أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
قربان الدقيق

يمكننا أن نضع عنوانًا لهذا الفصل في عبارة «هوذا الإنسان».  فقد كانت حياة المسيح هي الحياة الكاملة كما يريدها الله.  لقد وُجد إنسانٌ على الأرض استطاع أن يقول للآب: «أنا مَجَّدتُك على الأرض» (يو4:17)!  نبت قدام الله كفرخ وكعرق من أرض يابسة (إش2:53).  له فُتِحَتْ السماء، وعليه استقر الروح القدس مثل حمامة.

ويمكننا أن نرى ثلاثة أفكار رئيسية في هذا الموضوع العظيم كما يلي:

أولاً: مكوّنات التقدمة.

ثانيًا: أشكال التقدمة.

ثالثًا: الأشخاص الذين يشتركون في التقدمة.

أولاً:  المواد التي تتكون منها التقدمة

الدقيق،        الزيت،        اللبان،        الملح

1- الدقيق

ويتميز بأنه: أبيض.. ناعم.. متجانس.. قابل للضغط.

أبيض: لقد تميَّز الرب يسوع بإنسانية قُدُّوسة فريدة.  فاللون الأبيض يُشير إلى قداسته وبرّه وطهارته.  قال عنه الملاك للعذراء المُطوَّبة: «القُدُّوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لو35:1).  فهو قُدُّوس ذاتيًا بلا خطية.  وهو قُدُّوس عمليًا «قُدُّوسٌ بلا شر ولا دنسٍ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات» (عب26:7).  «لم يعرف خطية» (2كو21:5)، و«لم يفعل خطية» (1بط22:2)، «وليس فيه خطية» (1يو5:3).  الآب شهد عنه «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرْت» (مت17:3). 

الشيطان شهد عنه «أنا أعرفك مَنْ أنت: قُدُّوس الله» (مر24:1).  وفي مشهد الصليب حُوكم كمُذنب، ومع ذلك نقرأ عن سبع شهادات من الأعداء أنه بار.  لقد مات ودخل القبر قُدُّوسًا، وقيل عنه: «لن تدع قُدُّوسك يرى فسادًا» (أع27:2).  وقام وصعد إلى السماء وهو هناك يحتفظ بذات الصفة «القُدُّوس الحق» (رؤ7:3).

فما أجمله في حياته الناصعة التي خَلَتْ من أية شائبة، حتى أنه وقف يتحدَّى كل الأعداء قائلاً: «مَنْ منكم يُبَكِّتُني على خطية؟» (يو46:8).  وكم كان مُسرَّاً لقلب الله أن يرى إنسانًا على الأرض بهذه الروعة والكمال في عالم يسوده الفساد.

ناعم: فقد خَلَتْ حياته من كل خشونة.  فهو العبد الوديع الذي: «لا يُخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحدٌ في الشوارع صوته» (مت19:12).  وهو الذي قال: «تعلَّموا مني، لأني وديعٌ ومتواضع القلب» (مت29:11).  قَطّ لم يُجَرِّح أحدًا، مع أنه احتمل تجريح الكثيرين. «إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يُهدِّد، بل كان يُسلِّم لمن يقضي بعدل» (1بط23:2).  قالوا عنه: «إنك سامري وبك شيطان» (يو48:8).  أجاب يسوع: «أنا ليس بي شيطان»، ولم يقل أنا لستُ سامريًا، لكي يُحافظ على مشاعر السامريين.  كان رقيقًا مع المرأة السامرية، والمرأة الخاطئة في المدينة، والمرأة التي أُمسكتْ في ذات الفعل.  ومع بطرس في مواقف مختلفة حتى عندما أنكره.  وكان رقيقًا حتى مع يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه إذ قال له: «يا صاحب لماذا جئت؟» (مت50:26).  وفي المحاكمة «لطم يسوعَ واحدٌ من الخدام»، فكان جوابه: «إن كنت تكلمت رديًّا فاشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني؟» (يو23:18).

