أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
مكافأة إحتمال التجارب الآن وفى الأبدية
التجارب والامتحانات التي يسمح بها الرب لأحبائه في رحلة الحياة، هذه التجارب رغمًا عن آلامها، إلا أن نتائجها المُباركة ومكافآتها العظيمة جعلت يعقوب يسجِّل عنها بالوحي قائلاً: «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا.  وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ» (يع1: 2-4).

المُلاحَظ هنا أن مرورنا بهذه التجارب مُؤكَّد «حِينَمَا تَقَعُونَ»، وحساباتنا الصحيحة هي التي تقرن هذه التجارب الزمنية المؤلمة بالأفراح الروحية المبهجة.  ودائمًا، فإن الفكر الصحيح المرتبط بالمسيح، يؤدّي إلى التسبيح.
لقد اُمتُحِنَ إبراهيم في تقديمه لابنه إسحاق وهو مُجرَّب؛ وكانت التجربة “للترقية الروحية”، إن جاز التعبير (تك22؛ عب11: 17).  وتجرَّب أيوب بسبع تجارب طاحنة، لكن عاقبة الرب جاءت رائعة.  كما مرّ شعب الله القديم بمحن وأوقات عصيبة، سيطر الله عليها وأخرج منها خيرًا جزيلاً لشعبه (تث4: 34؛ 7: 19؛ 29: 3).

وفي العهد الجديد مرّ بولس الرسول المغبوط بتجارب كثيرة (أع20: 19)، ومرّت كنيسة سميرنا باضطهادات مريرة.  ونمُرّ، أنا وأنت، في الطريق ذاته (1بط1: 6).  وقدوتنا جميعًا هو “القمة” في كل شيء: ربّنا المعبود يسوع نفسه (لو22: 28)، الذي “فيما هو قد تألم مُجرَّبًا، يقدر أن يعين المجرَّبين” (عب2: 18).  يقدر أن يرثي، ويقدر أيضًا أن يُعين.
وهناك مكافآت في سبيل احتمالنا لمثل هذه الآلام والتجارب، التي هي ليست حصادًا لما زرعناه بقدر ما هي امتحان لتزكية وترقية إيماننا ومنسوبنا الروحي.

المكافآت الحاضرة

(1) التنقية الأدبية:
يقول أيوب في بلواه «إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ» (أي23: 10).  ويؤكِّد الرسول بطرس ذلك بالقول: «الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ - إِنْ كَانَ يَجِبُ - تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط1: 6، 7).  
ومَنْ فينا لا يشعر باحتياجه المستمر إلى التنقية الروحية والأدبية؟!  إن نيران التجارب تُلمِّع المعادن النفيسة وتزيد نقاوتها «لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اللهُ.  مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ الْفِضَّةِ» (مز66: 10).

عندما بارك الرب آخرة أيوب أكثر من أُولاه، صار له - من ضمن ما صار - ثلاث بنات جميلات جدًا هن: “يميمة” أي “يمامة”، حيث الطُهْر والنقاء؛ و“قصيعة” أي “سنا”، حيث المجد والبهاء؛ و“قرن هفّوك”، أي“ قرن الدهن”، حيث الفرح والرجاء.  فهل هناك أجمل من ذلك «فِي كُلِّ الأَرْضِ» (أي42: 12-15).
 
(2) التعويض الروحي والزمني: إذا سمح الرب بشوكة في الجسد، منح معها نعمة خاصة تُعَوِّض عن وجود هذه الشوكة، كما حدث مع بولس (2كو12: 9).  وإذ سلَّم داود بأن “سب” شمعي بن جيرا له، وإهانته، وراءها يد الرب، قال: «لَعَلَّ الرَّبَّ يَنْظُرُ إِلَى مَذَلَّتِي وَيُكَافِئَنِي (يُعوضني) الرَّبُّ خَيْرًا عِوَضَ مَسَبَّتِهِ بِهَذَا الْيَوْمِ» (2صم16: 12)، وهو ما حدث حرفيًا.  إن الرب الأمين إن سمح بضغط في جهةٍ، يقينًا سيُوُجِد تعويضًا أو مخرجًا في جهةٍ أخرى.

(3) التعزية والتشجيع: كما تحدَّث الرسول عن كيف أن الله أبانا هو «أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا» (2كو1: 3، 4)؛ ويقول المرنم: «عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي، فِي دَاخِلِي تَعْزِيَاتُكَ (ليست فقط تشجِّع، بل) تُلَذِّذُ نَفْسِي» (مز94: 19).

(4) الرِفعَة: لقد تألم يوسف ظلمًا وسُجن وهو بار، إلا أن هذا الطريق المؤلم كان هو عينه طريق رِفعته ثانيًا بعد فرعون على كل أرض مصر.  وربنا المعبود احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس في يمين عرش الله» (عب12: 2).  إن كل ضغط مؤلم نقبله لا بد وأن تتلوه رِفعَة روحية وأدبية، كما هو مكتوب «تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ» (1بط5: 6)، بل الضِّيقَ نفسه «يُنْشِئُ صَبْرًا (أو تحملاً)» (رو5: 3)، مما يجعل المؤمن أرقى وأسمى روحيًا عن ذي قبل حتى وهو في أتون التجارب نفسه.

(5) الأفراح الروحية: التجارب والآلام مرتبطة بالأمور الزمنية، وهي بمثابة “الينابيع السفلى”، لكن الرب لديه أيضًا - بل وفوق ذلك وأسمى منه - البركات الروحية أو ما يمكن أن نشير إليه بـ“الينابيع العليا”.  وكلما ضغطت علينا يد الآب المحب، وسمحت لنا بتذوق “مرارة” مارة؛ كلما دفعنا ذلك دفعًا إلى البحث عن مصدر آخر للحلاوة والعذوبة، وهو ما نجده في الرب يسوع المسيح.

إن هذه النتائج والمكافآت المباركة هي لنا من الآن، ولنا أن نتمتع بها منذ أول لحظة نجتاز فيها أحزانًا وآلامًا «بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ» (1بط4: 19).

المكافآت الأبدية

(1) التعويض الأبدي:
يقول الكتاب «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى (نجح) يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يع1: 12)، وأيضًا «كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ (حتى ولو كلَّفك ذلك الموت) فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (رؤ2: 10).  هذا الإكليل يُمنَح للمؤمن “الشهيد” وللمؤمن “المُحتَمِل للتجربة”.  ويرى فيه البعض نوعًا من أنواع التعويض في الأبدية عن حياة لم يتم الاستمتاع بها، إما لسبب كثرة تجاربها وأحزانها (يع1)، أو لسبب قصفها وقصرها (رؤ2).  سيتمتع هؤلاء الأفاضل بتذوق الحياة بطريقة خاصة تعوّضهم عمَّا لاقوه هنا على الأرض.

(2) السمو والتمُّيز: أولئك الذين سمحت لهم يد القدير بمقدار وافر من الآلام، سيكون نصيبهم حتمًا مُميَّزًا من الأمجاد.  والذين صبروا كثيرًا وطويلاً هنا هم - بكل يقين - أسعد وأهنأ الكل بالراحة والعاقبة الأبدية هناك.  وبصفة عامة، فإن «خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كو4: 17). 

أحبائي :إن كل ما في العالم هو إلى لحظة، في حين أن كل ما هو روحي وأدبي يستحق منا الاهتمام والتركيز في كل لحظة.
إسحق إيليا
 

إسحق إيليا