أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الألم
السنة 2013
الآم خذلان الأحباء
هذا النوع من الألم يُدمي القلب، ولا يُقارن بالآلام الجسدية، ويصعُب محوه مع الزمان، ويحتاج لنعمة خاصة من الرب يسوع لنسيانه، فجُرحه أعمق من طعن السيف، وألمُهُ أقوى من كسر العِظام.  لكننا يجب نُفرق بين نوعين من الآلام:

1 – آلام نستحقها بسبب اختياراتنا الخاطئة لأشخاص
اعتقدنا أنهم أحباء لنا - وهم لم يكونوا أبدًا كذلك - بل كل ما كان يهُمهم هو منفعتهم الشخصية، وقد اخترناهم بالرغم من أنهم غير مؤمنين، متجاهلين وصية الكتاب: «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟  وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (2كو6: 14).  فها هو رحبعام يجمع من حوله أصدقاءه الأحداث الذين اختارهم ليكونوا مشيريه، وفي أول سؤال سأله لهم كانت نتيجة إجابتهم انقسام المملكة (2أخ10).  لذلك فإني أدعوك أن تُراجع نفسك أمام الرب في من هُم حولك من أحباء وأصدقاء قبل أن يخذلوك.

2 – آلام نتجت من خذلان أشخاص قريبين منّا جدًا
، تربطنا معهم علاقات وطيدة، أناس ائتمناهم على أسرارنا، أو كنا نرجو أن يقفوا بجوارنا وقت حاجتنا إليهم.  وهذه الآلام ينتج عنها مرارة لا يسهل تحملها.

آلام من الأقرباء

كم كانت آلام يوسف عندما ذهب إلى إخوته لينظر سلامتهم (تك37: 14)، فذهب إلى شكيم حيث كانوا يرعون غنم أبيهم، ولما لم يجدهم، ذهب وراءهم إلى دوثان؛ وبعد كل هذا السفر وكل هذا التعب «كَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْهُ قَمِيصَهُ، القَمِيصَ الْمُلَوَّنَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ» (تك37: 23-24).  فكم كانت آلامه وهو يُنبذ من إخوته، إذ استقبلوه بالطرح في البئر، ثم أخرجوه من البئر ليبيعوه لقافلة من الإسماعيليين!  بالتأكيد كان يوسف يتمزق ألمًا وهو يرى إخوته يفعلون به هكذا.

وكم كانت حسرة مريض بركة بيت حِسدا وهو يقول للرب: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ» (يو5: 7).  ولاحظ أن هذا اليوم كان يوم عيد، ولم يكن معه حتى شخصٌ واحدٌ من أقاربه ليُهنئه بالعيد، أو ليُعطه طعامًا أو لباسًا جديدًا، كما يفعل الناس عاده في العيد.
«وَتَكَلمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ عَلى مُوسَى بِسَبَبِ المَرْأَةِ الكُوشِيَّةِ التِي اتَّخَذَهَا» (عد12: 1).  وكم يكون الألم صعبًا بسبب الكلمات الجارحة، ولا سيما إذا صدرت من الأقربين!  يتكلمون أمامنا أو من خلف ظهورنا بكلام سلبي علينا أو على ذوينا! 

آلام من الأصدقاء

بداية أدعوك أن تختار الصديق بعناية وحرص، لئلا تعود وتندم، ولكن بالرغم من كل حرصنا كثيرًا ما نتألم من خذلان أصدقائنا أو جرحهم لنا. 

والرب يسوع هو أعظم مثال يمكن أن نرى فيه هذا النوع من الآلام، فبعد علاقة دامت أكثر من ثلاث سنوات، عاش الرب مع التلاميذ أكلوا وشربوا معًا، جازوا معًا في صعوبات كثيرة.  شاهدوا الرب في كل معجزاته، اقتربوا منه وهو يبكي عند قبر لعازر، شاهدوه وشاركوه وهو يفرح في عُرس قانا الجليل، ورأوا حرصه على سلامتهم عندما اُلقي القبض عليه (يو18: 8).  ولكننا نرى مِن هؤلاء الأصدقاء، يهوذا الإسخريوطي الذي مضى وباعه، وكانت علامة تسليمه لهم قُبلة!  وهل هناك طعنة يمكن أن تكون أكثر غدرًا مِن هذه!  الذي أكل معه، بل وأعطاه اللقمة في العشاء بيده، وهي علامة المعزة والحب، يطعنه طعنة غادرة في ظهره، ويبيعه لرؤساء الكهنة؟!

وماذا عن إنكار بطرس أمام الجارية! 

لذا فمهما تألمنا من أصدقائنا، لنتذكر دائمًا أن سيدنا سبق ومرَّ في آلام تفوق آلامنا، ويستطيع أن يُعيننا في جميعها «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18).

عزيزي..  ربما تكون قد مررت بمثل هذه الآلام، وتقول مع أيوب: «أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي، وَالَّذِينَ عَرَفُونِي نَسُونِي» (أي19: 14).  والإنسان هو الإنسان؛ يوم تجده قريبًا جدًا منك، ويوم آخر تجده يتركك ويخذلك.  قال الرسول: «فِي احْتِجَاجِي الأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيعُ تَرَكُونِي» (2تي4: 16)، لذلك لا تحزن إذا تركك الناس أو خذلوك، لأن هذه هي طبيعة الإنسان، وتذكَّر أنه يوجد شخص لا يمكن أن يخذلك أبدًا، فمحبته لك تختلف تمامًا عن محبة أي حبيب آخر «اَلْمُكْثِرُ الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ» (أم18: 24).  وتذكر كلمات داود لابنه سليمان: «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ وَاعْمَلْ.  لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ إِلَهِي مَعَكَ.  لاَ يَخْذُلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ» (1أخ28: 20).

مايكل إسحق