متجانس: كل صفة فيه ظهرت في موضعها دون أن تمس أو تُعطِّل بقية الصفات.  لقد أظهر الحنان واللطف في مكانه، وأظهر التوبيخ والصرامة في مكانها.  أظهر الوداعة، وأظهر الغيرة المقدسة.  أظهر الصلابة كالصوان، وأظهر الليونة كالشمع الذائب.  كان متوازنًا عندما أظهر الجود والكرم في إشباع الجموع، وأظهر الحرص وعدم التبذير في جمع الكِسر.  كان يهتم بالأمور العظيمة والأمور الصغيرة على السواء.  فقد أقام ابنة يايرس من الموت، وقال أن تُعطى لتأكل.  كان يُشارك في الأفراح والأحزان بمشاعر صادقة. 

إنه من المستحيل أن نجد هذا التجانس الفريد في أي إنسان مهما كان.  فموسى الذي كان حليمًا جدًا، فرّط بشفتيه.  وإيليا الشجاع والجبَّار، كلَّ وخار.  وبطرس الذي كان غيورًا ومتحمسًا، أظهر جُبنًا وتراجعًا.  ويوحنا الحبيب الذي تميِّز بالحنان أظهر مرة تعصّبًا ممقوتًا.

قابل للضغط: وقد تعرَّض ربنا المعبود لكل أنواع الضغوط، واحتمل بصبرٍ كل أنواع المقاومات.  ومهما كانت الضغوط عليه من الخارج فقد ظل متوازنًا، ولم تؤثر فيه الحوادث ولا غيَّرت الظروف منه شيئًا. بل إن الضغوط أظهرت ما فيه من نعمة سامية ومرونة عالية.

2- الزيت

 وقد ذُكر بالارتباط  بالتقدمة سبع مرات.  وهو رمز للروح القدس.  ويُذكر عن قربان الدقيق أنه «ملتوتٌ بالزيت»، أي أن الزيت يتخلل كل ذراته.  وفي هذا نرى أن الرب يسوع قد حُبل به بالروح القدس.  كما قال الملاك للعذراء: «الروح القدس يَحِلُّ عليك، وقوة العَليِّ تُظَلِّلُك، فلذلك أيضًا القُدُّوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لو35:1). 

وأيضًا يُذكر في الرمز أنه «مسكوبٌ عليه زيت».  وهذا ما حدث في مشهد معمودية الرب يسوع في نهر الأردن، حيث نزل الروح القدس مثل حمامة واستقر عليه.  لقد قيل عنه: «كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المُتَسلِّط عليهم إبليس» (أع38:10). 

وأيضًا يُقال عن التقدمة إنها «تُعمل بزيت، مَربُوكة (أي مُشبَّعة بالزيت)» (لا21:6).  وفي هذا نرى الرب يسوع وقد «رجع من الأردن مُمتلئًا من الروح القدس» (لو1:4).  وكان يُقتاد بالروح، ويُعلِّم بالروح، ويعمل المعجزات بالروح، وبروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب.  وأُقيم من الأموات بقوة الروح القدس.

3- اللبان: 

كان كل اللبان يُوقَد على المذبح، فهو نصيب الله من حياة المسيح.  إنه مصدر الرائحة العطرة، وهو يتكلم عن الحياة الأدبية الداخلية، وما تميَّز به من طاعة واتكال وتكريس واحتمال في كل أيامه وخطواته على الأرض.  ففي كل فكر أو كلمة أو عمل صدر منه كانت تصعد رائحة سرور للرب.  إن النظرة السطحية لحياة المسيح قد تنبهر بالقوات والمعجزات التي صنعها.  لكن الذي أشبع قلب الله في هذه الحياة ليس المعجزات بل الكمال الأدبي والصفات العطرة. 

