أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
الصلاة فى التجارب
«لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ.  فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب4: 15، 16)

إن الحياة التي نحياها على الأرض لا تخلو من التجارب التي نُلاقيها في مضايق الزمان، فهي تتنوع في شدَّتها وقوه تأثيرها على النفس المُجرَّبة، وقمة من اجتاز ذلك الطريق، شخص ربنا يسوع، فهو أعظم من تجرَّب، وفي عمق التجربة «قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عب5: 7).

فليس للأتقياء المجربين ملاذًا وملجأً سوى عرش النعمة، الذي عنده يطرحون شكواهم وحيرتهم، همومهم وأثقالهم، ومن ثم يُرسل لهم الكاهن العظيم رحمة ونعمة، عونًا في حينه (عب4: 16).
حديثنا في هذا المقال عن الصلاة في ثلاثة أنواع من التجارب:

1. الصلاة والتجربة الشخصية

من الآلام التي تهزّ الأعماق بشدة، ذلك الشعور بتباعد الله، وكأنه قد تحوَّل عنا، بل والاعتقاد أحيانًا أنه يعمل ضدنا.  فأيوب قال في يومه: «لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ، وَحُمَتَهَا شَارِبَةٌ رُوحِي.  أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي» (أي6: 4).  وداود يشارك أيوب في ذلك الشعور فيقول للرب: «يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ.  ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ.  اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، وَنَفْسِي قَدِ ارْتَاعَتْ جِدًّا.  وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى؟» (مز6: 1-3).  وهذا الشعور نفسه اختبره آساف فقال: «أَمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ.  انْزَعَجْتُ فَلَمْ أَتَكَلَّمْ»؛ أي لم يستطع أن ينام، وعجز عن الكلام (مز77: 4)، وعندما تكلَّم قال: «هَلْ إِلَى الدُّهُورِ يَرْفُضُ الرَّبُّ، وَلاَ يَعُودُ لِلرِّضَا بَعْدُ؟» (مز77: 7).

ففي مثل هذه الاختبارات المؤلمة أين ذهب هؤلاء الأتقياء؟  لقد ذهبوا إلى ذات الشخص الذي تصوروا أنه تحوَّل عنهم.  كيف ذلك؟  إن إيمان أيوب قاده لإدراك حكمه الله، وداود بالإيمان ذاته ألقى بنفسه على مراحم الرب، وآساف استرجع أعمال الرب وعجائبه منذ القدم، في الخلاص العظيم والرعاية الأمينة «فَكَكْتَ بِذِرَاعِكَ شَعْبَكَ بَنِي يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ ... هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَالْغَنَمِ بِيَدِ مُوسَى وَهَارُونَ» (مز77: 15، 20).

إن الإيمان يقود النفس للصلاة بعمل الروح القدس، للارتقاء فوق كل مظاهر الفشل والضعف الروحي والاضطراب النفسي والارتباك الذهني، إلى تلك الينابيع العليا التي تُرسل للنفس نورًا ورجاءً، فرحًا وقوة.  فالصلوات والصرخات والدموع تجعل السماء تنحني لتُلامس الأرض، لتصل إلى عمق الإعوازات لمختلف الحالات.

2. صلاه الضعفاء في مواجهة الأشداء

إن التجارب تستحضر الإيمان وتُظهره بأكثر لمعان، ورجال الصلاة والإيمان يحسمون معاركهم في المخادع.  ففي الأوقات التي تكون التجربة على أشدها، تكون الصلاة في كامل ثقتها وقوتها.
كيف تصرَّف حزقيا رجل الإيمان والصلاة أمام تهديدات ملك أشور؟  لقد قرر الانسحاب؟!  وهل هناك أكثر من هذا جبنا وخذلانًا في مفهوم رجال الحروب والمعارك؟!  بالطبع لا.  لكن الإيمان قرَّر الانسحاب من المواجهة المباشرة مع العدو، ذلك لكي يفسح المجال ويترك ساحة الحرب لمَن يستطيع أن يدير تلك المعركة بدلاً منه بقوة واقتدار، ليُحقِّق نصرًا كاملاً مضمونًا.
من عند قناة البركة العليا في طريق حقل القَصَّار، جاءت رسائل التهديد لحزقيا (إش36: 2).  وفى نفس المكان - في يوم سابق - كان الرب قد أرسل النبي إشعياء للملك آحاز؛ أبي الملك حزقيا، برسالة للتعزية والتشجيع قائلاً: «احْتَرِزْ وَاهْدَأْ.  لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ» (إش7: 3، 4)، وفي ذلك اليوم يرسل الرب النبي إشعياء نفسه حاملاً رسالة السلام والطمأنينة للملك وشعبه «هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَهُ، الَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ.  هأَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحًا فَيَسْمَعُ خَبَرًا وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِالسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ» (إش37: 6، 7).

