أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
الألم وقرب مجىء الرب
على مَرِّ العصور، كان الرجاء المبارك، رجاء مجيء الرب، مصدرًا أساسيًا لتعزية القديسين، وتشجيعهم وسط الألم والضيق والاضطهاد.
والرسول يعقوب يُشجع إخوته المتألمين قائلاً:
«فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ ... فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ» (يع5: 7، 8).
كذلك يضع كاتب العبرانيين هذا الرجاء أمام إخوته المُضطهدين قائلاً:
«لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ.  لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدًّا سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ» (عب10: 36، 37).
وكان الإخوة في تسالونيكي حزانى ومتألمين لفراق أحبائهم، فوضع الرسول بولس أمام ناظريهم رجاء مجيء الرب قائلاً:
«ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ ... لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً.  ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ.  لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهَذَا الْكَلاَمِ» (1تس4: 13-18).
أما الرسول بطرس فهو يكتب للمؤمنين المتألمين قائلاً:
«لِذَلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط1: 13).
ويرفع أبصارهم إلى الظهور:
«الآنَ - إِنْ كَانَ يَجِبُ - تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط1: 7، 8).
وما أشبه القديس المتألم الذي يصارع الألم والحزن أو المرض، وسط ظلام كثيف لا يبدو له آخر، بالتلاميذ وقد صارت سفينتهم وسط البحر، في ظلام الليل، مُعذَّبة من الأمواج والرياح المضادة، إلى أن جاءهم السَيِّد - في الهزيع الرابع من الليل - ماشيًا على البحر، مُهدِّئًا مخاوفهم، ومُنهيًا ضيقهم.  هكذا نحن ننتظره - وإن اشتد الظلام - ككوكب الصبح المنير، الذي يأتي ومعه الفجر والفرج.

ولكن لماذا كان رجاء مجيء الرب مصدر تعزية وتشجيع للمؤمنين في ضيقاتهم؟

أولاً: لأنه يضع حدًّا للألم، ونهاية للمعاناة. 
إنه يُنهي البرية بكل آلامها ومواجعها.  إننا في خيمة الجسد «نَئِنُّ مُثْقَلِينَ»، وأيضًا «نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ» (2كو5: 1-4).  قد يلجأ غير المؤمن في يأسه - حين لا يرى نهاية منظورة لمعاناته - إلى إنهاء حياته بالانتحار؛ أما المؤمن المسيحي فإن الرجاء المبارك يلمع أمامه وسط التجربة، فيهتف مترنمًا:
فالليلُ كادَ يَنْتَهِي      والكوْكَبُ المُنيرُ لاحْ
والملْكُ سوفَ يَبْتَدِي  وتُشْرِقُ شَمْسُ الصباحْ
       
ثانيًا: لأننا سنرى الحبيب وجهًا لوجه: وما أبهجه من لقاء يُنسينا مشقة البرية وآلام الطريق.  وإن كان الإيمان به يجعلنا نبتهج «بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (1بط1: 8)، فكم بالحري يكون فرحنا حين تكتحل عيوننا بمرآه؟!

سَأرَى سَأرَى عِيانًا فادِي الوَرَى       أمكثُ جِوارَهُ بلا نَحيبْ
سَأنسَـــى أنـــا أتعابــــي هُنــــا       سَأنسَى أنا آلامي هُنـــــا  
   
                      حينَ ألقَي يسوعَ الحبيبْ    

أُودِّعُ ظُــلـــــــــمَ الحَـــــيــــــاهْ          وكَدَرَ العَيْــــــــــــشِ
  وأسْــــــــــــــــــــعَدُ حينَ أرَى     حبــــــيبي في العَــرشِ

فقدت “فاني كروسبي” نور عينيها، وحُرمت من رؤية جمال الطبيعة، ووجه أمها الباسم، لكنها نظمت ترنيمتها الشهيرة:
وجهًا لوَجْهٍ سَأراهْ       وجهًا لوَجهٍ في سَمَاهْ
أشْدو بِمِلءِ البَهْجَةِ      مُخَلَّصٌ بالنِّعْــــــــمَةِ
      
ثالثًا: سوف نرى أحباءنا الذين سبقونا: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ» (1تس4: 14).  ويا لها من تعزية عند فراق الأحباء حين نعلم أن الفراق إلى حين، وأن اللقاء أكيد، وإلى الأبد.

رابعًا: نحن لن نرى المسيح فقط، بل «إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (1يو3: 2)، فهو - تبارك اسمه - «سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (في3: 21).  وسوف لا نُشاهد مجده فقط، لكننا سوف نتمجَّد أيضًا معه: «إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ» (2تي2: 12)، «فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» (رو8: 18).  سوف تنتهي أيام المذلة والاتضاع والضيق، ويبدأ المجد الأبدي «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كو4: 17).

خامسًا: سوف يُسدل الستار على المشهد الرديء الذي نراه الآن
، وسوف تُعدَّل كل الأوضاع المقلوبة الآن؛ سوف ينتهي الظلم والظلام، والفساد والإفساد، وكل الألسنة التي تتطاول على المسيح سوف تصمت إلى الأبد، وكل الذين يحتقرون أتباع المسيح ويضطهدونهم، سوف يرون الحقيقة حين يظهر المسيح، وحين يظهر القديسون معه بمجدٍ.

والرسول بولس يكتب للمؤمنين المتألمين في تسالونيكي: «إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا، وَإِيَّاكُمُ الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ، مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ» (2تس1: 6-10).

سادسًا: سوف ننال المكافأة: هناك مكافأة سخية للذين يحتملون الألم والتجربة بصبر وشكر «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يع1: 12).
كم هو مُعزٍّ ومشجّع لقلوبنا أن نوقن أن الألم والحزن لا تتعدى مدته الليل، فهو يذهب متى أتى الصباح «عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مز30: 5).  «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ».

متى ناشد