وكما في الرمز نقرأ أن النار هي التي أفاحت رائحة اللبان، هكذا المرموز إليه، كلما كان يتعرَّض للتجارب ويُقرَّب من النار ويُمتحََن بالظروف المعاكسة، كلما كانت تظهر أكثر رائحة حياته الزكية وعطر صفاته الأدبية.  إنه قط لم يَشْكُ أو يتذمَّر، بل كان شاكرًا وخاضعًا لمشيئة أبيه ولسان حاله «نعم أيها الآب، لأنْ هكذا صارت المَسَرَّة أمامك» (مت26:11).

4- الملح:

وهو يرمز إلى القداسة وإدانة الشر، ويُذكر ثلاث مرات مُرتبطًا بالتقدمة.  إنه يتكلم عن الحق الصريح، ولو بدا لاذعًا وغير مُحَبَّب لأذن الطبيعة البشرية الفاسدة.  لقد كان كلام الرب يسوع دائمًا مُصلَحًا بملح.  والملح يحفظ من الفساد، ويُعطِّش النفوس إلى الله.  وكان على لسانه دائمًا عبارة: «الحق الحق أقول لكم»، حتى لو لم يُعجِب الناس.  فالإنسان الطبيعي لا يرغب في الحق الذي يكشف عيوبه ويحرِّك ضميره ويُشعره بعدم التوافق مع الله، ولهذا أبغضوه ورفضوه وحاولوا أن يقتلوه.

ما لم يكن مسموحاً به في التقدمة

1- الخمير: وهو في كل الكتاب يرمز إلى الشر بأنواعه المختلفة.  وحيث أن التقدمة تشير إلى ناسوت المسيح الكامل، فلم يكن مسموحًا بأن يدخل فيها أي قدر من الخمير.  والخمير له خاصية الانتفاخ وإعطاء الشيء حجمًا أكبر من حقيقته.  وهذا ما لم يظهر قط في حياة المسيح الذي لم يكن فيه أية قابلية لحُب الظهور والعُجب وارتفاع القلب.  إنه لم يُمجِّد نفسه، ولم يسعَ لكي يكتسب شهرةً أو مديحًا من الناس، بل عاش مُنكِرًا نفسه، واضعًا نفسه حتى الصليب.

2- العسل: وهو حلو المذاق، ويشير إلى لطف الطبيعة البشرية.  كما يُشير إلى الرياء والمداهنات والتملُّق.  وهذا لم يظهر قط في حياة المسيح.  إنه لم يُرضِ الناس ولا الأقرباء، ولم يسمح لأحد أن يتدخل في مسار خدمته وطريق طاعته لأبيه (لو49:2؛ يو4:2؛ مر31:3-35).  ونحن يجب ألا نسمح للعواطف البشرية الجسدية أن تؤثر علينا، بل يكون مجد الرب ومشيئته هما هدف حياتنا وخدمتنا.  ويجب أن يكون عندنا التمييز الروحي في الاجتماع لما هو روحي وما هو نفسي وجسدي مما يثير المشاعر الإنسانية، وهو يختلف عن تأثير الروح القدس على القلب والضمير.  إن ما ظهر في المسيح من حلاوة وعذوبة ومشاعر رقيقة كان سماويًا في مصدره وليس من الأرض إطلاقًا.  ولهذا كانت التقدمة خالية من العسل.

ثانياً: أشكال التقدمة أو الصور التي كانت تُقدَّم فيها

تقدمة في تنور      تقدمة على الصاج       تقدمة في طاجن
في كل الأحوال كانت التقدمة تُجهَّز في البيت وتُحضَر إلى خيمة الاجتماع.  وكانت النار مطلوبة لإعداد هذه التقدمات.  والنار تُشير إلى الآلام والامتحانات والتجارب التي واجهها المسيح خلال رحلة حياته هنا على الأرض.  وبالطبع ليست هي الآلام الكفَّارية المُرتبطة بحمل الخطايا.  وإنما هي آلام من أجل البر، وآلام بالنظر إلى عواطفه الرقيقة نحو المتألمين، وآلام بسبب توقع ساعة الصليب.

