أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
التجربة والمنفذ
«لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ.  وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1كو10: 13)
هناك نوعان من التجارب:

الأول: التجربة كامتحان أو ظروف معاكسة أو آلام وضيقات: وإن كان النص السابق لا يتكلَّم عن هذا النوع من التجارب، إلا أنه من المؤكَّد أننا نختبر أمانة الله في مثل هذه الأحوال «عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي» (مز94: 19).  فلا يمكننا الاجتياز في هذه المحن لولا “سندة” الرب، فيتم القول «مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟» (نش8: 5).  ويكون احتمال التجربة في هذه الحالة معناه الصبر لتزكية الإيمان، كما حدث مع أيوب.  ويكون المنفذ متمثِّلاً في مراحم الله وسندته وأعمال عنايته، ليُمكننا السير على المرتفعات، والترنم رغم الآلام. 

الثاني: التجربة كإغواء للسقوط في الخطية
: وهذا ما تتحدث عنه الآيتان موضوع تأملنا.  وأول - بل وأهم - ما يجب الانتباه إليه هو أن الله مِن الممكن - بحسب مشيئته الصالحة - أن يُجيزنا في النوع الأول من التجارب وذلك لتدريبنا وتنقيتنا وامتحان إيماننا، وهذا ما يجعلنا نفرح حين نقع في تجارب متنوعة (يع1: 2)، إلا أنه من المستحيل بأي حال من الأحوال أن يجرِّبنا بالنوع الثاني من التجارب «لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا» (يع1: 13).  ويكون احتمال التجربة، في هذه الحالة، معناه الصمود وعدم الرضوخ أمام الإغراء، كما حدث مع يوسف على سبيل المثال، ويكون المنفذ متمثِّلاً في مخافة الله وتخبئة أقواله في القلب، ليُمكننا الهروب من فخ التجربة، والانتصار رغم المغريات. 

ومن هنا يلزمنا العودة لكلمة الله لنفهم الآتي:
1. كيف تأتي التجربة؟
2. ما هي الآلام المرتبطة بالتجربة؟
3. ما هي مسؤولية المؤمن إزاء التجربة؟
4. ما هو دور الله عندما نتعرض للتجربة؟

أولاً: تأتي التجربة عندما يستخدم الشيطان الأشياء التي في العالم لتحريك شهوات الجسد؛ أي أنه هناك مصدر ثلاثي للتجربة:
1. المُجرٍِّب؛ الشيطان الذي لا يكُفّ عن الجولان في الأرض لإغراء وإغواء كل البشر «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا، لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بط5: 8).

2. أدوات التجربة؛ المغريات والفساد الذي في العالم «لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ» (1يو2: 16).

3. الطبيعة الساقطة
التي تتجاوب مع المغريات «وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ» (يع1: 14).
ثانيًا: ينتج عن التجربة ثلاثة أنواع من الألم تبعًا للصراع ما بين قبول الإغراء ورفضه، ومن ثم الانتصار أو السقوط:

1. الألم الناشئ من الصراع بين الطبيعة الجديدة والطبيعة القديمة «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غل5: 17). 

2. ألم مقدس بحسب مشيئة الله يحدث عند رفض الإغراء وقمع الجسد «فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ» (1بط4: 1)؛ وهذا عين ما حدث مع يوسف، ودانيآل، ورفاق دانيآل الثلاثة، وغيرهم، الذين تعرضوا للألم عندما قالوا “لا” للخطية.

3. آلام بسبب السقوط في الخطية مثل ما حدث مع لوط وشمشون وداود وغيرهم.  وبلا شك الألم الناشئ من السقوط في فخ التجربة أشد وأسوأ بما لا يقاس من ألم رفض الإغراء.

ثالثًا: تقع على المؤمن مسؤولية الانتصار والانكسار أمام التجربة، وهذا هو الفارق بين مؤمن في حالة روحية صحيحة، وآخر يسقط في فخ إبليس؛ لذا يجب الحرص على:

1. اليقظة الروحية وحياة السهر «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ.  أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ» (مت26: 41). 

2. الاتضاع
«قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ» (أم16: 18)؛ فمن يظن أنه قائم فليحذر من السقوط؛ «إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ» (1كو10: 12). 

3. الهروب
«هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط1: 4)؛ لذلك ينصحنا الكتاب بالهروب من الشهوات لا مقاومتها (2تي2: 22).

رابعًا: أمانة الله هي الضمان الأكيد لاجتيازنا التجربة وتظهر أمانة الله في:
1. عدم سماح الله بتجربة فوق المستطاع بل تكون التجربة بشرية، أي في مقدرة البشر، فلا يُدخلنا في تجربة تفوق احتمالنا (1كو10: 13).  وهذا نراه جليًا في قيادة الله لشعبه «وَكَانَ لَمَّا أَطْلَقَ فِرْعَوْنُ الشَّعْبَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، لأَنَّ اللهَ قَالَ: لِئَلاَّ يَنْدَمَ الشَّعْبُ إِذَا رَأُوا حَرْبًا وَيَرْجِعُوا إِلَى مِصْرَ» (خر13: 17)، فلا تكون الحرب إلا على قدر الإيمان.

2. حتمية وجود المنفذ الذي من خلاله نستطيع الهروب من فخاخ إبليس
(1كو10: 13)، وقد يكون المنفذ آية من الكتاب كما انتصر الرب في التجربة بالمكتوب، أو يكون المنفذ في الشركة مع المؤمنين أو الاجتماع لاسم الرب، أو وأعمال العناية الإلهية التي دائمًا ما تكون المخرج الآمن من شرك التجارب.

3. رد الله للنفس فبالرغم من كون التجربة بشرية والمنفذ موجودًا
، إلا أن السقوط وارد، لكن أمانة الله تلزمه بانتشال أحبائه وردّ نفوسهم حتى ولو من خلال الألم كما حدث مع نُعْمِي «فَقَالَتْ لَهُمْ: لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا.  إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً.  لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِيَ، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟» (را1: 20، 21).

أسامة عاطف