أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
حبيبي أبيض وأحمر (أو أشقر)

إن حال العروس في سفر النشيد أصحاح5: 2 يذكرنا بملاك كنيسة أفسس، الذي لم يضعف إيمانه، ولا قلت خدمته، لكنه ترك محبته الأولى. 

فمن الخارج يبدو وكأن كل شيء صحيح، لكن الرب ينظر إلى تكريس القلب من الداخل، كما أنه يغار على قديسيه.   لذلك سمح للعروس في نشيد 5 أن تجتاز اختبارات مُرّة من الحرس الطائف في المدينة، إذ ضربوها وجرّحوها ورفعوا إزارها عنها.  وذلك لكي تتحول إلى الرب، وتبحث عنه، وترجع إلى المحبة الأولى، وهو ما تم، إذ قالت لبنات أورشليم: «إن رأيتن حبيبي تخبرنه بأني مريضة حباً» فأجبنها: «ما حبيبك من حبيب؟» أي بماذا يمتاز حبيبك عن الآخرين؟  ومن هنا بدأت العروس تسترسل في صفاته الأدبية. 

لقد قالت عنه في الإصحاح الأول «لرائحة أدهانك الطيبة»، إذ رأت كل ما فيه من أمجاد أدبية كإنسان، فأسر قلبها بهذه الأمجاد، وهنا في الأصحاح الخامس أيضًا تسترسل في صفاته كإنسان كامل عاش على الأرض.  وهكذا نجدها تصف العريس باثنتي عشرة صفة رائعة من رأسه حتى ساقيه المؤسستين على قاعدتين من إبريز :

1- تصفه عمومًا فتقول: «حبيبي أبيض وأحمر مُعلم بين ربوة» (ع10).

2- «رأسه ذهب إبريز» (ع11): إشارة إلى أفكاره الإلهية من نحونا.

3- «قصصه مسترسلة حالكة كالغراب» (ع11)، برهان على ثبات شخصه من جهتنا على مبدإ النعمة، حيث أن العهد الجديد ثابت بالمباينة مع القديم الذي عتق وشاخ.

4- «عيناه كالحمام علي مجاري المياه مغسولتان باللبن جالستان في وقبيهما» (ع12): وهذه تشير إلى نظرته الوديعة النقية.

5- «خدّاه كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية» (ع13): إشارة إلى المجد الأدبي الذي يسطع في وجهه.

6-  «شفتاه سوسن تقطران مرًا مائعًا (13): إشارة إلى كلمات النعمة المنسكبة علي شفتيه.

7- «يداه حلقتان من ذهب مرصّعتان بالزبرجد» (ع14): إشارة إلى الحفظ الإلهي وإتمام مشورات الله بيده.

8- «بطنه عاج أبيض مغلّف بالياقوت الأزرق» (ع14): إشارة إلى العواطف الرقيقة النقية.

9- «ساقاه عمودا رخام مؤسستان علي قاعدتين من إبريز» (ع15): دليلاً على ثبات معاملاته معنا.

10- «طلعته كلبنان، فتي كالأرز» (ع15): إشارة إلى بهائه وسموه.

11- «حلقه حلاوة».

12- «كله مشتهيات».

وفي هذه الصفات المجيدة نجد أن اللون الأبيض يضع طابعه على كل الكمالات المرتبطة بسيدنا، فهو بصفة عامة أبيض، لكن أيضًا «عيناه حمامتان مغسولتان باللبن»، والشفتان سوسن حيث البياض الناصع، وبطنه عاج أبيض، وساقاه عمودا رخام، لكنها تقول أيضًا «طلعته كلبنان» حيث لون الثلوج الأبيض الذي يغطي لبنان (إر18 :14)، إنها ترى في شخصه التميز والفضيلة والنقاوة.

نأتي الآن، أيها القارئ العزيز، إلي أول عبارة تغنت بها العروس عن عريسها.  لقد قالت: «حبيبي أبيض وأحمر( ruddy )، معلم بين ربوة».