لقد كان المُمَثِّل لله على الأرض، واحتمل عداوة العالم وكراهية الأشرار بسبب برّه وتقواه.  كذلك كان يرثي للحزين ويُشفق على المسكين ويتأثر للسقيم.  كان يتألم وهو يمر خلال عالم شوَّهته الخطية، ولهذا كان يئن ويتنهّد بروحه.  لقد كان بحق «رجل أوجاع ومُختبر الحزن».  وتم فيه ما قيل بإشعياء النبي: «هو أخذ أسقامنا وحَمَل أمراضنا» (مت17:8). 

أخيرًا نرى آلامه وهو يتوقع ساعة الصليب.  وهذا ما عبَّر عنه بقوله: «الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول؟» (يو27:12)، وكذلك أحزانه في بستان جثسيماني وهو يستعرض الكأس (مت37:26-44).

1- تقدمة في تنور (فرن)

وهي تكلمنا عن الآلام الخفية المستورة عن الأعين التي عاناها المسيح، ولم يشعر بها أحد من الناس.

 إن الثلاثين سنة الأولى من حياته، التي لا نعرف عنها سوى القليل جدًا، كانت مليئة بالآلام الخفية الداخلية.  فهو، مع أنه الخالق، لكنه في ولادته كان المزود هو المكان الوحيد الذي استقبله.  وبعد ذلك كان على أبويه أن يهربا به لأن هيرودس كان مزمعًا أن يطلب الصبي ليهلكه.  وعندما رجع من مصر عاش في الناصرة كنجار محتقَر.  ولما كان له من العمر اثنتا عشرة سنة، نستشف من كلماته كم تألم لعدم فهم أبويه له، ومع ذلك نزل معهما وكان خاضعًا لهما.  كان مؤلمًا أن يعيش في الناصرة، هذه المدينة الشريرة، مُحاطًا بخطاة فجّار، أظهروا له كل عداوة واحتقار.  لقد كان يعرف ما بداخلهم حتى أنهم حاولوا أن يقتلوه، ومع ذلك عاش في وسطهم ثلاثين سنة، لأنْ هكذا صارت المسرة أمام أبيه.  وكانت هذه الفترة بمثابة «تقدمة في تنور».

 وفي بداية خدمته العلنية، كان لمدة أربعين يومًا في البرية، وحيدًا، يُجَرَّب من إبليس، ولم يكن معه أحد، ولم يشعر به إنسان.  كان مع الوحوش يواجه المُجرِّب في أقسى الظروف، وكان صائمًا.  ومع ذلك كان طائعًا خاضعًا لمشيئة الآب يتَّقيه ويعبده ويحبه ويتكل عليه ويحيا بكلامه.  وكانت أيضًا هذه الفترة بمثابة «تقدمة في تنور».

 وفي بستان جثسيماني انفصل عن التلاميذ نحو رمية حجر، وكان وحيدًا في سكون الليل، يصلي بأشد لجاجة، في جهاد كثير وعرقه كقطرات دم نازلة على الأرض.  كان كمسكين قد أعيا وسكب شكواه قدام الله.  كان العدو هائجًا جدًا ضده، وكان الأحباء نائمين.  وكان في هذا أيضًا «تقدمة في تنور».  (انظر مز1:102-11 ففي هذه الأعداد دخل الروح القدس إلى التنور وكشف لنا عما كان يجتاز فيه من آلام).

2- تقدمة على الصاج
وهي تتكلم عن الآلام الظاهرة والمكشوفة أمام الآخرين.  وتشمل الكلمات الصعبة التي نطق بها عليه خطاة فجّار، وكل إهانة وتعيير وتشهير، واحتقار وازدراء وتطاول.  خاصة الآلام النفسية والجسدية التي ارتبطت بالمحاكمة والصلب.  وكانت أمام عيون الجميع.  كما قال هو: «وهم ينظرون ويتفرَّسون فيَّ» (مز17:22).  وأيضًا «كل الذين يرونني يستهزئون بي» (مز7:22).

