أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
نازفة الدم وآلامها
(مت9: 20-22؛ مر5: 25–40؛ لو8: 43–48)
لقد عانت هذه المرأة كثيرًا من مرضها المزمن العصيب، إذ ظلت طوال اثنتي عشرة سنة، تنزف باستمرار، ولم يتوقف نزفها يومًا، فذاقت الآلام أنواعًا:  

أولاً: آلام جسدية:


فلنزف الدم أثر سيء على صحة الإنسان، فهو يصيب مَنْ يتعرض له بالأنيميا والهزال والتعب وعدم التركيز، وكانت صحتها تتدهور يومًا فيومًا، فصارت “جلدًا على عظم”، تقضي حاجاتها اليومية بمنتهى الصعوبة.

ثانيًا: آلام من الأطباء:

عجز الأطباء عن علاجها فكانت تذهب لطبيب تلو الآخر، وكل طبيب يصف علاجًا بمصروفات باهظة ويستنزف أموالها ومجهودها في البحث عن الأدوية، ظنًا أنها ربما تساعد على العلاج أو حتى تخفيف الآلام، لكن يطالعنا الطبيب لوقا بعبارة «قَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ» (لو8: 43)، ويُضيف البشير مرقس «قَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ أَرْدَأَ» (مر5: 26).  فهي لم تُنفق كل أموالها فحسب، لكن تألمت من الأطباء أنفسهم.  وفي نهاية المطاف صارت إلى حال أردأ!  وكأنها تضم صوتها مع أيوب «أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ» (أي13: 4).  لكن لمسة بإيمان للطبيب العظيم كانت كفيلة بإنهاء مشكلتها وشفائها.

ثالثًا: آلام نفسية:

وهذا نوع من الألم تندرج تحته أتعابٌ كثيرة كانت تعانيها هذه الإنسانة المسكينة منها:
1- الوحدة: فبحسب الشريعة الواردة في لاويين 15: 25-27 كانت نجسة، وكل ما تلمسه تُنجسه، ناهيك عن نظرة الناس التي لا ترحم، الأمر الذي جعلها تبتعد عن أيَّة علاقة اجتماعية معهم، وبالتالي عاشت وحيدة!

2- اليأس: يئست من شفائها، ومن نفسها، بل ومن الناس، وهذا سبَّب لها معاناة نفسية عميقة، فكانت مُرَّة النفس لأنها عرفت أن مرضها غير قابل للشفاء، وانعكس هذا سلبيًا في عدم استجابتها للعلاج، فاثنتا عشرة سنة في المرض كفيلة بأن تُحطم نفسية أي شخص!  ربما طلبت أكثر من مرة الموت ولم تجده، وفي أحيان أخرى تعلَّقت بأمل الشفاء عند طبيب مشهور لكن هيهات!  تحطمت آمالها في الحياة.

صديقي كم منْ مرة مررت بنفس ظروفها،  مع اختلاف السبب، وكم منْ مرة شعرت أن الدنيا ضاقت في وجهك؟!  لكن لا تنسَ عزيزي أن الأمل ما زال موجودًا عند الشخص المجيد الحي الذي يشتاق لعلاجك، وبث روح الأمل فيك.  ألا تشتاق للعيش معه؟  
3- الخجل:
خجلت؛ فالشريعة كانت تنظر لها على أنها نجسة لأنها وُجدت في وسط يهتم بالتقاليد والتظاهر بحفظ التوراة.  وخجلت من وجه تكسوه الصفرة بسبب مرضها.  وخجلت لأنها أصبحت حطام امرأة في جسد هزيل ونحيف جدًا حطَّمه المرض لسنوات طويلة.  كان الإحساس بالخزي والعار يلازمها، وعندما ذهبت للرب يسوع «جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ» (مت9: 20)، فسمعت منه التعبير الذي لم يسمعه سواها منه في كل الكتاب: «ثِقِي يَا ابْنَةُ» (مت9: 22)، فالرب عندما سأل: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟» (مر5: 30)، لم يكن لكي يخزيها أمام الجموع، بل ليعلم الجمع أنها شُفيت تمامًا.  لقد كرّمها أمام الجميع، وأزال عنها نير الشريعة التي لم ترحم ضعفها.

لكن رغم كل هذه الآلام حباها الرب بصفات جميلة:

1- صبرها: ظلت طوال الاثنتي عشرة سنة تذهب لأطباء كثيرين، وفي كل مرة ينتهي الأمر بالفشل الذريع، ولم يذكر الكتاب أنها تذمرت، بل ظلت صابرة رغم آلامها.  وبالرغم من الجمع الكثير الذي كان يحيط بالرب ويزحمه، فإنها ثابرت وصبرت وتخطّت كل العقبات حتى وصلت إلى الرب، وبلمسة الإيمان لهدب ثوبه نالت الشفاء في الحال.

2- إيمانها: كان لها إيمانٌ عظيمٌ في الرب وفي قدرته على شفائها من مرضها العضال الذي أنهكها، ولذلك قال لها الرب: «يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ» (مر5: 34).

قال أحدهم: “الجمع يزحم، والإيمان يلمس”.  لقد نالت الشفاء من مرضها، ونالت أيضًا الخلاص، وذهبت ومعها سلامٌ من الرب شخصيًا.  لقد عمَّق الرب احتياجها لشخصه لكي يغمرها ببركاته، ونحن في أحيان كثيرة يصنع الرب معنا أشياءً تجعلنا محتاجين إليه، لكي ما نأتي إليه ونرتمي في أحضانه واثقين في قدرته وفي محبته أيضًا.

3- صراحتها: عندما سأل الرب: «مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟»، جاءت مرتعدة وخَرَّت له، وأخبرته بالحق كله، لم تخفِ عنه شيئًا؛ لأنها تيقنت أنها لا تتعامل مع شخص عادي، لكنه شخص عظيم قدير؛ لذا لم تخجل من أن تحكي له عن آلامها وتعبها من الأطباء، وربما من معاناتها النفسية ونظرات الناس لها، فكان مكافأة الرب لها بأن أكرمها علانيةً «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لو8: 48).

عزيزي.. قد يُجيزك الرب في الآم جسدية أو الآمٍ نفسيه أو كليهما معًا، فلا يهن عزمك؛ فالرب يريد أن يقوّي إيمانك، ويهبك بركات لا حصر لها، لن تختبرها إلا من خلال الألم، أما إذا كنت إلى الآن لم تختبر خلاصه وما زالت الخطية تستنزف قواك وجهدك وصحتك، فتعال بالتوبة والإيمان إلى مَن عنده العلاج لكل داء.

     يهمس الله في أوقات سعادتنا، ويتحدث إلى ضمائرنا، ولكنه يصرخ في آلامنا؛ فهي كمكبر الصوت لديه، ليوقظ عالمًا أصابه الصمم.
           سي. إس. لويس

نجاتى ناجى