أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
الآم الزرع والحصاد
الزرع والحصاد مبدأ إلهي، إذ قال الله «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ...  شَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ»، وأيضًا «مُدَّةَ كُلِّ أَيَّامِ الأَرْضِ: زَرْعٌ وَحَصَادٌ ...  لاَ تَزَالُ» (تك1: 11؛ 8: 22)، وهو ينطبق على الأمور الطبيعية والروحية، على المؤمنين والخطاة. 

 ففي الأمور الطبيعية، الذي يزرع القمح يحصد قمحًا، والذي يزرع الشوك يحصد شوكًا، وقال الرب يسوع: «لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا.  فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا» (لو6: 44).  وفي الأمور الروحية مكتوب: «لاَ تَضِلُّوا!  اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ.  فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غل6: 7).  وهناك نوعان من الزرع: زرع للجسد وزرع للروح «مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً» (غل6: 8).   

إن الحصاد من نفس نوع الزرع، لكنه دائمًا أكثر منه، وهناك فترة زمنية بينهما، والذي يزرع يضع البذرة تحت التربة في الخفاء ولا يراها أحد، لكن الحصاد يكون في العلن أمام الجميع. 

ليعطنا الرب أن نزرع الخير لا الشر «فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ.  فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ» (غل6: 9، 10).  وأن نزرع للروح، أي نُعطي للروح القدس مكانته في حياتنا ونخضع له، وبالتالي نحصد ثمر الروح في حياتنا، ونتمتع بالحياة الأبدية هنا كنوعية حياة جديدة امتلكناها من الله بالإيمان، لكن ملء التمتع بها سيكون في المستقبل في السماء.
 
ولكن من يزرع لجسده، أي الاهتمام بالجسد ورغباته؛ فالحصاد هو فساد، ومن يزرع الشر يحصد الشر، وهذا ما قاله الرب: «كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ.  عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ» (عو15).

  ونجد أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس عن أشخاص زرعوا الشر، وأيضًا حصدوا الشر الذي زرعوه، لكن بألم ومرار:

1. يعقوب:
خدع أباه إسحاق ليأخذ البركة، فاستغلّ ضعف نظره، وكذب عليه عدة مرات، ووضع على يديه وعنقه جلود جدي معزى ليظهر أنه أشعر مثل عيسو.  لكنه حصد ما زرعه، فتغرَّب عشرين سنة عند خاله لابَان الذي خدعه: ففي يوم عرسه استغل لابَان وقت المساء حيث ضعف الرؤيا، وأعطاه ليئة بدلاً من راحيل، ثم غيَّر أجرته عشر مرات وهو يرعى الغنم، وكان في النهار يأكله الحر، وفي الليل الجليد.  وعند عودته طارده لابَان، وكان خائفًا من مواجهة أخيه عيسو.  ثم كذب عليه أيضًا أولاده، فبعد أن ذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص الملون الذي ليوسف في الدم، أحضروه له قائلين: «وَجَدْنَا هَذَا.  حَقِّقْ أَقَمِيصُ ابْنِكَ هُوَ أَمْ لاَ؟  فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ: قَمِيصُ ابْنِي!  وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ!  افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاسًا!  فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ وَوَضَعَ مِسْحًا عَلَى حَقَوَيْهِ وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً».  لقد ظل نائحًا ومتألمًا بسبب هذه الكذبة 22 سنة.

2. إخوة يوسف
: حسدوا يوسف وأبغضوه، واحتالوا له ليميتوه، وخلعوا عنه قميصه الملون وطرحوه في البئر، ثم باعوه للإسماعيليين «آذُوا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ.  فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ» (مز105: 18).  وبعد 22 سنة، جاء وقت الحصاد المُرّ، فعندما نزلوا إلى مصر ليشتروا قمحًا، عَرَفَهم يوسف وتنكَّر لهم، وتكلَّم معهم بجفاء، وحبسهم ثلاثة أيام، ثم أطلقهم وأخذ منهم شمعون وقيده أمام عيونهم.  لقد شعروا بذنبهم «وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ.  لِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الضِّيقَةُ».  وعندما رجعوا مرة أخرى ومعهم بنيامين وُجد طاس الفضة الذي ليوسف في عِدلِ بنيامين، وطلب يوسف أن يأخذه عبدًا له، فمزقوا ثيابهم ووجدوا أنفسهم في بَلية، واعترفوا أن الله قد وجد إثمهم وكشف خطيتهم.  لقد تم المكتوب: «الزَّارِعُ إِثْمًا يَحْصُدُ بَلِيَّةً، وَعَصَا سَخَطِهِ تَفْنَى» (أم22: 8)، وأيضًا «قَدْ حَرَثْتُمُ النِّفَاقَ، حَصَدْتُمُ الإِثْمَ، أَكَلْتُمْ ثَمَرَ الْكَذِبِ» (هو10: 13).  وعندما عرَّفهم يوسف بنفسه لم يستطيعوا أن يجيبوه بكلمة لأنهم ارتاعوا منه.

3. أدوني بازق:
كان أدوني بازق ملكًا على مدينة في أرض كنعان اسمها «بازق»، وانتصر على سبعين ملكًا، وقطع أباهم أيديهم وأرجلهم، وعندما كان يجلس ليأكل على مائدته، كان السبعون ملكًا يلتقطون تحت مائدته.  وعندما حاربه بنو إسرائيل وانتصروا عليه قطعوا أباهم يديه ورجليه، فقال: «كَمَا فَعَلْتُ كَذَلِكَ جَازَانِيَ اللهُ» (قض1: 7).  مكتوب: «لِتَأْتِهِ التَّهْلُكَةُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، وَلْتَنْشَبْ بِهِ الشَّبَكَةُ الَّتِي أَخْفَاهَا، وَفِي التَّهْلُكَةِ نَفْسِهَا لِيَقَعْ»، وأيضًا «لِيَسْقُطِ الأَشْرَارُ فِي شِبَاكِهِمْ» (مز35: 8؛ 141: 10).  