3- تقدمة في طاجن
وهي تتكلم عن آلام المسيح بصفة عامة دون الدخول في تفاصيلها.  هذه الآلام وإن كان ليس لها طابع خاص إلا أنها ظاهرة للكل وحتى لغير المؤمنين، ولو بصورة سطحية.

* إن التقدمة في التنور يُذكر عنها أنها أقراص فطير ملتوتة بزيت، ورقاق فطير مدهونة بزيت.  وكلمة أقراص فطير في العبرية تعني أقراصًا رقيقة بها فتحات.  أي أن حياته الداخلية وأعماقه كانت مكشوفة.  وكانت النار تدخل إلى الداخل.  وكذلك رقاق الفطير تعني طبقات رقيقة فوق بعضها.  وهذا يعني الدخول في تفاصيل حياة المسيح وآلامه بكل دقة، والإدراك العميق لكل ما اجتازه من أحزان.  وهذا يناسب مستوى الآباء في عائلة الله الذين عرفوا الذي من البدء.

* والتقدمة على الصاج يقال عنها: «تفتُّها فتاتًا».  وإن كانت ليست من رقاق كالتقدمة السابقة.  إلا أنها تعني أيضًا التأمل والتفرس والدخول إلى تفاصيل تلك الحياة الرائعة وما تعرَّضت له من آلام.  وهذا يناسب الأحداث في عائلة الله الذين يقدمون سجودًا على قدر إدراكهم.  وهم لا يكتفون بتكوين صورة عامة عن حياة الرب بل يفحصونها بأكثر تدقيق، ويفتُّونها فتاتًا، إذ يتأملون في كل فكر أو قول أو عمل في حياة المسيح وآلامه الظاهرة كما تعبر عنها التقدمة على الصاج.  وإن لم يدخلوا إلى عمق الآلام الخفية في التنور.

* أما التقدمة في الطاجن فلا يُذكر فيها أية تفاصيل.  وإنما تتناول آلام المسيح بصفة عامة والتي كانت ظاهرة على السطح أمام الكل ويستطيع أن يلمحها كل قارئ للإنجيل.  فقد كان هو رجل الأحزان الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه.  وهذا يناسب الأطفال في عائلة الله.  وكل واحد من أولاد الله يستطيع أن يدرك شيئًا عن آلام المسيح، ويُقدِّم سجودًا بحسب إدراكه، وسيكون ذلك أيضًا رائحة سرور للرب.

ملء القبضة:

كان الكاهن يأخذ ملء قبضته من الدقيق مع الزيت وكل اللبان ويضعه على المذبح «وقود رائحة سرور للرب».  وملء القبضة يتكلم عن حجم الإدراك والتمتع الشخصي بالمسيح، وهذا ما نستطيع أن نقدمه في سجودنا.  إنها أيضًا تتكلم عن مدى تكريسنا للمسيح.  فهل المسيح يملأ قبضتنا ومعه لا نُمسك شيئًا؟!

ثالثاً: الذين يشتركون في التقدمة

«الباقي منه هو لهارون وبنيه قدس أقداس من وقائد الرب».  إنه امتياز للعائلة الكهنوتية، «هارون وبنيه»، الذين يُمثِّلون المؤمنين ككهنة ساجدين في الأقداس، أن يأكلوا ما بقي من التقدمة بعد وضع نصيب الله على المذبح.  وما أثمن هذا الامتياز لنا نحن المؤمنون أن نشترك مع الله في نفس الطعام الذي يُسَرُّ ويشبع به.  ويُقال عنه: «يُؤكَل فطيرًا في مكان مُقدَّس».  وهكذا ينبغي أن تكون حالتنا الأدبية متوافقة مع قداسة الله، ونحن معًا في محضر الله.

ليت الروح القدس يفتح شهيتنا ويُنهض أشواقنا للتغذِّي بالمسيح، ولنشبع ونكتفي بهذا الشخص الفريد الذي به اكتفى القدير.  وهذا هو سرور الآب الأعظم أن نُحدِّثه عن ابنه الوحيد، ونُقدِّره حق التقدير.