أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
الآم صديقة
“نيران صديقة”، هو تعبير انتشر مؤخَّرًا في ظل الحروب المنتشرة في عالمنا.  والمقصود به: مقتل جندي بسلاح صديق (زميل) له، وهو في صفوف جيشه، فيسقط ليس برصاص عدو، بل بسبب خطإٍ قاتل!
والتعبير يذكِّرنا أيضًا بما يحدث أحيانًا في المباريات الرياضية، حينما يحرز لاعب هدفًا ليس لمصلحة فريقه، بل للأسف داخل شباكِه، مما قد يتسبَّب في خسارة الفريق؛ ويُسمَّى هدفًا قاتلاً!

وهكذا الألم القاتل، يأتي من مصادر مستحيل توقعها (عدو - شقيق).
وهذا هو موضوعنا الذي، وبعد بحث سريع، نجده منتشرًا بين صفحات الكتاب؛ فالعديد قد تعرَّضوا، بصورة أو بأخرى، لهذا النوع الغادر من الألم، الذي يسبِّب تأثيرًا أشد إيلامًا مما هو متوقَّع من عدوٍ!

فإذا بدأنا بأول عائلات الكتاب، نجد غيظ قايين، الذي انتهى بضربة قاتلة لهابيل أخيه (تك4)!

ويعقوب مع أبيه وأخيه وخاله، في تركيبة معقدة من الآلام في داخل العائلة! (تك25-35).

ويوسف مع إخوته (تك37)، وحتى موسى لم يسلم من لسان أخيه وأخته (عد12).

وحنة التقية (أم صموئيل) ومقدار معاناتها من ضرتها داخل نفس البيت!  بل تعرضت لنوع أصعب من الألم حينما ذهبت تستغيث بالرب، باكية، مرة النفس، إلى الهيكل.  فإذا برجل الدين المفترض أن يعزيها، عذَّبها وأتعبها بتعليق سخيف على صلواتها (1صم1)!

ونصل لداود وما واجه من آلام: من أهل بيته، والتي قال عنها: «أبي وأمي قد تركاني!» (مز27: 10).  فمن أبيه، وإهماله (1صم16).  وإخوته، وازدرائهم (1صم17).  وأولاده (2صم15).  وللأسف، زوجته التي «احتقرته في قلبها» (2صم6)!

ولا يفوتنا ذكر أيوب (أبي المتألمين).  فقد كان أصعب ما يؤلمه ليس فقدان مواشيه، وممتلكاته، ولا صحته، ولا حتى بنيه؛ بل ما أتاه من أقرب من لديه (الزوجة والأصحاب).  عندها قال لهم «مُعزون متعبون كلكم!» (أي16: 2).

والعديد، والعديد من القصص حتى يومنا هذا!
ولكن هل انتهت القصة؟  وما الغرض من هذا؟  وهل من حل؟
هنا أريد أن أسرد قبسًا من حياة ذاك الذي «كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء؛ لكي يكون رحيمًا ... لأنه في ما هو قد تألم مُجربًا، يقدر أن يعين المجرَّبين» (عب12: 17، 18).  فهو من قال، بالنبوة: «صرت أجنبيًا عند إخوتي، وغريبًا عند بني أمي!» (مز69: 8).  فلك أن تتخيل ماذا قال عنه أقرباؤه وماذا فعلوا معه؟ (مر3: 21)!  والذين لم يهتموا بتعاليمه، بل كانوا دائمًا يقفون خارجًا (مت12: 46-50؛ مر3: 31-35).

وماذا فعل معه تلاميذه الذين رعاهم لسنوات، فمنهم من خان، ومنهم من أنكر، والباقون تركوه وهربوا!  والعجيب أنه هو من جاءهم ليشفي نفوسهم، بعد انتصاره على الصليب!
فها هو السيد قد سبقك لتلك الآلام النفسية.  وكما ذاق الموت لأجل كل واحد، ذاق من أجلك آلامًا نفسية شديدة.  «فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا، تاركًا لنا مثالاً؛  لكي تتبعوا خطواته» (1 بط 2: 21).

    ولا بد وأن تنجح خطة الله في حياتنا؛ حتى يجعلنا لا نتكل إلا عليه، فلا نعتمد على أية علاقة في حياتنا، مهما بلغت قوتها.  فتلك العلاقات غير مستقرة، واعتمادية، تتغير مثل تغيّر الفصول الأربعة على الأرض!

    ولكي تتعلم الغفران، حين يخطئ إليك أخوك، حتى إلى سبعين مرة سبع مرات (مت18: 15)!

    فتصلي لأجل الذين يسيئون إليك (مت5: 44)!

    بل ويجعل منك مُعينًا للمجرَّبين، فتشعر بآلام الناس، ومعاناتهم!

والخلاصة، عندما نصل السماء سوف نشكر الرب كثيرًا على كل ألم سمح به، نتج عنه مجد أبدي، أكثر بكثير من كل فرح وراحة كانت لنا في الأرض! 

وفي الختام، دعني أهمس في أذن كل خادم، في أي مجال: كُن حَذِرًا ألاّ تتسبب في ألم من تخدمهم، كما فعل عالي الكاهن مع حنة «لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك.  لأنك إذا فعلت هذا، تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16).   
كما أرجو من كل فرد تسبب في معاناة لأقرب من له أن ينهي ذلك، ويصرخ من الله أن يرحمه، فالنهاية قد اقتربت!
 فإن سمح الله بألم في حياة أخيك، فلا تكن أنت الوسيلة لذلك الألم!