4. شمشون: كان نذيرًا للرب، وكان روح الله يحرِّكه في محلة دان، وقتل ألف رجل من الفلسطينيين بلحي حمار، ولكنه بالأسف كان مغلوبًا من عينيه وشهوته، فتملّقته دليلة الفلسطينية وعرفت أن قوته العظيمة في أنه لم يَعلُ موسى رأسه، وإن حُلق تفارقه قوته؛ فأنامته على ركبتيها وحلقت سبع خصل رأسه، وابتدأت بإذلاله، وفارقته قوته، فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن (قض16)، وتم القول: «الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهَا» (أي4: 8).  يا للخزي والعار!  قاضي إسرائيل يُذَل من امرأة؛ القوي صار ضعيفًا، المُبصر صار أعمى، الحر صار مُقيدًا. 

5. داود: شهد الرب عنه قائلاً: «وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي» (أع13: 22)، لكنه في لحظات ضعف وانقطاع للشركة مع الرب، زرع للجسد فحصد فسادًا.  فعند وقت خروج الملوك للحرب، أقام في أورشليم ولم يذهب للحرب، وكان وقت المساء أنه قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى امرأة جميلة المنظر تستحم، فأرسل وأخذها وزنى بها، ثم قتل رجلها، ولما مضت أيام المناحة ضمها إلى بيته وصارت له امرأة، وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب. 

وجاء الحصاد المرّ والمؤلم بعد ذلك: لقد ارتكب داود خطية الزنى في السر ولكن الزنى تم في بيته قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس، فقد زنى أمنون ابنه بأخته ثامار، وزنى أبشالوم بسراري داود العشر اللواتي تركهن لحفظ البيت.  وليس ذلك فقط، بل قتل داود أوريا الحثي بسيف بني عمون، فقال له ناثان النبي: «لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ» (2صم12: 10)، فمات الولد الذي ولدته له بثشبع، مع أنه صام وبكى من أجله.  وقُتل أمنون بيد أبشالوم، وبكى داود بكاءً عظيمًا جدًا.  ثم قُتل أبشالوم بيد يوآب «فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى عِلِّيَّةِ الْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ هَكَذَا وَهُوَ يَتَمَشَّى: يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ابْنِي، يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ!  يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ!  يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي» (2صم18: 33).  وقُتل أدونيا بيد سليمان الملك.  لقد رد داود أربعة أضعاف، وتم القول: «مَنْ يَحْفُرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ» (أم26: 27).

6. الذين اشتكوا على دانيآل: كان دانيآل وزيرًا أمينًا في مملكة داريوس الملك، وفاق الوزراء، وفكر الملك أن يوليه على المملكة كلها، لكن الوزراء كانوا يطلبون علة يجدونها عليه من جهة المملكة، فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنبًا، ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب، ففكروا في مكيدة من جهة شريعة إلهه، وطُرح دانيآل في جب الأسود، لكن الله أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضره.  فأمر الملك بإصعاد دانيآل من الجب، وطرح الذين اشتكوا علي دانيآل هم وأولادهم ونساؤهم، ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم، وبهذا تم المكتوب: «كَرَا جُبًّا.  حَفَرَهُ، فَسَقَطَ فِي الْهُوَّةِ الَّتِي صَنَعَ.  يَرْجِعُ تَعَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَعَلَى هَامَتِهِ يَهْبِطُ ظُلْمُهُ»، وأيضًا «تَوَرَّطَتِ الأُمَمُ فِي الْحُفْرَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا.  فِي الشَّبَكَةِ الَّتِي أَخْفُوهَا انْتَشَبَتْ أَرْجُلُهُمْ» (مز7: 15، 16؛ 9: 15)، ويستطيع دانيآل أن يقول: «هَيَّأُوا شَبَكَةً لِخَطَوَاتِي.  انْحَنَتْ نَفْسِي.  حَفَرُوا قُدَّامِي حُفْرَةً.  سَقَطُوا فِي وَسَطِهَا» (مز57: 6).

7. هامان الرديء: كان هامان ثانيًا للملك أحشويرش الذي ملك على 127 كورة، وغضب هامان على مُردخاي اليهودي لأنه لم يجثُ ولم يسجد له، فطلب أن يُهلك كل اليهود الذين في كل مملكة أحشويروش، شعب مردخاي.  وعمل خشبة ارتفاعها خمسون ذراعًا ليُصلب عليها مُردخاي التقي.  وعندما دخل إلى الملك ليُصرح له بصلب مُردخاي عليها، فوجئ أنه لا بد أن يُركِب مردخاي على فرس الملك ويسير أمامه في الشوارع قائلاً: «هَكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ».  بعدها رجع إلى بيته نائحًا ومغطَّى الوجه، ثم صُلب علي الخشبة التي عملها لمردخاي (أس7: 10),  وتم القول: «يَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ، وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ.  يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلَهُنَا» (مز94: 23)، وأيضًا «الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ» (أم5: 22).

أيها الأحباء: ليحفظنا الرب من الخطية ومن الزرع للجسد لأن الحصاد لا بد آتٍ، ومعه الألم والوجع، لأن الخطية ليست فقط ذنبًا يحتاج إلى غفران، ومديونية تحتاج إلى تبرير، لكنها أيضًا زرع له حصاد.

أمين هلال