢١).

أيها الأحباء: ما هي ردود أفعالنا للظروف التي تواجه اجتماعات القديسين محليًا الآن، بل أيضًا التي تواجهنا جميعًا، ونحن نرى بوضوح قرب مجيء الرب؟ يا ليت الرب يصغى إلى صلواتنا وصلوات الذين يذكرونا اليوم أينما كانوا. وبمعونة الرب – تكون طلبتنا جميعًا – أن نسير في أثر خطوات الرسول بولس، وليس في الطريق المؤسف الذي لملك إسرائيل الأول.


دانيال و . باترسون