إن عريسها أبيض هذا أول ما جذبها في شخصه المبارك.  إن نقاوة وطهارة العريس تأسر القلب وتثير حاسيات السجود.  أ لم يقل عنه الملاك جبرائيل للعذراء المطوبة: «القدوس المولود منك يدعى ابن الله» (لو1: 35)؟ أ لم يقل هو عن نفسه تبارك اسمه: «من منكم يبكتني على خطية» (يو8: 46)؟ بل لقد قال لأحبائه: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء» (يو14 :30).  إنه ”لم يعرف خطية“، ”وليس فيه خطية“، و ”لم يفعل خطية“، بل قيل عنه بالنبوة: «إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع ليٌ الرب. لكنه قد سمع الله، أصغى إلى صوت صلاتي» (مز66: 18-19)؛ دلالة مصادقة الله على طهارة شخصه.  أ لم يُكتب عنه: «محصّتني، لا تجد فيٌ ذمومًا» (مز17: 3).  إن كاتب رسالة العبرانيين يقول عنه: «قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات... وسُمع له من أجل تقواه» (عب5: 7).  لقد قال اللص على الصليب لزميله: «أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا.  أما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله» (لو23: 41).  وقالت زوجة بيلاطس لزوجها: «إياك وذلك البار» (مت27: 20).  وقال قائد المئة: «بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا» (لو23: 47).  لقد عاش تلك الحياة البارة النقية حتى أن يوحنا كتب قائلاً: «إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه» (1يو2: 29).  وقال بطرس لليهود: «أنتم أنكرتم القدوس البار» (أع3: 14).

لكن في نقاوته نجد شيئًا آخر.  ففي يوم الكفارة كان على رئيس الكهنة أن يبدل ثياب المجد والبهاء بثياب من كتان (اللون الأبيض)، وهو يقدم الذبيحة.  وكان عليه قبل أن يدخل بدم الذبيحة إلى قدس الأقداس أن يدخل أولاً بالبخور العطر.  إذًا فالذبيحة تستمد قيمتها وتقديرها أمام الله على أساس النقاء والطهارة مرموزًا إليهما في الكتان والبخور.  وهكذا سيدنا الكريم، فقبل أن يقدّم نفسه لله ذبيحة وقربانًا، عاش حياة عطرة نقية بيضاء، وكانت الأساس لإتمام عمل الفداء.   فما أبهاه!

عزيزي القارئ ألا ترى أن حالة الضعف التي نحن فيها الآن هو أننا لا نحيا تلك الحياة العطرة أمام الله، وأنها لم تظهر فينا أيضًا أمام الناس، فانعكست سلبيًا على اجتماعاتنا.  فليعطنا الرب نعمة في هذا الأمر.

لكن العروس قالت عن العريس أيضًا أنه ”محمَّر ruddy“. إن كلمة ”محمر“ تذكِّرنا بأغطية خيمة الاجتماع حيث جلود الكباش المحمرة (خر26: 14)، والتي تتكلم عن تكريس سيدنا الكريم.  أ لم يكشف لنا الكتاب عن هذا التكريس العجيب حيث يكتب عنه: «مكتوب عني في درج الكتاب أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت، وشريعتك في وسط أحشائي» (مز40: 7).  نعم إنها رغبة وأشواق التكريس والطاعة، والتي كانت تملأ قلبه أزلاً، لكنه أعلنها وأظهرها بتجسده تبارك اسمه.  لقد قال لأبويه وهو صبي: «أ لم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟» (لو2: 49).  وكان لسان حاله دائمًا: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمّم عمله» (يو4: 34).  لقد كان هو النذير الحقيقي الذي لم يسعَ لأية أفراح على الأرض، حتى وإن كانت مشروعه.  فهو لم يقرب من العنب مطلقًا بكل أشكاله، ولا من الخمر (عد6).  لقد كان يدرك تمامًا أن أفراحه مؤجَّله إلى أن تتم مشورات الله ومواعيده من جهة الأرض والسماء.  وأخيرًا رفع عينيه إلي الآب قائلاً: «أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17 :4).  لقد أعطى بذلك تقريرًا إلى الآب عن إنجازه لكل المهام التي أوكلت إليه كإنسان على الأرض.  وأخيرًا أخذ الكأس من يد الآب قائلاً: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك» (لو22 : 42).  لقد ذهب إلى الصليب ثم إلى البستان ولسان حاله: «ليفهم العالم أني أحب الآب، وكما أوصاني الآب هكذا أفعل» (يو14: 31). 

