أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
زمن الضيقة محدود
من أهم الأسباب التي تجعلنا مُطمئنين وقت الألم: أن الله يعلم ما نعانيه؛ فهو الذي يسمع الأنين، ويعلم كل ما نمر به (خر2: 24، 25).  لكن هناك حقيقة أخرى يكشف عنها الروح القدس، تجعلنا «صَابِرِينَ فِي الضيْقِ» (رو12: 12)؛ فكلمة الله تُعلِّمنا أن الألم له وقت محدَّد، وزمان الضيقة زمان محدود، يعرفه الله الكلي العلم وصاحب السلطان المطلق.  فمكتوب:
«لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ.
هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا،
وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.
كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ»
(رؤ2: 10)

هنا يكشف لنا الروح القدس عدة أمور هامة وهي:

    الله لم يُخْفِ عنا وجود الألم «يَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ».

    الله يُوصينا أن لا نخاف رغم وجود الألم «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ».

    الله يعلم مسبقًا بما سنعانيه، وبالضيق الذي سيقابلنا «عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ».

    الله يعرف تفاصيل التجربة والألم «إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا».

    الله يعرف توقيت الألم ومدته بالضبط، وهو المُتسلط والمُسيطر على الأمر برمّته «ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ».

    الله يُكافئ من يحتمل الألم «كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ».

كل هذه الأمور من شأنها أن تملأنا بالسلام والطمأنينة، ومن بين هذه الأمور التي تجعلنا مطمئنين وهادئين وقت الألم، أن الضيق له زمان محدود لن يتعداه.  فالألم له بداية وله أيضًا نهاية، وهناك العديد من المواقف والمواضع الكتابية التي تؤكد لنا هذا:  فمثلاً: قبل أن يُرسل الرب موسى ليُخرِج بني إسرائيل من أرض العبودية والذُلّ والألم، قال الرب له وقتها: «وَلكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لاَ يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي الَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا.  وَبَعْدَ ذلِكَ يُطْلِقُكُمْ» (خر3: 19).  كان الرب يعرف صعوبة الأمر، لكنه أيضًا كان يعلم أن المسألة مسألة وقت.  كان يعرف أن الصعوبات والمعوّقات التي سيضعها فرعون أمام موسى والشعب لها زمان محدود وبعدها سيُطلقهم، وربما هذا من ضمن الأسباب التي جعلت موسى يذهب بعد أن كان متردِّدًا، لقد عرف موسى أن وقت الصراع مع فرعون وقت محدود؛ له بداية وله أيضًا نهاية.
هنا يقول الرب الرسالة ذاتها لملاك كنيسة سميرنا، لم يُخْفِ عنهم نية إبليس في أن يجرِّبهم، لكنه أيضًا جعل مع التجربة المنفذ، ووضع أمامهم الحق كاملاً بأن للتجربة نهاية، وللألم وقت محدَّد ومحدود.  فلو كان الرب قد اكتفى بالقول: «يَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ» فقط، لكان القلق والإحباط قد ملأ القلوب، وكان السؤال الذي سيطرح نفسه بشدة وقتها: «حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ؟» (حب1: 2).  لكن الرب أراد أن يُطمئن القلوب، ويُهدّئ من روع النفوس بالقول: «يَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ».  والفارق كبير بين واحد يُدرك أن الألم له وقت محدود وسينتهي، وآخر لا يعرف أن للأمر نهاية.

نذكر أيضًا قول الرب - له المجد - لبطرس: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!  وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ.  وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لو22: 31).  ذكر الرب لبطرس أن الشيطان طلبهم لكي يغربلهم، لكنه لم يترك بطرس قَلِقًا خائفًا من هذا الأمر، ولم يتركه يتخبط في حساب وتخمين ما إذا كانت المشكلة ستنتهي أم لا، بل في اللحظة ذاتها أوضح له أن للأمر نهاية، وسيأتي اليوم الذي يرجع فيه بطرس ليثبِّت إخوته.  بالتأكيد كان تأثير هذا الأمر إيجابيًا جدًا على بطرس وقت التجربة.

إن محدودية زمن الألم تضمن لنا التعزية وقت الألم.  وقد تطرَّق بولس الرسول لهذا الأمر بشكل بديع عندما قال: «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا.  وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى.  لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ» (2كو4: 17، 18).  فالرسول بولس يؤكد هنا أيضًا أن زمان الضيق محدود بقوله «ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ»؛ ضيقة لن تستمر طويلاً، بل وقتية، محددة، ستنتهي يومًا.  لكنه أيضًا ذكر مقارنة رائعة بين الضيق الوقتي والمجد الأبدي، بين الآلام التي تُرى والأمجاد التي لا تُرى؛ فرفع عيوننا لموطننا السماوي، وأخذ بقلوبنا إلى المجد الأبدي، لننسى كل ألم وضيق نعانيه في هذه الغربة مهما طالت مدته. 

وفي القول “عَشَرَةَ أَيَّامٍ” نرى قِصَر مدة الألم؛ فهو ليس محدودًا فقط، لكنه قصير أيضًا.  وبالتأكيد كل ألم نُعانيه في الغربة - مهما طالت مُدَّتِه - سيكون قصير جدًا لو قارناه بالمجد الأبدي الذي ينتظرنا، وبالسعادة التي سنكون فيها مع الحبيب إلى أبد الآبدين.

قارئي العزيز يا من تمر الآن في ضيقة شديدة، يا من تشعر أن الأمر لن ينتهي، تهاجمك الأفكار بأنك ستظل متألِّمًا يائسًا من الآن فصاعدًا، يا من لا تشعر ببادرة أمل واحدة تبدو في الأفق؛ اطمئن!  فالرب يعلم ما تعانيه تمامًا.  إنه لا ينساك لحظة، ولن يتركك وحيدًا كما تتصوَّر، هو يعلم أيضًا التوقيت المحدَّد والمحدود لهذه التجربة.  فقط ثق في قدرته وتوقيتاته العظيمة، ثق أنك ستخرج من بوتقة الألم شخصًا آخر، أنت الآن على دولاب الفخاري، يُشكِّل فيك ويضع لمساته الإلهية البديعة، ستخرج من بين يديه وعاءً آخر، يعكس عمل الفخاري وإبداعه، بل يعكس صورة الفخاري نفسه.  ثق أن للألم وقت محدَّد ومحدود يعرفه الله جيدًا، وقتها ستختلف نظرتك للأمور، وسيمكنك أن تنتظر وتتوَقَّع بسكوت خلاصَ الربَّ (مرا 3: 26).

باسم شكرى