أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2004
«شَرِيعَتُكَ في وسط أَحشَائي»

 (مز 40: 8)

وردت هذه الكلمات الرائعة في مزمور 40؛ أحد المزامير المسياوية العديدة التي تتكلم عن المسيا، ربنا يسوع المسيح؛ عن مجيئه في الجسد، وعن حياته الكاملة الفريدة، وعمل كفارته العظيم، وقيامته المجيدة، وكهنوته الحالي، وملكه العتيد السعيد. 

ومزمور 40 يقدم المسيح لنا كالمحرقة.  والمحرقة تُكلّمنا عن الرب يسوع المسيح كمن قدَّم نفسه لله بلا عيب، متمِّمًا بالروح القدس مشيئة الله الآب بسرور (مز40: 6-8؛ يو10: 17)، والغرض من ذلك ليس سداد أعواز الخاطئ ووفاء دينة وإراحة ضميره، بل تقديم ما هو مرضي عند الله وإشباع قلبه.

وما جاء في مزمور 40: 6-8 هو لسان حال الرب – له كل المجد – كالمحرقة، إذ يقول: «محرقة... لم تطلب. حينئذ قُلتُ: هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عنى: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت، وشريعتك في وسط أحشائي».

فكل ما كان في كيانه من الداخل هو شريعة إلهه، ولم تكن توجد لديه رغبة إلا في إتمام هذه الشريعة.  ولا عجب في ذلك فهو الذي قيل عنه «في ناموس الرب مسرّته، وفى ناموسه يلهج نهارًا وليلاً» (مز 1: 2).  وهو الوحيد الفريد الذي انطبق عليه، تمام الانطباق، القول: «شريعة إلهه في قلبه. لا تتقلقل خطواته» (مز37: 31). بل هو أيضًا الذي نسمعه مخاطِبًا إلهه قائلاً: «كم أحببت شريعتك!  اليوم كله هي لهجي... أكثر من كل مُعَلِّميَّ تَعَقَّلْتُ، لأن شهاداتك هي لهجي.  أكثر من الشيوخ فطنت، لأني حفظت وصاياك» (مز 119: 97-100 – قارن من فضلك لو 2: 46-52).

وإنني أستطيع أن أقول إن مجمل حياة ربنا يسوع المسيح الرائعة والفريدة التي عاشها هنا على الأرض يتلخص في قوله لإلهه وأبيه «وشريعتك في وسط أحشائي».  إنه الشخص الوحيد الذي استطاع أن يتمم مشيئة الله ويحفظ وصاياه.

ونحن نعرف قصة إعطاء الناموس لشعب الله القديم.  فبعدما خرج الشعب من أرض مصر واختبروا ذراع الرب القوية، كلَّم الرب موسى قائلاً: «أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين. وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليَّ.  فالآن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصةً من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض.  وأنتم تكونون لي مملكة كهنة أمة مقدسة» (خر19: 4-6).  فأجاب جميع الشعب معًا وقالوا: «كل ما تكلم به الرب نفعل».  ولكن بينما كان الله على الجبل، يكتب لموسى على لوحي الشهادة، كان الشعب أسفل الجبل يرقص حول العجل الذهبي!!

وعندما نزل موسى من على الجبل، أدرك خطورة الموقف، فدخوله المحلة بلوحي الشهادة يعني الحكم بالقضاء على هذا الشعب المتمرد على الله، وعودته بالناموس كانت تعني عدم إقامة علاقة العهد بين الله والشعب، فيفقد هذا الشعب امتيازه كشعب الله، من أجل ذلك تصرف موسى بحكمة وفطنة، إذ طرح اللوحين من يديه وكسَّرهما في أسفل الجبل (خر32: 19)، فها هو يرى الشعب أمامه وقد كسر أول وصيتين في الناموس «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا، ولا صورة ما... لا تسجد لهن ولا تعبدهن» (خر20: 3-5).

وهكذا كان يجب أن يُهيئ الرب مكانًا مأمونًا صالحًا يحفظ فيه لوحي الشهادة قبل أن يعيد كتابتهما، وهذا ما يعلنه لنا موسى: «في ذلك الوقت قال لي الرب: انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، واصعد إليّ إلى الجبل، واصنع لك تابوتًا من خشب.  فأكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما، وتضعهما في التابوت» (تث10: 1-3).