في حضره الله تتجرد النفس من كل مظاهر وأحاسيس العظمة والجلال، فلا تاج ولا ثياب ملكية، فنحن هنا في حضره الله لا نجد سوى الثياب المُمزقة يكسوها المسوح، هنا فقط تنفرد النفس بالله؛ تستعرض حالتها، وتطرح شكواها وقضاياها.
إن الثقة والإيمان يُكرمان الرب جدًا.  وهو لا بد أن يُكرم هذا الإيمان ولن يخذله أبدًا حتى لو كان ذلك الإيمان ضعيفًا، مشوبًا ببعض الشكوك والمخاوف.

وكان طرح حزقيا لقضيته في حضره الرب، فيه الحسم لكل أمور المعقَّدة. وها هو الرب يرسل للإيمان جوابًا (إش37: 6، 7).  فذلك الإيمان وتلك الصلوات نالت إعجاب الرب وسروره، فالقلب المنسكب في حضره الله سرًا، يرى النصرة والغلبة تتحقق علنًا.
عزيزي: كيف تحسم أمورك؟  وكيف تواجه مشكلاتك؟  إن أكثر الأماكن قربًا وأكثرها أمنًا وضمانًا، هي في الانفراد مع الله.

الصلاة في التجارب العائلية

إن واقع الحياة يؤكِّد أن هناك من التجارب ما تقتحم البيوت والعائلات الآمنة المستقرة، وتحمل معها الكثير من النتائج المؤلمة، ولكنها من الجانب الآخر تُفسح مجالاً للتدريب الأكثر عمقًا في حياة الصلاة.

 في كلمه الله نجد صورة لأُمٍّ تجرَّبت في ابنتها المحبوبة الغالية؛ فالابنة مُعذَّبة من آلامها، والأم تتوحد معها في مشاعر الألم والمعاناة (مت15: 22)، فطرقت باب القلب الرقيق العطوف، صارخة أن يبسط لها ولابنتها لطفًا ورحمة.  وصرخة الإيمان نالت قبولاً، ومثابرة الإيمان نالت إعجاب السيد، فقدَّم لها من خبز البنين ما يكفي حاجتها وحاجه ابنتها.

ربما تقتحم مثل هذه التجارب أو غيرها إحدى العائلات مما يترك آثارًا نفسية مؤلمة، ويعطي مجالاً لأن تتخذ الصلوات مسارًا جديدًا، وعمقًا جديدًا، بمشاعر وأحاسيس جديدة، من أجل استدعاء العون والدعم الإلهي الذي يتناسب مع حجم التجربة.
 قال أحد الأصدقاء أنه يعرف أبوين مؤمنين، لهما ابنة وحيدة، لا تتحرك من فراشها منذ سنوات، وبنعمة الرب قبلا هذه التجربة، واعتبرا أن الرب قد منحهما مجالاً جديدًا ورائعًا لخدمه المحبة التاعبة في هذه الدائرة الضيقة جدًا، السرير.  
لكن إن كانت هناك نعمة موفورة من الرب للتعايش بالرضا والصبر في بعض البلايا، لكن ماذا عن أم التجارب؟  ماذا عندما يقتحم ملك الأهوال بيتًا ليخطف منه عزيزًا غاليًا محبوبًا، هنا الجراح عميقة غائرة، فالعيون تذرف دمعًا سخينًا والقلب يشتعل بحرقه مُلهبة، وتنكسر الروح فلا تقوى على حمل نفسها، لكن أين يذهب الروح المعزي بتلك النفوس المجروحة، إنه يأخذهم إلى ذلك الرجاء الحي بقيامه يسوع المسيح من الأموات (1بط1: 3).

 إن الروح المُعين يأخذهم إلى بيت عنيا حيث يجدون ذلك الصديق العطوف بجانبهم يستشعر ما في قلوبهم من أوجاع، ويتجاوب مع الدموع بدموع.
إن الروح القدس يقودهم للإيمان بصلاح الله المطلق، وحكمته اللانهائية، فيستقر الإيمان على هذه الحقائق، فيستكمل طريقه بثبات ويقين.
إن الروح المرشد يقود القديسين بكل مشاعر الحب والمواساة لمشاركة أحبائهم آلامهم.
إن الكاهن العظيم يرسل بكل هذا دعمًا وعونًا يومًا وراء الآخر، حتى تندمل تلك الجراح الغائرة عبر الأيام والسنين، فله كل المجد والعظمة والسلطان.

جوزيف وسلي