أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
يقدر أن يُعين
«لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18)

بينما نعبر عالم وُضع في الشرير، نعلم أن لنا رئيس كهنة عظيم يُمثِّلنا دائمًا وأبدًا أمام الله، ويخدم حاجاتنا عندما تنشأ من حين لآخر.
في العهد القديم، كان يجب أن يكون رئيس الكهنة إنسانًا، حتى يُمكنه الدخول في تجارب إخوته ذاتها، وهكذا أيضًا فإن ربنا يسوع المسيح هو إنسان حقيقي، تمامًا ككونه الله، ليمكنه أن يدخل عمليًّا إلى كل آلام وصعوبات شعبه وتجاربهم.  «كان ينبغي أن يُشْبِه إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا» (عب2: 17).

وفي أيام الرب بالجسد على الأرض عاش مُجرَّبًا «فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلنَا»، لكن بمنأى عن الخطية (عب4: 15)؛ فهو لم يعرف الخطية (2كو5: 21)، ولم يفعل خطية (1بط2: 22) وليس فيه خطية (1يو3: 5)، أي أن الإغراءات التي تعرَّضَ لها كانت من الخارج، فلم يُجرَّب بالخطية الطبيعية الداخلية كما هو حالنا نحن.  لقد أمكن الرب أن يقول: «رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ» (يو14: 30).  فنحن عندما نتعرض للتجربة من الخارج، يكون في داخلنا خائن يسعى دائمًا ليفتح الباب للعدو، الشيطان.  هذا ما حدث لآدم وحواء في الجنة؛ أولاً: كانا كلاهما كائنَين بلا خطية، ولكونهما مجرَّد بشر استسلما، ودفعا الجنس البشري كله إلى الدمار والهلاك.  أما الرب يسوع فلم يكن فقط بريئًا، بل قدوسًا أيضًا، لأنه الله كما أنه إنسان كامل.

والتعبير “مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا” يعني أيضًا أن التجارب الثلاث الأخيرة التي تعرَّض لها في تجربته من الشيطان، من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، يمكن لأي واحد منا أن يتعرض لها.  حواء نفسُها تجرَّبت في هذه الجوانب الثلاثة: «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ» (تك3: 6).

وهكذا كانت تجارب المسيح في البرية: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا» (مت4: 3)؛ هنا نجد شهوة الجسد.  «ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا» (مت4: 8)؛ هنا شهوة النظر.  ثم قول المجرِّب له بأن يُلقيَ نفسه من فوق جناح الهيكل كي تحمله الملائكة أمام أنظار الجمهور، نرى فيه التعظم والكبرياء.

ولكن كل تجربة قدَّمها العدو للمسيح كان الرد عليها بالمكتوب، وهكذا انتصر.  وبعدها حاز على الانتصار الأعظم في موقعة الصليب، ومن ثَمَّ، باعتباره المنتصر المتوَّج، له الحق في أن يجلس مُمجَّدًا في يمين العظمة في الأعالي فوق جميع السماوات، ومن هناك تأتينا معوناته في وقت هجوم العدو علينا «لأنه فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ (الذين يجتازون في تجارب)».

إذًا فباستطاعته أن يُساعد ويُعين، لأنه هو نفسه اختبر التجارب.  ليس فقط يشاركنا المشاعر، بل يعين عونًا حقيقيًا.
وأول حق تطالعنا بها الآيات عبرانيين2: 11، 18، هو أن الرب يسوع لا يستحي أن يدعوَنا إخوة، وهذه مكانة رفيعة وسامية جدًّا.  وسوف يُؤتَى بنا إلى المجد، وإلى أن يحين وصولنا إلى مجده الأبدي، هو يُمارس خدمته كرئيس الكهنة في إعانتنا في تجاربنا.  ومهما تنوَّعت تجارب المؤمنين، فهو الخبير بها والقادر على الإعانة لاجتيازها.
ثم إن العرش الذي جلس عليه يسوع ابن الله، صار “عرش النعمة”، إليه نتقدم، فننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه (عب4: 16).
ففي أحزاننا نجده شخصًا يشعر بها لأنه اختبر الحزن، إذ يُكتَب عنه «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ» (إش53: 3).  وكابن الله يعزينا في وقت اجتيازها.

وفي وَحدتنا يشعر بنا لأنه جربها، إذ نسمعه يقول: «سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ» (مز102: 7).
وعندما ننحني تحت ثقل أية تجربة، فلكونه قد جرَّب الانحناء، يمكنه كرئيس كهنة أن يُقَوِّم كل المنحنين (مز146: 8).
وعندما نُترك من الأحباء، يبقي هو لنا «مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ» (أم18: 24).
وعندما تمر بنا حالات اكتئاب لِما نشاهده من الظلم والطغيان، يُذَكِّرنا بالقول: «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا» (جا5: 8).
وعندما يهدِّدنا الخطر، إذ يطلبنا الشيطان لكي يغربلنا كالحنطة، يذكِّرنا بما قاله لبطرس: «لكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لو22: 31، 32).

كان رئيس الكهنة في العهد القديم يحمل أسماء أسباط بني إسرائيل منقوشة على أحجار كريمة مرصَّعة على الصُّدرة، وعلي كتفه أيضًا.  والمسيح الآن، كرئيس الكهنة، يحملنا ويمثِّلنا في حضرة الله ذاتها «يَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا» (عب9: 24).
على أن كل كاهن بشري كان الموت يمنعه عن البقاء: «وَأُولئِكَ قَدْ صَارُوا كَهَنَةً كَثِيرِينَ من أَجلِ مَنْعِهِمْ بِالْمَوْتِ عَنِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا هذَا (أي المسيح) فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ» (عب7: 23، 24).  وهو الذي قال ليوحنا في جزيرة بطمس: «وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ!» (رؤ1: 18).

كما لا يجب أن ننسى حنوه وقلبه المليء بالإشفاق علينا «لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا.  يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ» (مز103: 14).  ومحبته هي الينبوع الدائم الذي منه تتدفق رعايته الدائمة وأمانته الكاملة وشفاعته غير المتقطعة.  لذا فنحن نخلص بحياته من كل ضعف وإخفاق وفشل.
يا ليت العين تُرفع إليه، وتتركز الثقة فيه، فنختبر ما ترنم به الأتقياء «مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» (مز121: 2).

عايد هنرى