أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
تؤهلون لمكلوت الله
«إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضًا»(2تس1: 4، 5)

في رسائل العهد الجديد نجد “ملكوت الله” يُشار إليه عادة في صفته الأدبية (رو14: 17؛ 1كو4: 20)، ولكننا في رسالة تسالونيكي الثانية نجد الملكوت من الوجهة النبوية مُشارًا إليه في صفتيه السماوية والأرضية، وهو ما يتفق مع صفة الرسالة النبوية.  وسيكون افتتاح هذا الملكوت بظهور الرب، بينما القديسون - الذين يكون الرب قد سبق فأخذهم إليه - يُستعلنون جهارًا كشركاء في هذا الملكوت الذين كانوا تابعين له روحيًا من قبل (رؤ1: 9).

وعندما يُقام ملكوت الله بصورة كاملة، بظهور الرب، لا يكون الحال قاصرًا على مُلك القديسين المُمجَّدين على الأرض (رؤ5: 10)، بل إن قسمي الملكوت - السماوي والأرضي - يتجاوبان ويتعاملان في تجانس كامل واتفاق تام.

أما في الوقت الحاضر، فملكوت الله قائم بكيفية خفية سرية، ولكنها حقيقية، في صورة “ملكوت السماوات” وذلك في غيبة الملك.
وعندما كتب الرسول بولس رسالته الثانية إلى كنيسة تسالونيكي، كان التسالونيكيون قد أظهروا تقدُّمًا روحيًا رائعًا، جعل الرسول ومَن معه يفتخرون بهم أمام كنائس الله (2تس1: 4)، لأنهم مملوؤون من الإيمان، وذلك على الرغم مما عانوه - بصبر وثقة في الرب - من اضطهادات وضيقات. 

وطبعًا لم يكن الرسول يتكلَّم عن الآلام التي كثيرًا ما تكون كتأديب عن خطايا وتقصيرات، ولكنه كان يقصد التألم ظلمًا من أجل الإنجيل ومن أجل المسيح ومن أجل شهادته.  وربما كان يقصد أيضًا نوعًا معيَّنًا من التدريب في حالة المؤمن، لا يمكن فصله عن امتحان الإيمان.  لقد كان من الضروري للرسول بولس أن تلازمه شوكة، وملاك الشيطان يلطمه، لكي تظهر حياة المسيح وقوته فيه (2كو4: 11؛ 12: 7-10).  وكان على بطرس - في شيخوخته - أن يمدّ يده، وآخر يُمنطقه (يربطه)، ويحمله إلى الموت، لكي يتمجد الله في موته (يو21: 18).

وكان صمود التسالونيكيين وصبرهم واحتمالهم، وسط كل هذه الاضطهادات والضيقات، دلائل على معاملات الله العادلة؛ فلو لم يدعمهم ويُشددهم ويُشجعهم، ولو لم يحصلوا على قوته الإلهية، لما كان باستطاعتهم إظهار كل ما أظهروه من الصبر والإيمان خلال تألمهم لأجل المسيح، ولذلك يقول لهم الرسول: «صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً (دليل واضح) عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ (سياسة الله وحكمته)، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضًا» (2تس1: 4، 5).
لقد برهنوا - بواسطة احتمالهم البطولي- على أنهم أهل لملكوت الله.  وهذا طبعًا ليس معناه أن دخولهم الملكوت هو على أساس أي استحقاق شخصي عندهم، فلا أحد يستطيع أن يدخل الملكوت إلا على أساس استحقاقات المسيح وحده، ولكن الذين يتألّمون هنا في سبيل الملكوت، يُظهرون ويُبرهنون أنهم سيكونون في عداد الذين سيملكون مع المسيح في ذلك اليوم (رو8: 17؛ 2تي2: 12).

لقد ابتهج الرسل «لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (أع5: 41 قارن من فضلك لو20: 35؛ 21: 36).  فالآلام من أجل المسيح إنما هي كرامة يمنحها لنا الله جاعلاً إيانا بها شركاء يسوع المسيح المرفوض.  وأريد أن أؤكِّد مرة أخرى أن تحملنا لهذه الآلام لا يضيف أي شيء إلى قيمة عمل المسيح.  فالصليب هو الذي يجعل المؤمن أهلاً لمقامه في الملكوت، ولكن احتمال الضيقات بصبر وإيمان، يُظهر أن المؤمن أصبح أدبيًا، مؤهلاً لهذا الملكوت.

وإن «قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ (سياسة الله وحكومته)» (2تس1: 5)، يؤكِّد لنا من خلال هذه الآلام إننا نسير في الطريق الصحيح وراء سَيِّدنا؛ فعلينا أن نصبر «إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ» (2تي2: 12)، وأن نحتمل الآلام بفرح وشكر، لأننا سنتمجد أيضًا معه (رو8: 17).  وهذه الآلام هي بيِّنة على خلاصنا، وصحة إيماننا، وثبات مركزنا وسموه (في1: 28، 29).

فهل نعتبر الآلام معه فخرًا وفرحًا عظيمين؟  هل نعلم أن الصليب هو الطريق الذي يقودنا إلى نفس المجد الذي وصل إليه الرب؟  وهل نرغب بحرارة كالرسول بولس أن نعرف شركة آلامه، لعلنا نبلغ إلى القيامة من بين الأموات التي سبقنا فيها الرب؟ (في3: 10، 11).

رمزى فؤاد