لقد كان داود رمزًا للرب يسوع حينما وُصف بأنه ”أشقر“ أي محمَّر، وهذا يشير إلي التكريس.  لقد قال داود: «لا أدخل خيمة بيتي، لا أصعد على سرير فراشي، لا أعطي وسنًا لعيني ولا نومًا لأجفاني، أو أجد مقامًا للرب مسكنًا لعزيز يعقوب» (مز132 :3-5).  أما ابن داود ورب داود فكان لسان حاله وهو يطهر الهيكل: «غيرة بيتك أكلتني» (يو2: 17). 

وحتى الآن فإن السيد، وهو في المجد، مكرّس نفسه للكنيسة وللمؤمنين كأفراد، ففي رسالة أفسس نقرأ: «أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدّسها، مطهِّرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيده لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدّسه وبلا عيب» (أف5: 25-27).   إنه يخصّص نفسه لها لتكون متوافقة مع مجده تبارك اسمه.  بل وأيضًا يكرس نفسه لنا كأفراد حيث قال: «لأجلهم أقدس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق» (يو17 :19).  إن تكريس وتخصيص نفسه لنا وهو في المجد الآن يجعلنا ننفصل عن كل مايهين هذا المجد.    فما أكرم سيدنا!

لكن لاحظ أيها القارئ العزيز إن العروس بالارتباط بهاتين الصفتين قالت عنه: «معلم بين ربوة»، أي من حقه بالارتباط بهاتين الصفتين أن يأخذ مكانه اللائق به، بل ومركز الرياسة.  إنه الشخص الوحيد الممجَّد والمكرَّم وسط ربوات محبي الله.  «أعطيت محبيك راية ترفع لأجل الحق» (مز60: 4).  إن الراية هنا ليست مجرد كرامة، بل هي شخص حي، إنه هو نفسه الحق.  إن الشهادة هي كلمة واحدة ”المسيح“.  إنه الراية التي تُستعلن وترفع في وسط القديسين.  إنهم يلتفون من حوله ويحتمون تحت ظله.  إنه مجدهم وافتخارهم وأساس ارتباطهم.  إن حقيقة معنى كلمة ”مُعلم“ تشير إلى أن العريس هو مركز عواطف العروس.  نعم إنه مركز عواطف الذين يلتفون من حوله.  إن ربوات القديسين يستمدون قيمتهم ليس من عددهم بل من حضور واستعلان المسيح في وسطهم.  إن العدد حتى وإن كان اثنين أو ثلاثة فله قيمة بسبب حضور المسيح في الوسط ، أما إن كانوا ربوات وليس المسيح هو المركز والغرض فما قيمة العدد؟

عزيزي القارئ ليعطنا الرب نعمه أن نقول مع العروس: «حبيبي أبيض وأحمر. معلم بين ربوة».  لا نقولها مجرد شعار بل بالاقتناع بأهمية أن نأتي معًا حيث الاجتماع إلى اسم الرب. وإن كان المسيح هو مركز عواطفنا في الحياة فلا بد أن يكون الاجتماع إلى اسم الرب له الجاذبية لقلوبنا، حيث يكون هو مركز الاجتماع.    فما أعظم سيدنا!

نعم          فهو أبيض                       فما أبهاه في نقاوته!
            وهو أحمر                        فما أمجده في تكريسه!
           وهو معلم بين ربوة                فما أمجده في حضوره!

عزت نظير