أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
المسيح كمثال لأشهر المتألمين
«فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18)

كانت آلام ربنا يسوع المسيح جزءًا من البرنامج الإلهي لحياته بالجسد على الأرض؛ فهو «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ» (إش53: 3)، وذلك لتتميم مقاصد ومشورات الله الأزلية.  من ثم يقف الرب يسوع المسيح فريدًا في آلامه من حيث مصدرها ونوعيتها، وموقفه تجاهها، ونتائجها.

أولاً: مصدر آلام المسيح ونوعيتها

هناك ثلاثة مصادر لآلام المسيح وهي: الله، البشر، الشيطان.  لكن المصدر الرئيسي لآلام المسيح هو الله.  ونلاحظ أنه قبل الصليب لم يتألم المسيح من يد الله، فقد كان رضا الله مستقرًا عليه (مت3: 17)، لكنه تألم من يد البشر والشيطان، وذلك بسماح من الله.  لكن فوق الصليب - إلى جانب الآلام من يد البشر والشيطان - استقر عليه غضب الله (مز88: 7).

1- آلام المسيح من يد الشيطان

هيَّج عليه هيرودس الكبير لكي يقتله في طفولته، لكنه فشل في ذلك فقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون (مت2: 16).
ثم تألم المسيح مُجرَّبًا مِن إبليس في البرية، فقد هاجمه بكل أنوع التجارب، لكن الرب هزمه بالمكتوب، ففارقه إلى حين (مت4: 1-11؛ لو4: 1-13).
ثم لوح له - في جثسيماني - بمرارة الكأس ورهبتها، وفي جباثا هيَّج عليه ثيران الأمة (المُتمثلين في رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب)، وكلاب الأمم (المُتمثلين في بيلاطس وعسكره)، واتفق جميعهم على صلبه وقتله.

2- آلام المسيح من يد البشر

لقد تألم المسيح من أيدي البشر، تارة بالاحتقار والسخرية والتجديف (مت13: 55؛ يو8: 48؛ مت12: 24).  وتارة بالتجارب (مت22: 15-40؛ يو8: 10، 11).

وفي يوم الصليب احتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به، وألبسه لباسًا لامعًا وردَّه إلى بيلاطس (لو23: 11).
كما أحاط به رؤساء أمة اليهود - في جباثا - طالبين صلبه، مفضّلين عليه رجلاً قاتلاً (مز22: 12، 13)، أما الجند الرومان فقد جلدوه (مز22: 16). 

لقد بصق عليه قوم ولكموه، والخدام لطموه (مر14: 65)، والعسكر وضعوا إكليلاً من الشوك عليه وضربوه بالقصبة على رأسه (مر15: 17).  أما بيلاطس فقد جَلَدَه وأسلمه ليُصلب (مت27: 26).  ناهيك عن حَملِه للخشبة التي صُلب عليها، والآلام المبرحة جراء دق المسامير في يديه ورجليه، وتعييرات المذنبََين اللذَين صُلبا معه (مت27: 44).  لقد عطش، وهذا العطش يُعَبِّر عن كم العذاب والعناء الذين تحمَّلهما رب المجد، والذي تألم - كأشر المجرمين - آلامًا فوق طاقة البشر، أما مرارة الخل الذي قدموه إليه في عطشه فقد زاد من تلك الآلام.  أخيرًا، وبعد أن أسلم الروح، تلقي الرب في جنبه تلك الطعنة الغائرة الغادرة التي تُعبر عن كمّ البغضة والحقد تجاهه.

3- آلام المسيح من يد الله

يقول النبي عن آلام المسيح من يد الله: «وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا ...  أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ.  إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إش53: 6، 10).  لقد مكث الرب فوق الصليب لمدة ست ساعات، كان هناك نور خلال الثلاث ساعات الأولى، وفيها تألم الرب من يد البشر كشهيد من أجل البر، أما الثلاث ساعات التالية ففيها غطّى الظلام الكون، وخلالها تألم سَيِّدنا من يد الله، بسبب الخطية والخطايا، وما أرهبها من آلام، إنها الآلام الكفارية التي بها خلصنا.  الله سحق المسيح - في تلك الساعات المظلمة - إذ جعل نفسه ذبيحة إثم، وصبّ عليه كل جامات غضبه (مز88: 7).  لقد ضُرب المسيح بسيف رب الجنود الذي استيقظ عليه (زك13: 7)، فصرخ المسيح من آلام الترك الرهيب (مز22: 1).

ثانيًا: موقف المسيح تجاه الآلام

1. كان شاكرًا للآب في وسط كل هذه الآلام «فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ.  نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ» (مت11: 25، 26).

2. احتملها ولم يَخُر أمامها «السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ.  إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ.  بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ.  وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ»، «لأَنِّي مِنْ أَجْلِكَ احْتَمَلْتُ الْعَارَ.  غَطَّى الْخَجَلُ وَجْهِي»، «مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ»  (إش50: 5، 6؛ مز69: 7؛ عب12: 2).

3. الصلاة والصراخ الشديد بدموع «وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ»، «الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ» (لو22: 44؛ عب5: 7).

4. التسليم الكامل لمشيئة الله «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.  كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ»، «الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ» (إش53: 7؛ 1بط2: 23).

ثالثًا: نتائج آلام المسيح

1. رُدت إلى الله كل اعتبارات مجده التي سلبها الشيطان والإنسان معًا «حِينَئِذٍ رَدَدْتُ الَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ» (مز69: 4).

2. البركة غير المحدودة للإنسان، نتيجة للآلام الكفارية التي احتملها المسيح من يد الله فوق الصليب «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رو8: 32).

3. الدينونة المُروعة التي ستنصب قريبًا على العالم، نتيجة للآلام التي احتملها بالظلم من يد البشر (انظر مزمور 69). 

4. تم سحق رأس الحية (تك3: 15)، وجُرِّد الشيطان مِن سلطانه، ووُضع الأساس لإبادته تمامًا «لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب2: 14).

5- كانت آلام المسيح هي الطريق إلى المجد «أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» (لو24: 26؛ في2: 6-11).

6- بالنسبة للمؤمنين، صار المسيح رئيس الكهنة العظيم الذي تألم مُجرَّبًا، فمن ثم له القلب الرقيق، لذلك كإنسان يرثي لنا، وكالله يعيننا في كل تجاربنا (عب2: 18؛ 4: 15؛ 7: 25).

7- المسيح ترك لنا مثالاً لنتبع خطواته، وإذا كان لا بد من الألم «لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ» (في1: 29)، فإننا مطالبون أن نسلم لمن يقضي بعدل، بدلاً من أن نحاول أن ننتقم لأنفسنا.

طلعت حلمي