أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
رئيس كهنة يرثى
«فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ،
يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ.  
لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا،
بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ.  
فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ
لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب4: 14)


أخي المتألم، أختي المتألمة..
يا مَن تُسحَقون تحت رحى التجربة القاسية، وتحترقون في بوتقتها المُلتهبة، وتعتصرون تحت ثقل ضغطاتها، أريد بكل محبة أن أهمس في أُذُنَي كلٍ منكم بعض كلمات التشجيع:
حتى وإن كانت التجربة قاسية كمًّـا ونوعًـا.
وحتى وإن كانت فجائيّة التجربة أضفت عليها مزيدًا من السواد والقَتام، وعمقًا آخر في الجراح.
وحتى وإن كان عدم إحساس مَن حولكم بهول الموقف وصعوبة الظرف، جعلكم تنحنون أكثر.
فإنه يُوجد شخصٌ رائعٌ وعظيمٌ، مرهفُ الحسِ، رقيقُ المشاعرِ، يشعر بآلامِكم، ويتضايق لضيقِكم، ويبكي معكم، ويرثي لكم!
هذا الشخص الرائع، هو الرب يسوع المسيح، رئيس الكهنة العظيم، الذي قيل عنه: «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ» (إش63: 9)، فهو يقينًا يشعر بِكم ويحسّ بآلامكم، لأنه هو الوحيد الذي اختبر كل أنواع الآلام، إذ كُتِبَ عنه «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ» (إش53: 3)، أي الخبير بالأحزان.

ولكي نفهم مشاركته ورثاءه لنا، تعالوا بنا ندرس أحد رمز العهد القديم، أعني به هارون رئيس الكهنة.  لما أراد الله أن يُقيم كاهنـًا للشعب، أقام هارون لعمل الكهنوت ولم يُقِم موسى.  لماذا لم يُقم موسى، مع أن موسى كانت له قدرات تفوق هارون؟  لكي نعرف السبب لنرجع للوراء لنصل إلى نشأة كل منهما، ونرى كيف قضى كل منهما طفولته وشبابه المبكر الذي فيه تتكون الشخصية وتُبنى.  فهارون قضى طفولته وشبابه في عبودية الطين واللِّبْن، أما موسى فقضاها في القصر.  هارون كان ينام ويستيقظ على سياط المُسَخِّرين، وموسى كان ينام ويستيقظ على صوت المغنيين.  هارون تَمرَّغَ جسده في معاجن الطين، وموسى تغطَى جسده بمعاجين الطيب.  لذلك كان هارون هو الأجدر بأن يشعر بآلام الشعب وأثقاله أكثر من موسى.
 
ولكن هارون كان رمزًا بسيطـًا باهتـًا لمَن هو أعظم من هارون.  فهارون لم يكن يعرف ما في داخل الشعب، بل كان ينظر إلى الخارج فقط، وما كان يدري ما يؤلم الإنسان، إلا إذا عبّر المتألم عن آلامه لهارون.  ولكن الرب - تبارك اسمه - لا يحتاج، ولا ينتظر حتى نُعَبِّر عن آلامِنا بالكلمات لكي يرثي لنا.  بل هو يسمع التأوهات والأنَّات، ويرى الدموع ويكتبها في سفرٍ، ويحفظها في زقٍ.  ويرثي لنا بكل مشاعره الرقيقة.

أخي المتألم.. لست وحدك تخوض التجربة.  أختي المتألمة.. لستِ وحدكِ التي تبكين.  فالرب ليس كهارون يظهر مشاعره المحدودة فقط، بل تعالوا بنا ننظر إليه في بعض المواقف تجاه تجارب أحبائه.

انظر إليه وهو في أتون النار مع الرجال الثلاثة، فلم يكتفِ بأن يشدِّدهم مِن الخارج فقط، بل إن مشاعره جعلته، بلا تردد، ينزل معهٍم في أتون النار.  وكما قال أحدهم: “إن الرب كان معهم في وسط أتون النار، ولكن عندما خرجوا من الأتون لم يخرج معهم، لكي يبقى منتظرًا القديسين العتيدين أن يُجرَّبوا على مرِّ الزمان بعد ذلك، بأن يُلقوا في أتون التجارب” (دا 3: 25 ).  
انظر إليه أيضـًا عند قبر لعازر، عندما رأى دموع الأختين، لم يقف جامد المشاعر، بل «بَكَى يَسُوعُ» (يو11: 35).  
انظر إليه عندما رأى الرجل الأصمَّ الأعقد؛ قبل أن يشفِهِ، رفع عينيه نحو السماء وأنَّ أنينـًا من القلب سجَّله لنا الروح القدس لكي يُرينا كيف يتألم معنا ويرثي لنا (مر7: 34).

انظر إليه وهو يتعامل مع المرأة المنحنية يقول الكتاب: «رَآهَا ... دَعَاهَا ... وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ» (لو13: 12، 13).
كثيراً ما نحتاج إلى مَن يرثي لنا ويشُد من أزرِنا، ولا نجد من البشر أحدًا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة الصعبة، فحتى لو وجدنا من البشر من يُعَزِّي، فإن البشر مُعزون مُتعبون، وأطبّاء بطالون!

أخي المتألم:  صدقني إنه يشعر بك، ويحس بأنّاتك وآلامك.
أختي المتألمة صدّقيني، الدموع التي ذرفتيها في إحدى الليالي الحالكات، على وسادة الأنين والتأوهات، والتي لم يشعر بها أقرب الناس إليكِ، هو كان معكِ بجانبكِ يرثي لك بكل مشاعره الرقيقة.  فهو المحب الألزق من الأخ، الذي لا تفصله عنا نوعية التجربة أو حجمها، فهو مُجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يرثي لنا.
أخي المتألم، أختي المتألمة: إذا كانت تجربتك رحيل أحد الأحبَّاء، بطريقة فُجائية أو عادية، فالرب بجانبك الآن يرثي لك.  وإن كانت تجربتك المرض، لك أو لأحد أفراد أسرتك، فالرب يسوع بجانبك الآن يرثي لك.  وإن كانت تجربتك خسارة مادية، أو ديون أكبر من طاقتك، لدرجة أنك لا تستطيع النوم من ثقل الديون، وإن كانت تجربتك الحرمان، من أي شيء، فالرب معك، ويرثي لك ويقدم لك المعونات.
عندما تُظْلِمُ حَوْلي الـ       دُّنيا بالغيمِ الثقيل
يَبْقَى بعدَ الغيمِ لِي حُـ      بُّكَ وضَّاءً جميلْ
يا مُحِبًّا أبَديًّــــــــــــا       هلْ لحُبِّك مثيلْ

     إما أن تثق في إلهك بالإيمان أو تقلق وتحاول أن تجد الحلول بطرقك الخاصة.

    مهما كان مقدار خسارتك، لا تدع الشيطان يدمَّر نفسيتك.

    الأرجل لا تشعر بوخز المقطرة إذا كان القلب في السماء

يعقوب جاد