أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
إيليا إنسان تحت الآلام
«كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا» (يع5: 17)
لا توجد آنية - من أواني الكرامة التي استخدمها الرب - إلا ودخلت بوتقة الألم، وخضعت لتدريبات إلهية شديدة.  وكلمة الله مليئة بهذه الأمثلة.

ورجل الله إيليا هو عينة واضحة جلية، لنبي كريم وخادم عظيم، دخل مدرسة الألم واختبر أنواعًا مختلفة من الضيق والضغوط: فمرة تراه شامخًا شجاعًا، وتارة أخري مُنحنيًا مُحبَطًا، لأنه كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا.  وشكرًا للرب، لقد أحاطت نعمة الله به، وسط آلامه المتنوعة، تكفيه وتُشجعه حتى نهاية المطاف.
وسوف نركز تأملاتنا على ثلاثة جوانب للألم في حياة إيليا:

أولاً: آلام الاختباء والوحدة

بعد ما أخبر إيليا أخآب بالرسالة القاسية «إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ»، كان كلام الرب له قائلاً: «انْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأُرْدُنِّ» (1مل17: 3).  
 ولأسباب كثيرة، كان لا بد لإيليا أن يختبئ، سواء لتدريبه وتشكيل آنيته من جهة، أو لحمايته من بطش أخآب الشرير من الجهة الأخرى.

وبكل تأكيد، كان إيليا هناك في وحدة قاسية على نفسه جدًا، يعيش مُنعزلاً عند شاطئ نهر كريث الصخري، حيث الصمت المُطبق، لا يسمع إلا حفيف الأشجار، ولا يري إلا بعض الطيور.  لكن ألم هذه الوحدة لم يُثْنهِ أبدًا عن شهادته ًلله ضد الشر.
هذا يذكَّرنا بما قاله الرسول بطرس: «وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ، وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا» (1بط3: 14). 

لقد كان إيليا وحيدًا بلا رفيق من الناس، لكنه اختبر الحضور الإلهي «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ ... الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ»، واختبر الإعالة والعناية من إله كل نعمة، مُطعِما إياه بخبز ولحم صباحًا ومساءً.
عزيزي: قد يُكلفك اتِّباعك للبِرِّ أن تكون وحيدًا بعيدًا عن الناس، لا تنزعج، فعندما تكون في مشيئة إلهك، تؤازرك إمكانيات إلهك.

ثانيًا: آلام التدريبات  في صرفه  

«وَكَانَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ الَّتِي لِصِيدُونَ وَأَقِمْ هُنَاكَ.  هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ» (1مل17: 9).  
صرفة، والتي تعني “بوتقة التنقية”، كانت مجالاً للتدريبات الإلهية الضرورية، وهناك اختبر إيليا آلامًا متنوعة:
1. كان عليه أن يقطع حوالى160كم من نهر كريث إلى صرفة، مارًا  بكل أرض السامرة - حيث كان أخآب يُفتِّش عنه - ثم يصل لصرفه الموطن الأصلي لإيزابل!!  لكنه تعلَّم أن يفعل مشيئة الذي أرسله «فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ» (1مل17: 10).

2. كان عليه أن يُقيم هناك عند أرملة فقيرة تعوله، فكان عليه كخادم للرب أن يتّحد مع البائسين، ويُخفِّف آلام المطحونين الذين يصرخون: “اعْبُرْ إِلَينا وَأَعِنَّا!”، ويقدِّم لهم الرب الحي الذي يعول، وأيضًا يُحيي «اَللهُ لَنَا إِلَهُ خَلاَصٍ، وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ» (مز68: 20). 

3. وهناك أيضًا تألم إيليا وهو يستمع إلى الكلمات القاسية التي قالتها الأرملة له، عندما مات ابنها: «مَا لِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ!  هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟» (1مل17: 18).  وعندما سكب نفسه أمام الرب شُفي الولد وتشدد، بل وتدرَّب إيليا أن يخدم الرب بصيت رديء أو بصيت حسن!  ولقد صلى إلى الرب بالإيمان، «فَسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوْتِ إِيلِيَّا، فَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ فَعَاشَ» (1مل17: 21).

ثالثًا: آلام التهديد من الأشرار

ها هو إيليا في منحنى خطر، يُطارده زئير الأسد مُمثَّلاً في إيزابل ومن معها، متوعِّدة إياه بالقضاء عليه خلال ساعات!
وللأسف تحوَّل نظره عن الرب إلهه وإمكانياته، فملأه الخوف والانزعاج، ونسي قول داود: «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي مِمَّنْ أَخَافُ؟  الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مز27: 1).  ومن شدة خوفه أخذ يُخطِّط للهروب لينجو بنفسه.  وفي النهاية قرَّر أن يرتاح من الناس ومن نفسه ومن كل شيء. 

وبدلاً من أن يطلب من الرب معونة، طلب منه أن يُنهى حياته!  فهل يُمكن للمؤمن أن يتملّكه اليأس، وأن يتثقل فوق الطاقة، حتى يطلب الموت من الرب؟! 

ما أبعد الفارق بين ما فعله إيليا في آلامه، وما فعله المتألم الأعظم، ربنا يسوع المسيح، يوم أحاطت به كلاب، وجماعة من الأشرار اكتنفته، فرفع صرخته لله قائلاً: «أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، فَلاَ تَبْعُدْ.  يَا قُوَّتِي، أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي» (مز22: 19).  
أيها المتألم: اطمئن، لن يتخلى إلهنا الرقيق عن أتقيائه يوم ضيقهم.  وهو ما فعله الرب مع إيليا، فلقد أعطى لحبيبه نومًا ليستريح، ثم طعامًا ليتقوي!

ثم نبلغ نهاية  رحلة الآلام ...
في جهل وانحناء، طلب إيليا أن تنتهي آلامه وحياته تحت الرتمة، لكن نعمة الله حفظته إلى اليوم السعيد، ليصعد في مركبة ناريه، في هيبة ووقار إلى السماء.

وقريبًا جدًا ستنتهي رحلة آلامنا هنا، لا بوسيلة من الأرض، بل بمجيء مخلِّصنا من السماء، الرب يسوع المسيح «وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (رؤ21: 4)، «وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (1تس4: 17).

قد نلاقي آلامًا هنا   في مسيرنا مع ربنا
إن وعدهُ أمــــــين   يبقى معنا كل حــين
     يُذهبُ الحُزنَ عنا والأنين
      



إيليا كيرلس