فكان الغرض الرئيسي من صنع التابوت هو حفظ لوحي الشهادة.  وتابوت العهد رمز لناسوت ربنا يسوع المسيح، إلى الكلمة الذي صار جسدًا وحل بيننا.  وفى حفظ لوحي الشهادة داخل تابوت دون أن يُكسرا، إشارة إلى أن الرب يسوع المسيح هو الذي استطاع وحده أن يحفظ الشهادة بل ويتممها أيضًا، والذي كانت شريعة إلهه في وسط أحشائه.

وانجيل يوحنا الذي يكلّمنا عن المسيح كالمحرقة، يكلمنا عن المسيح كالتابوت المكوَّن من الذهب النقي وخشب السنط (الخشب الذي لا يفسد بحسب الترجمة السبعينية).  فالذهب النقي (لاهوت المسيح)، مع خشب السنط (ناسوته الكامل القدوس) يظهران في قول البشير يوحنا: «والكلمة (الذهب النقي) صار جسدًا (الخشب الذي لا يفسد) وحلَّ بيننا» (يو1: 14).  ويخبرنا الوحي أن التابوت كان فيه من داخل لوحا العهد، الشهادة، ولذا سُمي تابوت الشهادة.  ونحن نعجب حقًا من التوافق العجيب بين رموز الكتاب المتنوعة. فالمسيح كمن كان التابوت رمزًا له، وُضِعتْ الشريعة في أحشائه.  فتمت فيه الكلمات «شريعة إلهه في قلبه. لا تتقلقل خطواته» (مز37: 31).  وفي مزمور 40 كالمحرقة كانت شريعة الله أيضًا في وسط أحشائه (مز40: 8).

ومع أن الكلام من جهة ربنا يسوع المسيح كثير عندنا (عب5: 11)، ولكني أكتفي بالإشارة إلى ما كُتب عنه – تبارك اسمه - في إنجيل لوقا 4: 16-20 عندما دخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ، فدُفع إليه سفر إشعياء النبي.  ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه «روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة» ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس.

إننا نراه في هذا المشهد لا يتمم الشريعة فقط بل « يعظِّم الشريعة ويكرمها» (إش42: 21).  ليتنا نتعلمَّه ونتعلَّم منه كيف نتعامل مع شريعة الله:

* لقد «قام ليقرأ».  إنه – له كل المجد - كان يقرأها بكل الاحترام والوقار، ولم يجلس إلا بعد أن طوى السفر وسلمه إلى الخادم.

* وعندما دُفع إليه سفر إشعياء النبي، فتح السفر و«وجد الموضع» الذي كان مكتوبًا فيه «روح الرب عليَّ، لأنه مَسَحَنِي».  فلأن شريعة إلهه في وسط أحشائه، فبكل روعة ودقة وجد الموضع الذي فيه الكلام المناسب للإعلان المناسب عن برنامج خدمته في زمان نعمته.

* والنص الذي قرأه الرب هو إشعياء61: 1،2؛ ولكنه بحكمة بالغة وفائقة لم يقرأ الجزء الأخير من هذين العددين وهو «لأُنَاديَ... بيومِ انتقام لإلهنا».  لقد قرأ فقط الجزء الذي تم في مجيئه الأول، لأنه جاء بالنعمة، ومع أن النعمة كانت على وشك أن تُرفض من الشعب، ولكن وقت النقمة لم يكن قد جاء، الأمر الذي سوف يتم في مجيئه الثاني حين يصب غضبه على أعدائه في ظهوره.

يا لروعة سيدي!!  لقد كان يعرف كيف يقرأ، ومتى يقرأ، وماذا يقرأ، ولماذا لا يقرأ!!  إنه الفريد المجيد في كل شيء.

وبعد أن قرأ – تبارك اسمه - «طوى السفر وسلَّمه إلى الخادم وجلس» صورة لجلوسه في عرش الآب، بعد تكميل عمله الكفاري، وتسليمه سفر النعمة لخادم الإنجيل ليكرز به بالنيابة عن سَيِّده طيلة غيابه في بيت الآب، وجلوسه على عرش النعمة في عهد النعمة الحالي. 
فيا ليتنا نتأمله لنتعلَّمه ونتعلَّم منه، لأن «مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا.» (أي36: 22) فيكون شعار كل منا «خَبَأتُ كلامك في قلبي لكَيلا أُخطِئَ إليك» (مز119: 11).